02 Jul
02Jul

نعيم عبد مهلهل 

  وأنا أقرأ مقدمة  الديوان الشعري الجديد لصديقي الشاعر السعودي عبد الله محمد باشراحيل  والموسوم ( قرابين الوداع ) ، تسكنني بهجة الذكريات مع متعة قراءة الشعر وشاعره ، ودوما منذ كتابي الأول عنه ( عبد الله باشراحيل ..صناعة وردة الشعر في عطر مكة ) وأنا اعيش في بوح قارات الشعر فأجدها متماسكة في الوعي والبوح والقراءة ، انه ينظر الى العالم بوجدان وانسانية وتأني وموضوعية وبجمالية يُحسنُ صناعتها بأتقان ويحسن تماما الصياغات الجمالية لجملته الشعرية ، فتأتي وهي تتماشى مع ايقاعين مهمين في بنية أي قصيدة ، هما اللحن والمعنى .

قرأت المقدمة وذهبت لأقرأ في ديوانه ( قرابين الوداع ) ، مستمتعا في حدائق العناوين ، لكنني في بنية ما أسسه هنا هو اني اشتغلت على كيان الشاعر في بنائه الروحي كما عرفته ، وعلاقة هذا البناء بمكة كمكان روحاني مقدس لدى كل مسلمي العالم .

فهي ( مكة المكرمة ) تمثل للشاعر باشراحيل ازلية الهاجس المسكون بعشق الشاعر لمكان ولادته وازلية انتمائه الى هذا المكان ،حتى أنه كتب لي ذات مرة أنه لايمكن أن يفصل مشاعره اليومية عن مكة في لحظة التجلي و الكتابة او لحظة ممارسته عمله المهني في الحياة . 

وعليه فأن القراءات الروحية لروح ديوانه الجديد ( قرابين الوداع ) تبنى على مسارات كثيرة تحددها الاغراض وعناوين القصائد ، وهذا التحديد يقرن بوعي الشاعر لما يتبناه ويقوله من منهج فلسفي في حياته ، وكل القصائد هنا تتراوح في سحر منطقها بين ايقاع موسيقى الكلمات وحسية المعنى والقصد والمناسبة ، بالرغم من أنها لم يتم تبويبها في خانات معنونة ، لقد تركها مفتوحة لمن يريد أن يمتع نفسه قارئا أو باحثا او ناقدا . حيث تنتقل عناوين قصائد الديوان من محطة الى اخرى ، وجميعها تربتيط ضمنا بهاجس الحياة وازمنتها وشخوصها وامكنتها .

  وكنت قد اشرت الى المقدمة لأنها بوابة لما تمنيت ان ادرسه ضمن معرفة ومرجعيات قديمة كونتها عن عالم الشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل ،فهو كما سمعت منه مرارا يشعر أن تسجيل ملحمة الشعر ( ديوانه الجديد قرابين الوداع أنموذجا ) تحتاج الى موقف ورجولة وموهبة وقدرة على جعل الإلهام الفن الذي يتواصل مع الرؤيا والحكمة ايضا ، وهذا ما اجتمع عند الشاعر . 

وهو جزء من المقدرة في جعل البوح رسالة الأمان والأيمان ، وهذا البوح رسمته لنا مشاعر الديوان وكأن الأمر في كل مضامينه ومعانيه رسالة أنسانية ليوميات الشعر وسياحة وجدانية في خرائط الروح وذاكرة الناسان ، لهذا فأنك تشعر أن الجانب الروحي في الديوان يطغي على الرؤى الأخرى ، لنراه يتنقل بين العناوين ولحظات الكتابة بين الذاتي والعاطفي والبيتي والوطني والفلسفي ومشاعر الحزن في مراثي من يفقدهم من أحبابه . 

ومن يبدأ بقراءة هذا المنجز ( نقدا ومتعة تأملية في القراءة وسماع صدى اجراس القصائد ) حيث يشعر الدارس لمنجز باشراحيل الشعري والفكري أن جمع هكذا عدد كبير من القصائد إنما هو جزء من وفرة الحصاد الابداع لباشراحيل حتى انك تستغرب كيف له أن يجمع بين ادارة الاعمال وهذا الكم الجمالي من العناوين التي تبوح بتوهجات العقل الواعي والذي يلهم ويستهلم كل هذا الاسفار بدءا من اول قصائد الديوان ( صمت الهموم ) وحتى اخر قصيدة ( أعياد الحياة ) ، وحين تراقب المفارقة بين البدء والنهاية تشعر أنه بدء في لحظة تأملية فيها هموم ذاتية وانسانية وشكوى مما يحدث في هذا العالم ، ومجمل النص هو جزء كبير من قلق الشاعر الى العالم الذي ينظر الى احداثه كل يوم ويعيش القلق على مصير البشرية في ظل الحروب والتناحرات والمجاعات والاحتلالات وامراض العولمة ، لتصل الى نتيجة مفادها إن البدء بهذا الغرض ليكون عنوانا لأول قصائد الديوان هو بدافع الهاجس الانساني وللتذكير بما يحدث ومحاولة التنبيه إليه  كما في ( صمت الهموم ) ص / 15:

(( انظر بعينيكَ للأيام ِ غاضبةٌ           وأعقل بعقلِكَ ما قد صار او كانا

  إن السحابَ جَهَامٌ في مضارِبنا         عَزَّ المطيرُ وقبلاً كان يغشانا 

خابَ المُؤمل في المأمولِ وانكسرت   كل القلوبِ وصارَ الضَّيمُ قُربانا

فإن رأيتَ حقولَ الزهرش مجدبةٌ        فقُل سلاما على الأمسِ الذي بانا )) 

هو بدء حذر وقرائي لما يقلق الشاعر ويسكنه ، ولكنه قلق وعي ودراية والفهم الذي أراد فيه للشعر أن يعبر عنه خير تعبير كي لايقع في دوامة النثر والعبارات الجاهزة التي يبثها المحللون في التلفاز وهم يتحدثون عن الذي يجري في هذا العالم ، وكأن الشاعر الدكتور عبد الله باشراحيل يذكرنا في قول لبورخيس : بأن الشاعر ولد ليكون نبؤة .

 ومن يقرا نص مبتدأ الديوان ( قرابين الوداع ) سيكتشف أن قلق الشاعر وحزنه عن الذي يجري في هذا العالم يجمع بين التحذير والنبؤة . 

أما قصيدة أعياد الحياة التي انتهت عنده ملحمية الانشاد المختلف التعابير والطقوس والمشارب في هذا الديوان ، فهي تختلف تماما عن مبتدأه  فانها تختلف اختلافا جذريا ، إذا كان النص الأول في مفتتحه قراءة للحدث العالمي في صورة القلق ومشاعره وحزنه وخوفه ، لتأتي قصيدة اعياد الحياة تفاؤليه مبتهجة القلب والمشاعر ، ودعوة طافحة بمشاعر الود والحب والانسانية يدعو فيه الشاعر قرائه ومريديه وأهل بيته وكل معارفه الى مغادرة المحزونات ومشاعر الأسى والاتجاه الى عالم الضوء والصفاء والحب والجمال ، وتلك الاحاسيس المصاغة بأجراس قوافي القصيدة في عذب من كلام يعكسه نبض الشاعر انما هي قصدية من الشاعر ليبقيَّ معك على موائد التذكير كل تلك العناوين التي حملها ( قرابين الوداع ) ولتشعر إن متعة القراءة التي ارادها اليك بقصد وأيمان بمهمة الشاعر في الحياة ،  ليس متعة قرائية ولغوية فقط ، بل انه اراد أن يبقيك في مساحة العالم البشري والجغرافي والروحي سائحا ومستلذا بمتعة القراءة وقد اسكنكَ في نهاية الديوان الى لحظات من بهجة الحياة واعيادها في لغة النصح والتنبيه وقراءة مساحات الأمل والتفاؤل في هذه الحياة التي يتمناها الشاعر فردوساَ ارضيا لكل البشر الذين يسكنهم الايمان والسلام والجمال / ص 414 : 

(( إنَ شرَّ الحياةِ أقسى وأعدى       فأغتنم ما يَسرُّ نَبضَ الفُؤادِ   

  لست تهنا إذا حملتِ المَآسي       إنما الهَانئ الذي لا يُعادي

  ثم يذهب بتفاؤال القصيدة والحياة الى القول :

(((( فخُذِ الدَّهرَ بالصفاء المُندى    واتَّخذْ منهُ عَالماً للرشادَ

إنها الأرض بئس من لا يعيها      غابةٌ والوحوش كُلُّ السواد

فتعلل بها برغمِ الخطايا          وأبهِجِ النفسَ قبلَ غمضٍ الرُّقادِ ))

وها انا أعتقد ان قراءة مجمل المساحة الشعرية والجمالية والروحية لهذا الديوان الذي جعل قرابينه موسما ايمانيا للحظات الوداع الآتية في يوم ما ، ليستقبلها الشاعر بقرابينه واثقاً من نفسه ومؤمنا بتلك القدرية التي تلازم كل البشر ،ولكنه مع منجزه وما قدمه في الحياة يقف مطمئن النفس ويسكنهُ الأيمان العظيم بطقوس ونهايات تلك الاقدار المقدرة بعظمة الله وخيارته لبشره لمنحهم المواهب والمناصب والمكانة كل حسب اجتهاده وأيمانه وأدراك عقله ،  وقد حضر قرابينه اليها ( الأقدار ) تراثا ادبيا وانسانيا وعلميا كبيرا وكثيرا .

اعتقد أن بدء القراءة ينبغي ان يضع له الأساس والمكان ، ولأن الشاعر ولد في وهاد مكة وعطر الفيض الالهي بين بطونها وسفوح جبالها فانها هي ملهمة ازلية لهذا الديوان وكل دواوينيه ، واليها ( مكة ) يكون القربان بشكله الروحي والابداعي والكوني أيضا . ففي هاجس المكان تتضح الكثير من معاني نصوص الديوان ، ومكة بالنسبة الى الشاعر عبد الله باشراحيل هي المكان ، وفيها نبني أسس القراءة لهذا الكتاب الشعري وكل اغراضه ورسائله ومضامينه ، ولكن بقياس القراءة التأملية والجمالية وهذا ما تعاملت مع معظم قراءاتي لنتاج الشاعر ( باشراحيل ) ذلك أن  ما يميزه أنه وليد عطر المكان هو الأشرف قدسية في بقاع الله حيث بنى النبي إبراهيم ع بيتا الله ، واذا كان الكبش فدية عن إسماعيل حتى يدام خلود المكان ، فلاحقا أجيال مكة من مبدعيها منذ أول عصور قريش وكندة وسائر قبائل العرب بعد الأسلام وقبله في الجزيرة واليمن والعراق ، يجعلون قصائدهم أضحية لخلود المدينة المقدسة وسحرها في القلوب المؤمنة التي تحدثت عنها قصائد باشراحيل التي هي ايضا قرابين لوداع قادم ولكن بعد عمر طويل من الأبداع ومنافع الخير ، ليبقى معنا يمسك أزلية صوته الملحمي المسكون بأقدار نشيد الحروف وهي تعانق مدى أرواحنا وأمنياتنا ان تبقى هذه المدينة ( مكة )  وفيرة بعزها وجبروتها ومكانتها  ، وكل تلك الصفات تحتاج الى الشاعر الملحمي ليقود خيولها الى مراعي فتنة القصيدة ونضوج الهامها نسيجا وبلاغة وموسيقى وسبكا متقنا واحترافيا لبناء القوافي ودالتها في جفن القارئ وإصغاء المستمع الى أن تلك القرابين انما أجراس أناشيد روحية سكنتها كل محطات حياته بين محنة وفرج وجهاد ونجاح واحلام نالت من شهرة الكتابة والمواقف الكثير . 

فيدرك أن الله صنع هذه البلاد ( مكة ) من رحمته ولن يفرط بها تحت اي ظرف ، انها الملاذ والمودة والقصيدة وحلم اخر النبؤات ، وعلى تلك الأودية والسفوح المسكونة بطيف نذر إبراهيم وولده اسماعيل نزل القران مرتلاً بصوت جبريل وكتبه من ترتيل النبي صحابته الاوفياء.

هذا المكان ، الوطن المكي الذي يتحدث عنه اليَّ الدكتور الشاعر عبد الله باشراحيل ،ويصفه في رؤى منجزاته الادبية والمجتمعية أنه وطن القلب والحب والولاء في واحدة من قصائده القديمة المزدانة بحب مكة :

(( لكأن لسندسكِ الأبهى وشم في القلبْ 
يا ليتكِ تعرف ما يعنيه الحُبْ))

تلك كلماته كل غرامه للوطن  ومهد ولادته ، وعبر نافذة هذا الوطن يتأمل الشاعر عالمه البعيد وراء جبال مكة ، وعند بحور نشوة القصيدة عندما يكون مطر الروح حبرها حيث تعود عبد الله محمد باشراحيل أن يكون سفيرٌ للمكان الذي ولد فيه ، ولا ينسى في كل امانيه أن يبدا في مديح البيت المقدس  ، وانتهاء بصدى ثورة المقاومة في غزة وطوفان الأقصى وكل أرجاء فلسطين . 

