كتب : حسين علاوي
لا شك إن المسرح في نشأته كان محاولة للإجابة عن أسئلة الوجود والمصير .. والقضاء والقدر .. وبقي مكان يعالج قضايا كثيرة و يبحث عن أسئلة أخرى ... سواء كانت هذه الأسئلة درامية او تراجيدية .. لأنهما تثير او تتضمن صراع واستكشاف حدثا ما ..
ويعتقد ادونيس إن الإنسان في الدين السائد عليه أن يجيب لا أن يسأل وأن يتعلم الجواب الذي اعطي له .. وأن يتقن هذا التعلم ..
ويتم الإتقان في حركة دائمة من التفسير والاستعادة.. والثقافة وفقا لهذا التأويل ، هي ثقافة الإيمان لا التسائل .. وثقافة المؤمن لا ثقافة المتسائل.. ويعدها ثقافة وصفية حكمية لا تحليلية نقدية ..
وإن الإنسان مسرحيا مركز الكون ويعني تبعا لذلك : أن نبدع مسرحا هو أن نعرض للأسئلة الحاسمة في حياة الإنسان وأن لايكون اي معنى او أهمية للسؤال عن المصير والوجود ...
وهنا ينعدم التفكير والتفكر في الآفاق ..!
وبما ان المسرح يوناني النشأة والأصل.. ونشأ في مدينة .. وإن العربي لم يؤسس مدينة وخاصة في الجاهلية .. يتوقف ادونيس عند الأصول المسرحية في التراث العربي الإسلامي ويعتبر عاشوراء اكثر اهمية .. لأن المسلم لا يعده حدثا تتداخل فيه الالهة والبشر .. ولا صراع مع القدر .. وليس فيه بعد او منحى اسطوري .. وهو تاريخي واقعي .. وان القاتلون بشر حقيقيون .. والضحايا بشر حقيقيون .. وهو ديني سياسي ..
المقتول رمز ديني لكمال الوجود وكمال المعرفة .. وتحقيق الخير والسعادة والعدالة .. ويعد القاتل لمؤمن خارج إرادة الله.. ومن يستقوي ويتجبر على المؤمنين وغيرهم رمز للطغيان والشر ..
ورغم إنه يعتبر الخاذل للإمام الحسين آثم .. إلى إن القاتل في نظر المخاذل منبوذ ويجب أن يقتل .. رغم ان الخاذل هو نفسه شارك القاتل او شجعه على الطغيان والقتل والجبروت .. فخذل المقتول .. والنتيجة ندم وهذا ماجعل المخذول يستعيد الحدث ويمجدالطقوس ..
الا انه يعتقد ان الكلام في عاشوراء ثانوي ، لأنه نقل لا فعل وشكلا آخر لتغريبه .. وان إنسانا التهمه السيف لايقدر إن يطرد السيف بالكلمات وإنما يطرده بالسيف ..
ويعتقد ان هذا مفارقة في ممارسة الاحتفال في عاشوراء .. وان عاشوراء شكل من اشكال الصلاة التي تشكو الظلم .. بألفاظ وحركات تقلد الأصل الاول .. وان في قتل الحسين خصوصية تتمثل في صيرورته ذكرا ، أي في تحوله إلى احتفال .. وهو محاكاة تمثيلية ، أو قولا وعملا وألفاظ وحركات للحدث الفاجع ..الا ان الحسين ليس اول من قتل في تاريخنا ، بهذا الشكل المأساوي لأن قتل الإنسان كما أي حيوان ظاهرة مألوفة عادية في تاريخنا كله .. قديما وحديثا .. لكن لقتل الحسين خصوصية .. وان هذا الحدث لايتصف بأي صفة من الصفات التي تجعله تراجيديا ، بالمعنى الفني الذي اسسه المسرح اليوناني ، مع انه في ذاته حدث لايمكن أن تضفي عليه الصفة التراجيدية ..
ويعتبر عاشوراء إرث الخطأ .. ولا نتطهر من الخطأ الكبير إلا بانفصال كبير عنه .. والتطهر المستمر من الخطأ.. وان استعادة ذكرى من خذلناه كان لايزال حي ، والعمل في اتجاه مايلغي قتله وقاتليه ..
وبما ان التطهر ليس عاطفيا رغم المبالغة بالعاطفة الا ان ادونيس يعتبره ميتافيزيقي .. ويتمثل في إرادة العودة إلى الأمام المخذول .. وان ممارسة الاحتفال بعاشوراء عودة إلى مايتجاوز الحدث الأصلي..أي الأصل والذي استأصل.. وهي عودة دائرية تحتضن التاريخ وتتجاوزه .. وانها الحياة نفسها تعود عمقاً وعضوياً إلى البرائة الأصلية ..
ان تأويل ادونيس للمسرح العاشورائي فيه الكثير من قوة المعنى.. وجوهر الحدث ..
الا أننا مازلنا نتعامل معه بطريقة التشابيه العفوية الشعبية .. والتركيز على العاطفة دون العقل والوعي .. والبعد الجمالي ..