يصنّف العراق ضمن البلدان الأكثر هدرا للطعام، ويرتبط ذلك بطبيعة العادات والتقاليد الاجتماعية، حيث تمثل بقايا الطعام نحو 43% من إجمالي النفايات في البلاد.
ويصف الكاتب علي فاهم حالة الهدر في البلاد بقوله يبدو كأن العراق بلد المتناقضات الدراماتيكية بين ما يملكه من ثروات هائلة اكتنزت في يد طبقة معينة استأثرت بها، وفقر كبير يعصف بشعبه.
ويعزو فاهم أسباب تزايد الهدر إلى طبيعة الفرد العراقي، التي يضاف إليها الضغوط الاجتماعية والموروث الشعبي، إذ تتسم الشخصية العراقية وسلوكها المجتمعي بالبداوة، حسب تعبيره.
ويلفت فاهم إلى أن الطعام أصبح يُقدّم في صحون كبيرة جدا تزيد على الحاجة، ثم يُرمى باقي الطعام من دون أي فائدة، ويضيف أن هذه التقاليد الاجتماعية أسست ظواهر سلوكية غير منضبطة لا يمكن التخلص من تبعاتها بسهولة، مشددا على ضرورة نشر الوعي المجتمعي والثقافي بإطلاق برامج حقيقية لمواجهة السلبيات المتراكمة، وذلك بتضافر جهود الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
ويحذّر الخبراء من تداعيات اقتصادية كبيرة على العراق جراء كميات الطعام المهدرة، وما تتطلبه من جهود كبيرة للتخلص منها أو تدويرها.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إن هدر الطعام يعد جزءا من سلوكيات المجتمع العراقي تحت مسمى إكرام الضيف، وذلك بطبخ كميات طعام أكبر من حاجة الأسرة بشكل مستمر ويومي، تحسبا لقدوم ضيوف غير متوقعين أو من دون موعد سابق.
ويتحدث المشهداني عن كميات هدر ليست بالقليلة، الأمر الذي يتسبب في خسائر كبيرة، لا سيما أن العراق يستورد جميع المواد الغذائية بمبالغ ضخمة في ظل أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، معلقا "لو تم حساب كمية الطعام المهدرة يوميا بالعراق (20 ألف طن) بقيمة الحبوب التي يصل سعر الطن الواحد منها إلى 400 دولار، فهذا يعني خسارة العراق أكثر من 8 ملايين دولار يوميا عدا الخسائر الأخرى".
وبناء على ما تقدم، يرى المشهداني ضرورة تعزيز الثقافة المجتمعية وتضمين المناهج المدرسية كيفية التعامل مع الغذاء الذي أصبح من السلع النادرة، وذلك بهدف ديمومة الحياة وصيانة حقوق الأجيال القادمة، لافتا إلى أن المناسبات الدينية والزيارات المليونية بالبلاد تسهم سنويا في هدر الأطنان من بقايا الطعام الفائض الذي يرمى في النفايات، وفق قوله.
ولا تقتصر مشكلة هدر الطعام على الخسائر المادية، بل تنذر بعواقب بيئية خطيرة تهدد الصحة العامة.
ويعتبر الخبير البيئي أحمد صالح نعمة أن ارتفاع معدلات نفايات الطعام المهدر في العراق تعد من السلوكيات الخاطئة ومن مظاهر التشوه البصري في المدن، لا سيما أن البنى التحتية للبلديات ليست كافية لاستيعاب هذه الكميات الكبيرة من الطعام المهدر والنفايات المنزلية.
وقد يؤدي تحلل هذه النفايات -نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة- إلى انبعاث غاز الميثان وبعض السموم، إضافة إلى انتشار أنواع البكتريا الضارة في البيئة العراقية، حسب ما يحذّر نعمة.
ولا يقف الأمر عند ذلك، إذ إن رمي بقايا الطعام بمجاري الأنهار يؤدي لزيادة تلوث المياه والإضرار بالتنوع البيولوجي من ناحية البكتريا الحميدة، وبيوض الأسماك والكائنات الحية الأخرى، وبرر نعمة انتشار كثير من الأمراض -لا سيما التنفسية والصدرية والجلدية- بسبب النفايات وما ينتج عنها، داعيا إلى الحفاظ على البيئة من خلال تدوير هذه النفايات وتحويلها إلى مادة الكومبوست التي تدخل في التسميد الزراعي ورفد التربة بالعناصر الغذائية المفيدة.
ومع تفاقم المشكلة، كشفت الجهات الحكومية المختصة عن مشروع طموح للتخلص من النفايات.
ويقول مدير عام الشؤون الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض إن النفايات تعد مشكلة حقيقية تعانيها محافظات العراق بصورة عامة، وبغداد على وجه الخصوص، بسبب كمياتها الكبيرة والطرق التقليدية في إدارتها.
وأشار إلى أن العاصمة بغداد تطمر نحو 10 آلاف طن من النفايات يوميا، مبينا أن الحاجة لمعالجة هذه النفايات تتطلب تنفيذ مشروع "صفر نفايات" الصديق للبيئة، مرجحا تحقيق مردود اقتصادي جيّد من خلال المشروع، فضلا عن توفيره كثيرا من فرص العمل.
ويوضح الفياض أن المشروع المرتقب في طور إعداد دراسة الجدوى لمعرفة كافة المعلومات المطلوبة لتنفيذه من حيث كمية النفايات ونوعها وموقع تنفيذ المشروع والجهة المنفذة ونوع الآليات المستخدمة وعدد الأيدي العاملة وغيرها.
ويرى الفياض أن المشروع المرتقب حلقة مهمة ضمن إستراتيجية العراق لمكافحة التغيّر المناخي لتقليل الانبعاثات السلبية، مثل غازات الاحتباس الحراري وملوثات الهواء، مشيرا إلى استمرار المشاورات مع البنك الدولي لغرض الاستفادة من الخبرات والتمويل الدولي لضمان نجاح المشروع.
المصدر : الجزيرة