صورة الوطن كروح عند باشراحيل حين اندماج لعاطفة البوح في تفصيل الصورة بمشهد جمالي يتمايل بين غزل وإنشداد يقترب في مخيلته من اجفان الضوء الصوفي لهذا الوطن ، فيعيش فيه عبق الانتماء والتشبث بالجذر في ايقاع مودة الذكرى التي ظلت فيها شوارع مكة تعيد أخيلة الطفولة والصبا والدراسة والاعمال التي تنوعت فيها اهتمامات آل باشراحيل بين اعمال الخير ومجالس الادب والإعلاء من شأن المكان الذي ولدوا فيه الاجداد والابناء والاحفاد ، والدكتور عبد الله باشراحيل يمثل جيل الابناء الذين جعلوا الوفاء منهجا وفلسفة وعبيرا في الانتماء الى الوطن المكي ــ السعودي ، وليصبح الرجل من بعض مفاخر بيته العريق والكبير والمتنوع الصنعة والرؤية والأبداع والتوجه، لكنهم يلتقون مع ريادة الأبن في تصوره أن الأدب والتجارة والطب هم من نفع رسالته العميقة ليكون محاورا وشاعرا ومتكلماً وحتى في غزل البوح الروحي حيث يحاول الدكتور عبد الله محمد باشراحيل أن يرينا فقه صنعة الكلمات وانتمائها الى التراب الوطني لبلاده فتعيش معه لحظات الطواف واشعر انا كدارس لشعر الدكتور عبد الله باشراحيل إن المكان حين يكون اساسا للقراءة وفي هذا الديوان فأنكَ قد تكون ابتدأت نقطة بداية ستفتح لك كل نوافذ الديوان لتشعره في بهاء النشيد الى المكان وهو يعيش تلك القراءة الروحية للحرم المكي في قصيدة ( في الحرم ) ص 270 من كتابه الشعري 

 ( قرابين الوداع ) ، وكأنها مكتوبة على شكل دعاء روحاني :  

((   في الحرم ، حول البيت العظيم  في مكة الظهر تطوف الامم  تسمع صوت النشيج  البكاء )) الى نهاية القصيدة المرتلة روحا وكلمات :

((  ويصمت فينا الكلام  ونحن رُفاةُ العدم ورغمَ رياح الغروبِ ولكننا في الحرم ))

انه طواف الروح التي تنشد مكانها في قداسات أدعية البشر وهم يطوفون حول الكعبة ، يسمعهم كل يوم وهم يأتون بقرابينهم ، كما فعل النبي ابراهيم مع ولده النبي أسماعيل ، فيعيش هاجس الهوى العاشق لكل تلك الصباحات التي لا يرى فيها سوى شمس مكة ، ثم يذهب بهذا الهوى الى دفاتره ليكمل بناء مدينة القرابين وطقوس أزمنتها منذ الولادة وحتى كتابة آخر كتبه  ، وكانت المدينة هي هذا الديوان الذي نمشيَّ معه خطوات البدء ندرسه ونستمتع بقراءته ، لنشعر أن الهوى مختلف عند باشراحيل ، أنه هوى الكبرياء والطموح ، التي تكون عند شاعر مكة التي هي انشودة غرام المكان وتأثيره الجمالي والوجداني فيه . 

باشراحيل ( عبد الله ) ينتمي الى الوطن المكي ، والتراب المكي ، والنبي المكي ، التأريخ المكي والشعر المكي ، وهو بذلك يسجل لنا صورة الحالم الذي يؤشر في كل منهج الرؤيا لديه انه يكتب بوعي الروح والعقل ،وأن سلطان البوح لديه هو تجانس الامكنة وأزمنتها وسدنتها ،فيرينا عذوبة ما يسطره من كلام ، هو من بعض عطر ما لديه من ندى صباحات نعاس الموهبة ويوقظها ليقرب فيها قلمه الى الورقة او شاشة الحاسوب ويكتب لنا ما بقينا نعتقده دوما :

ان هذا الشاعر المكي في ملامحه تلك أنما هو من بعض مباهج حضور القصيدة المعاصرة في عالمنا الجديد. وهو في عمق الرؤية يعيد بناء ملحمة الذات التي سكنت مثاوي التواريخ وأخرجها الى نورها الجديد في عالم هو يدرك فيه ان مهمة الشاعر الجليلة ان يمد ذراع موهبته وقدرته وأحلامه الى القاع البعيد ليستخرج لنا دررا ينطقها نبض قلبه قصائدا وملاحما ، وهو ما يفعله الدكتور عبد الله باشراحيل عندما يصوغ لك عوالم تختلف فيها الهواجس والأحلام والمقاصد لكنها تلتقي عند نقطة شروع وشروق في صباح مكي لتاتي القصيدة بعد البسملة صدى الروح المغردة لرجل علمه آل باشراحيل علو المقام الثقافي والأدبي في توهج الكلمات وهي تحمل ثنائها لكل النجوم والأقمار التي تضيء سماء بلاده . 

