21 May
21May

كتب : حسّان الحديثي 

ما أشعر يوسف الصائغ في مطلع قصيدة المعلم حين قال:


هي سبّورةٌ عرضُها العمرُ

تمتدُّ دوني 

وصفٌّ صغيرٌ

بمدرسةٍ عندَ (باب المعظّمِ).


لقد نبّهني حامد الراوي يوماً الى هذا المعنى المدهش حين قال لي: لقد أثّث الصائغُ حائطَ العمرِ بسبورة.


ليست الدنيا العريضة اكثر من صفٌ صغير والحياةٌ سبورة، يا الهي هذا شعر مدهش. 


مات الصائغ في دمشق، وقبله مات الجواهري بدمشق ايضاً، ولم تكن دمشق تطلُّ على خليج ولكنها لم تخلُ من صدى ونشيج وردى.


الردى ليس موتاً كما هو معروف، الردى هو المنعُ؛ اي البعد، الفراق، الغربة، الردى هو المنفى اذا استحالت العودة، هكذا عرفناه وألفناه في ذاكرة السياب والا ماذا كان يعني أبو غيلان حين قال:


أصيح بالخليج: يا خليج 

يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى

فيرجعٍُ الصّدى

كأنه النشيجْ 

يا خليج 

يا واهب المحار والردى... 


سعدي يوسف عاش "الردى" حتى وافاه الموت في لندن، بعده بقليل زار الموت لميعة عباس عمارة في "رداها" بسان دييغو على شواطي المحيط الهادي بآخر الارض البعيدة. 


سيقول أحدهم: هناك من يعيش الغربة في وطنه، ربما يعيش الغربة يا صديقي ولكنه لا يعيش الردى.


وربما يسألني آخر: ماذا تقصد بقولك ان الغربةَ ردى؟

هو سؤال صعب وقفت عنده كثيراً أبحث له عن جواب حتى اهتديت لقول مظفر النواب:


في يقظتي والمنام ..

يُفتِّشُني الحزنُ في كلِّ ليلٍ ..

فماذا يُفتِّشُ هذا الغبيُ بهذا الحُطام ؟


هذا هو الردى؛ ان تُسقاه قبل أن تراه، ان تتجرع اكؤس آلامك ويفتش الحزنُ في بقايا حطامك، اما الموت فهو النهاية الطبيعية لما تقدم... 


بين الصايغ والجواهري والسيّاب، وسعدي ولميعة والنوّاب وغيرهم من اهل البعد والاغتراب، خليجٌ وصدى ونشيجٌ وردى، ينتهي كله بالموت. فلينظر احدنا اي ردىً يعيش. 


الردى ليس موتاً، الردى هو البعد الذي ينتهي بالموت.



.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن