29 Mar
29Mar

أنتم يا مَن تمرّون بسيّاراتكم في كلّ المدن، حين تتوقّفون بازدحام، سترون على أعمدة الكهرباء صوراً لشبّان، مطبوعة على فلكسات رخيصة، عُمرها الافتراضيّ أقلّ من عامين، هؤلاء الشبّان ستُخفّف ملامحهم الشمسُ، ثمّ يختفي الأنف، ثم يصبحون أثراً، ليكونوا في طرس المدينة شهيداً فوق شهيد..

أنتم يامَن تتلقّون كلّ الأكاذيب، هذه حكاياتهم والله، هذه بعضُ حكاياتهم، ما يؤذيكم بمشهد سمعناه واقعاً في بيوتنا، كلّ نشغة لآلاء كانت جمرة واحدة من منقلة الشروكَية المساكين، وكلّ نظرة حزن من خليل فاضل كانت آلاف النظرات التي تُحيل الهواء إلى سكون موحش، حين يحلّق المساكين السمر، أرواحاً سمراء، فوق سطوح بيوتهم الكونكريت والصفيح..

تلك والله حكاياتهم، أصحاب الجيوب الفارغة إلاّ من موبايل صرصور، وألفي دينار، تلك حكايات كلّ أبنائنا الذين صاروا فلكسات، على طريق القناة، وطريق خان النص، والفتحات المختلفة في مقبرة النجف، والتقاطعات..

وهبوا كلّ شيء، وكان أسرع ما وهبوه الدم، وعادوا بالمرقّط بالدم، والتوابيت العرجاء المكتوب عليها "وقف"، أمام البيوت فانهجمت، وما انهزمت، ومَن لبست الأسود على أبيه في حرب سابقة، جدّدت الأسود عليه، وستحمي ابنه حتى يكبر، لتجدّد الأسود في حرب مقبلة.

إنها والله حكاياتهم، إنها والله لطمنا وعويلنا وازدهار مقابرنا، تلك والله سرديّتنا التي لن يخدشها ضبعٌ زيتونيّ، أو ملتحٍ عفنٍ يحملُ السي فور بجمجمته، إنها والله ما حدث، بعضُ ما حدث، ما لا يتلاشى تحت شمس، ولا يحكمه عمرٌ افتراضيّ لفلكس..

ما سمعتموه تسجيلاً، سمعناه بالغرف، مرفوعاً بتخريط الخدود، وشقّ الجيوب، ونثر الشعور، ما كان سحراً وخيالاً، ساحَ على الطريق الدولي حتى آخر البصرة، خيط الدم النحيل، وبنى قبوراً وشواهد وبكاءً وعويلاً..

يا آلاء حسين، يا خليل فاضل، يا علي حديد، يا غرفة الكتابة، ألعنكم كثيراً، ألعنكم لأنكم خرقتم تلك الفيزياء، بكلّ قوانينها، وأعدتم شريطاً عمره ٩ أعوام، بـ١٥ دقيقة..


حَمَلة الحكاية، بُقدسيّة الحكاية وبهائها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن