يحاول العراق عبر جهود البنك المركزي تطمين الجانب الأميركي بتطبيق المعايير الدولية الصارمة على قطاعه المصرفي، خاصة مع فرض نافذة بيع العملة الأجنبية وحزمة العقوبات على العديد من المصارف الأهلية المخالفة للضوابط، فيما يستمر سعر صرف الدولار بالسوق الموازي بحالة القلق صعوداً ونزولًا بلا استقرار، على الرغم أن كل ما يجري تطبيقه من لوائح لتخفيف الخناق إزاء ملف التهريب منذ سنوات.
في شهر آب المنصرم توجه وفداً من البنك المركزي العراقي برئاسة المحافظ علي العلاق إلى واشنطن للتباحث مع وزارة الخزانة الأميركية وبنك الاحتياط الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع شركات مونيغرام وفيزا وماستر كارد، فضلاً عن مصرفي ستيت بنك وجيه بي مورغان، وكذلك شركات التدقيق الدولية (KPMG ، E&Y، K2i و Oliver Wyman).
وبحسب بيان رسمي للمركزي، أشار إلى عقد اجتماع آخر نهاية العام الحالي، للتباحث بشأن التحول الكبير في إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة بين المصارف العراقية وشبكة المصارف المراسلة الدولية، وفقاً للخطة الموضوعة.
تحديث عمل المصارف
حول ذلك يقول المصرفي المختص، مصطفى أكرم حنتوش، لـ "الجبال"، إن "الولايات المتحدة الأميركية تريد إعادة النظر بكل النظام المصرفي الخاص، حيث أن شركة التدقيق المالي التي سيتم التعاقد معها هي من ستقوم بإعداد دراسة لذلك"، مبيناً أنّ "اجتماعات وفد المركزي مع الجانب الأميركي كانت جيدة، وإحدى شركات التدقيق المالي العالمية ستعمل في قطاع المصارف العراقي".
وتابع، أن "النظام المصرفي العراقي لا يقوم بإجراء عمليات مالية دقيقة بل عمليات تحويل يطلبها المركزي الذي يعتمد بدوره على معايير قديمة لتصنيف تلك البنوك"، مؤكداً أنّ "على البنك المركزي إجبار البنوك على العمل وفق معايير عالمية، لأن بعض تلك المصارف موجودة منذ تسعينيات القرن الماضي في وقت من المعلوم وجود مصارف عراقية تعتبر الأفضل مقارنة بمصارف أجنبية أخرى".
واعتبر حنتوش، أن "المشكلة تكمن أيضاً بأن التعاملات المصرفية هي أساسها من الحركة التجارية وموضوع الجمارك والاتمتة التي يجب تطبيقها في وقت قام المركزي بالتوسل بالمصارف لغرض ارتباطها الكترونياً بالجمارك"، لافتاً إلى أنّ "الربط الالكتروني مع المصارف سيؤدي لا محال إلى منع التزوير ورفع إيرادات الدولة عبر تقليل الفوضى الاقتصادية".
وبين المصرفي المختص، أن "المركزي العراقي في طريقه الآن لتصحيح المسار كخطوة أولى في موضوع المصارف المعاقبة أميركيا"، فيما اوضح أن "الزيارة التي اجريت لواشنطن كانت جادة بحل أزمة المصارف وهي خطوة ضرورية كانت بمحلها".
يشار إلى أن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، كان قد استقبل الأسبوع الماضي، رئيس رابطة المصارف الخاصة، بحضور عدد من مديري المصارف الأهلية، وأشار خلال اللقاء إلى "تشكيل لجنة عليا تتولى وضع المعالجات الخاصة بعمل المصارف؛ لتتوافق مع متطلبات العمل على الساحة المالية الدولية، مؤكداً تعاقد البنك المركزي مع شركة أوليفر وايمان بهدف تطوير القطاع المصرفي والمالي".
كما وجه السوداني "بإعداد مشروع قرار يُطرح في مجلس الوزراء يتضمن إلزام الوزارات بتقديم تسهيلات تدعم القطاع المصرفي بالعراق"، فيما سبق ذلك، أعلان المركزي العراقي التعاقد مع شركة "أوليفر وايمان" (Oliver Wyman) لإجراء مراجعة شاملة لأوضاع المصارف العراقية، لا سيما المصارف الممنوعة من التعامل بعملة الدولار الأميركي، بالإضافة إلى تحسين مستوى إجراءات المصارف بما يتوافق مع المعايير الدولية".
ومنذ مطلع العام 2023، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لنخفض تدريجيا ويستقر عن 150 الف دينار لكل 100 دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه إلى نظام “سويفت” المالي الدولي.
التحايل على العقوبات
بالمقابل، يفسر المحلل الاقتصادي، عمر الحلبوسي، زيارة وفد البنك المركزي الاخيرة الى واشنطن بأنها "استدعاء وزارة الخزانة الامريكية لادارة البنك العراقي والتي جاءت بعد تأجيلها مرتين خلال الشهر نفسه لغرض اكمال الادارة الامريكية عمليات تدقيق البيانات وانشطة المصارف في العراق حيث ثبت من ذلك استمرار التحايل على العقوبات المفروضة".
ويضيف الحلبوسي، لـ وكالة محلية ، أن "التلاعب الذي تمارسه بعض المصارف العراقية وخاصة المعاقبة منها مثبت بالكامل لدى البنك الفيدرالي والخزانة الامريكية وهما مصران على استمرار شركة التدقيق بعملها في متابعة الحوالات"، معتبرا أن "الوضع المالي للعراق الان مقلق جدا ويجب الحذر من الوقوع بعقوبات امريكية جديدة ستكبد البلاد خسائرا اقتصادية اخرى".
وبين أن "المصارف التي يتم السماح لها باجراء عمليات التحويل المالي هي ليست عراقية وتنقسم بين الاردن وقطر والامارات والكويت بالتعاون مع مصارف عراقية داخلية"، مؤكدا أن "قيام البنوك العربية بالاستحواذ على المصارف العراقية هي عملية ستؤدي لدخول المصارف الاجنبية الجديدة على خط التحويلات التجارية وهو ما سيكشف بدقة خط التمويل الرفيع الذي يخرج من المصارف العراقية الحالية نحو المكاتب الاقتصادية والفصائل المسلحة وبالاخير سيعرضها لعقوبات جديدة خلال الفترة المقبلة".
الجدير بالذكر أن البنك المركزي العراقي، يقوم بالتخطيط منذ أشهر لإلغاء المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بشكل تدريجي خلال عام 2024 الحالي، وصولاً إلى إلغائها بالكامل مع نهاية العام، والإبقاء عليها لأغراض تدقيقية وإحصائية، وذلك في إطار سعيه لتمكين المصارف العراقية من إنشاء وتأسيس علاقات مع القطاع المصرفي العالمي والإقليمي.
القطيعة بين العراقي والمصارف
ورغم المحاولات التي تجرى حكوميا لاعادة الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي عبر التحسينات الالكترونية والتحول للدفع الالكتروني، الا انها لا تزال غير مجدية حتى الان، اذ وبحسب أرقام البنك الدولي فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون بقاءها في بيوتهم. على ذات الصعيد، يرى الباحث الاقتصادي، نبيل العلي، خلال حديث صحفي، أن "المباحثات العراقية – الامريكية الاخيرة ظهرت بايجابية من خلال بيان المركزي العراقي لان الاخير حاول خلال الفترة الماضية توسيع قاعدة المصارف التي تعمل بشكل مباشر مع مصارف المراسلة الامريكية"، مؤكدا أن "الوضع يسير بايجابية لان العمل يعتمد على المصارف غير المعاقبة وتسير بنظام واضح وبعيد عن اساليب المصارف المعاقبة التي لا تطور بشأن عودتها للتعاملات".
المصير الإيراني
ولفت العلي، الى أن "المركزي سينجح بشكل او بأخر فيما لو تمكن من اجراء الحوالات للمصارف بنسبة تغطي 90 بالمئة من حجم التجارة العراقية، وما لن يستطيع تغطيته سيقوم بربطه بالدول المعاقبة امريكيا مثل ايران التي انتجت السوق الموازي ورفع اسعار السلع نتيجة تضارب الدولار بالدينار"، مؤكدا أن "المركزي العراقي قام بالسيطرة على أزمة الدولار بنسبة معينة تخص اسعار البضائع التي تأتي بالسعر الرسمي ما جعلها تنخفض بعدما كانت تستورد بسعر الصرف الموازي".
وتتضمن قائمة المصارف المحظورة في العراق من التعامل بالدولار الأمريكي عددًا كبيرًا من البنوك الإسلامية والتجارية؛ بما فيها مصرف إيلاف الإسلامي، ومصرف القرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل، وبنك ملي إيران، حيث لا يمكن لهذه البنوك تداول الدولار بينما تستطيع تداول الدينار العراقي والعملات الأخرى.ويتولى البنك المركزي تحديد ما هي المصارف المحظورة في العراق بالإضافة إلى الإعلان عن أسباب الحظر، وهي مجموعة من البنوك التي تم الإعلان عن منعها من استخدام الدولار الأمريكي في تعاملاتها، ووصل عددها إلى أكثر من 20 مصرفًا مختلفًا بعد ادراجها على لائحة العقوبات الامريكية.