04 Apr
04Apr

 كتب : حسين علاوي

كتبت هذه المقالة قبل شهور عندما أهدى لي الصديق عمار المسعودي كتاب فقه النشوة.. إلّا أنها اختفت.. وقد وجدتها الآن مطوية في كتاب .. 

تفاجأ الكثير من الأدباء والنقاد لعنوان الشاعر الصديق عمار المسعودي.. كتاب (فقه النشوة), وقد سبقه المتصوف أبو زيد البسطامي بتأليف عدد من الكتب تحمل نفس العنوان .. بل إنه اعتُبر نموذجاً لمنظّري النشوة, رغم إنه كان من كبار الزهاد , وقد بقي متمسكاً بهذا المصطلح ولم يقدم أي تنازل للمجتمع الذي يحيط به .. وكان حسب المؤرخين دائماً ما يعلن عن حقائق بكر في الفكر الصوفي , تزعزع وتشتت عقل السامع والقارئ .. مما جعله عصي على الفهم..  

وقد أدى به هذا النوع من التنظير والعزلة إلى الاتحاد بالله .. وفي ذلك يقول: (انسلخت من نفسي , كما تنسلخ الحية من جلدها.. ثم وجدت ذاتي, فكنت أنا هو) .. وكان يشاهد ذاته تحاور الله .. فيغمره الحضور الإلهي ذاته , حتى يذهب بعقله مخلفاً فيه حالة من الفيض , والذي يطلق عليه المناؤون للتصوف (الشطح) , أي الكلام المفعم بالوجد المتناقض.. لأن المخلوق ينطق بخطاب إلهي.. وكان البسطامي يقول كل ذلك السكر الذهني أو النشوة , بعيداً عن قطعية الشريعة  

.. وكان يطمح إلى إدراك الحقائق الروحية في كليتها , وبالتالي بأضدادها .. وان تكون الشريعة حجابا .. وهذا ماجعل الكثير من معاصريه ان يكفرونه .. ورغم ان الجنيد يعد أنموذجا للروحاني المعتدل .. الا انه اعتبر البسطامي ممن فقد توازنه في البحث عن النشوة .. وتشبعه بالحضور الالهي .. 

اما الشاعر عمار المسعودي فقد استخدم مصطلح كتاب وليس ديوان ، وعنوان الكتاب لاشك اوسع من الديوان خاصة وان الكثير من القصائد تمردت على العناصر التقليدية للقصيدة .. سواء كانت عمودية او نثرية .. وذلك بقواعد بنائية جديدة تجاوزت النص المفتوح .. ولهذا سماها كتاب وليس ديوانا .. فهرب من القواعد الجاهزة للقصيدة .. وادخل فيها كثيرا من الرؤى الصوفية والرومانسية والسريالية .. كل ذالك كان بمسحة وجودية متمردة على السائد من الفكر والفقه والتراث .. بلغة تختصر وتختزل وتفكك معاني الدال والمدلول .. وتلعب على اسرار المعارف .. وتنتصر للطبيعة .. 

لاتكن في الكلمات ولا في الصفات ..

كي لاتتجزأ فيعرفك 

كل من يقرأ .. ومن لايقرأ ..  ص ٥٠ .


ليست الأجنحة سببا وحيدا بكل هذا الطيران ..

فهناك من يمتلكها ويسكن راضيا في اتحاد هذه الاقفاص ..  

أما النشوة فهي أن تقبل كل ما يدانيك وما يباعدك عن الحبيب.. وما يُظهر وما يضمر , وما يبوح , وما يسر وما يتكسر من شفتيه في الابتسامات .. 

والنشوة أن ترى من تحبه , وتقترب منه , وتسكن إليه وتحاوره في خصام , وفي رضا .. وتختار له ألوان أثماره , وأضواء نجومه .. ومنازل أقماره .. وأن تعرف كلامه في الصمت.. وصمته في الكلام.. ص81 . 

وهذه القصيدة التي تذكرنا بحوار موسى وهارون بعد أن خذلهم بنو إسرائيل..حينما دسست يدي بيديه , قال: 

توقف ولا تأخذ بلحيتي ولا بانحناءة ظهري ولا بحكمتي .. 

قال: خذ حدائقي  وأبذرني.. 

أعد  أشبهك مراراً من دون أن تدري ..

٠ قال: ابعد عني قامتك وسحنتك.. وسرعة خطواتك ووسع فضائك.. ص71 . 

ورغم أن المسحة الصوفية وحواراتها واضحة في أكثر القصائد.. إلا أن المسعودي لم يتخلص من سلطة العقل وآثاره .. وجمال الطبيعة.. فهو دائماً مع البساتين والأغصان والأثمار والزهور .. يحفر ويسقي ويبدع ويرسم.. 

لم تكن عناقيد العنب في صحونك المعطرة واللامعةدليلا على بساتيني في قلبك .. 

لذا لاتقل لي بصحراء كنت بها وتخليت .. 

  نعم .. انه أحد الشعراء المجددين بالشعرية .. وخاصة في حركة قصيدتها الثانية للحداثة .. كما وصفه الناقد الاستاذ ياسين النصير .. وهو شاعر بحق .. مبنىً ومعنى .. كما وصفه الناقد الدكتور عمار الياسري .. 

ويبقى كتاب فقه النشوة , إثارة كبيرة ومشاكسة لاستعماله في الأدب .. وخاصة إذا ما عرفنا أنه مصطلح خاص بفقه الأصول واللغة والمقاصد والمذاهب .. إلّا أن الشاعر عمار المسعودي حوّله إلى قاموس حب .. وعطر أعراس .. وبساتين محبة ..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن