د. محمد جلاط / الجزائر
أعتبر الباحث العراقي واحدا من أهم المجتهدين في مجال النقد الثقافي تنظيرا وتطبيقا؛ يعود هذا لعدّة اعتبارات لعلّ أهمّها أنّه لم يركب موجة النقد الثقافي كما ركبها البعض، من هنا جاءت أبحاثهم هشّة سرعان ما طواها النسيان .
وثانيها أنّه لم يخرج في كلّ ما كتب عن تخصّصه، وهي خصلة أصابت كبار الباحثين في مقتل؛ فضلا عن غيرهم من المريدين .
أمر آخر ينفرد به الدكتور حسين هو الجرأة المعرفية، ولعلّ أوضاع العراق لم تكن كلّها شرّا على المعرفة، فبالرغم من خفوت شعلة الإبداع – مقارنة بماضي العراق التليد- إلّا هذه الأوضاع نفسها وفّرت هامشا عريضا من الحريّة ، وهو ما أتاح للباحث الولوج إلى مناطق لم يصل إليها غيره، وهو إشكال يعاني منه الكثير من الباحثين ، ويجعل مستقبل هذا النوع من النقد في حالة تيهٍ حقيقي، إذْ لا يمكن في ظلّ ثقافة الحساسيات الهووية والعقائدية، واتهام الوافد أنْ يكون هناك بحث ثقافيّ جاد .
يبقى أنْ أقول عن الدكتور حسين أنّه – على جرأته - كثيراً ما ينطلق من نظرة محلّية تنحاز إلى ثقافة معيّنة، وهو أمر ناقشناه في ندوات علمية جادّة بكلّ حب .
بعد كتبه النقد الثقافيي ريادة وتنظيرا ، النقد الثقافي رؤية جديدة ، القصيدة الإعلامية ، الدلالة الثقافية ؛ هاهو يتحف المكتبة العربية بكتاب آخر وسمه بــــــــ : البيداغوجيا والنقد الثقافي، وهو كتاب سيسلّط الضوء على الأنساق التي تحكم المناهج الدراسية، والتي بإمكانها تكريس الاستلاب، أو ما صطلح عليه الباحث بالتنويم الثقافي ، لهذا قال عن في تقديمه : (( ليس للعربيّ حتّى ما سعى…! بل ليس للعراقيّ على وجه الدّقّة، هذه هي الحقيقة التي نغضّ حواسّنا عنها نحن المدجَّنين بسياط التوجيه الثقافيّ من الأعلى.
العقلُ مثلُ أيّة نبتة، له أنْ يموتَ، أو له أنْ يهجّن، وهو وعاءٌ يستقبل الحياة فارغًا، فيأتي بالكلمات، ويُخزنها، ويترعرع عليها، فتصبح لديه من المسلّمات الرواسخ، التي يصعب المساس بها، أو زعزعتها؛ فينمو عليها، وترسم سلوكه وشخصيّته، حتى يكبر ويجد نفسه أسيرًا لها، منوّمًا بفعل تجذّرها في وعيه، وفي كنف عقله الخام.
الأغنية تدجّن، والصورة تدجّن، والكتابُ المدرسيّ أخطرُ المدجّنات في البيت، والمدرسة، كذلك أسماءُ المدن والشوارع، نحفظها من دون أن نعرف مَن الشخص الذي حملت اسمه!
في البيت لا يجد الطفل صورة أبيه في أغلب البلدان العربيّة، بل يجد الصورة الأولى، في الصفحة الأولى من أيّ كتاب من كتبه المدرسيّة.
هكذا ينمو العربيّ نائمًا بيداغوجيًّا، وسيميائيًّا، وثقافيًّا؛ لذلك تجد عزيزي القارئ في هذا الكتاب بعض صعقات النقد الثقافيّ الكهربائية؛ لكي تصحو من نومك السلبيّ العميق، وترى كم لبثتَ في كهف البيداغوجيا والتنويم الثقافي ))