دائما كنت اعتقد أن هذا الرجل ملحمة مكية وقد اسرج للشعر ضياء روحه واحبه وطنه ومكته ، ومنهما استجابت روحه لقدراتها الخاصة لتظهر لنا نشيد البوح الكبير في كل أغراض القصيدة وهي تشتغل على مساحة أدبية وحضارية ومجتمعية واسعة وعريقة ومؤثرة في لغة فصيحة وعميقة ودلالتها هي المكان المقدس وتواريخه التي التصقت بأجفان الحجيج والقرابين وازمنة من عهود كثيرة .

تلك هي لغة العروبة في ضادها وملامح روحانياتها ، نشيد لآفاق القصيدة في معالي التوهج وهي تستمد الرؤية من عطايا الرحمن لروح الشاعر فيشكره بهذا المزيج الملون من حمد الكلمات لتكون قصيدة يريد بها الشاعر عبد الله محمد باشراحيل أن يبقى أمينا لما تعلمه في بدايات تأسيس الموهبة وقد تقرأ على كل سماع ونقد وذائقة بذات الرؤية الملحمية التي أراد فيها شاعرنا أن يجعل الإيمان علاقة الود والمحبة بين العبد وخالقه. 

وهو ما حوت القصائد التي سندرسها بأبواب مبوبة في سفره الشعري الجديد ( قرابين الوداع )     فتأسيس هكذا أنماطاً ملحمية تحتاج الى تجربة وخبرة ومران ومعايشة وسفر . 

وكل تلك الأرهاصات الملونة بدالية القصيدة وسحر عالمها تسكن نبض قلب الدكتور عبد الله محمد باشراحيل ، فقيم لها قداسات العناوين لتكون حقا ملاحماً لذاكرة الوطن والروح وجمال الاكتشاف في زخارف بديع الكلام وأجراسه ومعانيه. 

إذن هو مؤمن بقدرية الموهبة وقدرتها على تجاوز المحن والصعوبات فهو قارئ جيد لأحداث عصره كما في تعبيره المثير هذا : عصرٌ يُريكَ كيف يهربُ الظل عن كائنهِ خوفاً منهُ حتى وإن كان الكائن ذلك الدم الذي يجري فيه . وبالرغم من هذا فأن رؤية المكان تصنع في هذا الديوان الجميل  ، تصنع بهجة العطر المكي الذي يرشه الشاعر على ثياب قصائد تلك القرابين الروحانية ،فتسحركَ في المكان ( مكة ) رضاه عنك انك وضعته اساسا لبنية قرائتك لديوان الشاعر الذي حرص أن تكون مكة بيت كل احلامه ومشاريعة ومنجزاته في الحياة ومنها اخر كتابين له ، وهما يتأرجحان بين الصدى والقرابين ،لكننا الآن مع القرابين التي كتبت في ايام مكة وصباحاتها ولياليها  ،وكانت نتاجا مهما للسنوات الاخيرة التي توقف فيها الشاعر عبد الله باشراحيل عن انتاج الكتب ليظهر لنا بهذين الكتابين في الشعر والنثر ، وقد جعلنا التفاعل الروحي للمكان الذي كتبا فيه الكتابين اساسا لمجمل رؤيتنا عن اصدار الشاعر الجديد ، ونحن نعيش تلك اللحظة المؤثرة لمكة وقدرتها على جعل الشاعر يسبح في هيام الهامه وينتج لنا جماليات اخرى في صباحات المكان المكي الذي يناجيه من قلب شاعر وخافق بالحب والابداع وفي قصيدة مكة ص 180 من القرابين :

(( مكةُ الحبَّ ياشموسَ بلادي     كعبةٌ حولها قلوبُ العِبادِ    

  مولدُ النورِ بالهدى يتسامى       ومعينٌ سقى النفوسِ الصوادي 

انا طفلٌ ذرا لديك  تهادى          يرسلُ الحبَّ ماطرا كالغوادي

  امتطي صهوةَ الزمانِ وإني       في سباقٍ وما بلغتُ مُرادي   ))       

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن