24 Nov
24Nov


نعيم عبد مهلهل   القسم الثالث    
ترتقي بالحياة مثلما ترتقي الفلسفة بالفكر، وهي تعبر في معناها عن عميق الروح. وولادتها تأتي من تجانس أحاسيس عدة تنطلق من فعل آلهة ما.

 وهي كما وصفت في التدوينات الأولى ((الأصوات المتناغمة التي نريد بها أن نستحضر الآلهة)) وفعلاً كان السومري يحث من خلال صوت الموسيقى الروح الهائلة الأخرى التي يظن إنها مخبأة في مكان ما من زوايا العالم. 

لهذا بدأت الموسيقى مع بداية الفهم الوجودي لأشياء الحضارة، وربما تكون هي اللصيق الأول للغة حيث أدركت الدراسات أن تناغم الموجودات الطبيعية في عناصر عدة كهديل الحمام، وخرير المياه، وهدير العاصفة، مثلت لدى الإنسان سياقات صوتية عبر بها عن ردود السيطرة على شيء.

 ويمكن أن نرى في تصوير الألواح الباقية إن المرأة السومرية لا تحمل ولدها إلا على الجهة التي يقع فيها القلب. وهذا أكتشف بعد آلاف الأعوام من قبل العلماء.

 أن صوت القلب ينبض بهاجس موسيقي خاص يدفع الطفل إلى الهدوء والنوم، ولقد تركت لنا المدونات الكثير من الترتيلات والأغاني والأشعار التي تمت بهاجس الموسيقى إلى الحياة والمجتمع في سومر، وكان للسومريين أقدم نظام موسيقى في العالم، ويمكن أن نسوق كلام الدكتورة ناريا رئيس المجلس الدولي للموسيقى قولها (أن النظام الموسيقي الأقدم الذي نعرفه هو النظام السومري وربما كانت ذروته قبل 6000 سنة مضت، هي الوضع الأكثر قدماً في الأفكار الموروثة حتى من عصور ما قبل التاريخ، وكانت الموسيقى جزءاً ضرورياً من الحياة الطقوسية السومرية)..

 هذا الكلام يقودنا إلى أن سومر كانت تعي جداً ما يمثله هاجس الموسيقى لأنه كان يعبر في مدلوله الحضاري عن ايجاد ثنائية الوجود بين الفرد والآخر الذي يحس بقوة تأثيره على أشياء العالم ويقصد الآلهة. إذ لم تبدأ الموسيقى السومرية كحاجة ترف ملكي، إنما كانت طقساً يمتد إلى فعل الحياة وإنما ذاكرة الخصوبة والموت واستحضار المدلولات التي يمكن أن تؤثر في سير الحياة، كدعوتهم في أعيادهم إلى الضرب بالآلات الموسيقية ومنها القيثارة حتى يسعد عشتار ونبدأ بموسم خصب وزراعي جيد.

 وكان شارع الزواج في لكش بمجاميع من ضاربي الصنوج والقيثارات، لأن سومر كانت ترى أن بهجة أيامها لا تكتمل إلا مع الموسيقى، وأن وحي الموسيقى يؤدي إلى إظهار قوة الروح وديمومتها حتى بعد موت الجسد، كما في حديث الدكتورة نارايا ناميثون حيث تقول (كانت طقوس هذه الهياكل تبدو ذات نظام موسيقي عالي التنظيم ولدينا عنها إحصاءات دقيقة ووثائق مضبوطة، وقد غمر المناطق المجاورة شيء من مجدها ومكتسباتها). 

إذن كان تأثير الموسيقى السومرية تأثيراً كونياً وهي كما الشعر يمكن أن تكون أداة ارتقاء وتحول نحو المثل الكونية التي أعطت العالم مزيداً من منارات المعرفة، وهذا يقودنا إلى الاعتقاد أن الهاجس الموسيقي مولود في الذاكرة السومرية قبل الشعر وقبل اكتشاف الفعاليات الحضارية المدونة كالرياضيات والقوانين والتدوين بأنواعه النثرية كالأشعار والأساطير والمراثي.


لقد حددت الموسيقى السومرية في قوة تأثيرها الروحي والأخلاقي جانباً كبيراً من شخصية الفرد الذي عاش على هذا الأديم الذي رسم البدايات الواضحة في التاريخ، وكانت تعبر في مستواها التقني العالي عن قدرة عالية في التفكير لاسيما إنها كانت طقس شائع ولم تقتصر على فئة معينة من البشر أو طبقة اجتماعية.

 وقد أرتنا بقايا الحضارة السومرية أن الرعاة كانوا يحسنون مناداة عشتار بكلمات رقيقة فكانت تستسلم لخداعهم، وعندما تصحو من ثمالتها تثأر منهم بان ترسل إليهم الذئاب لتنهش أغنامهم. إذن حتى الفكر الأسطوري كان يعطي للموسيقى قوة التغلب على صمود إحساس الإله تجاه الشيء الأرضي. وكانت الموسيقى لصيقة لحياة الإنسان السومري وموته، وهذا ما قرأناه في مذكرات العلامة الاثاري ماكس مالون والذي شارك العلامة ليوناردو وولي في الكشف عن مخابئ وأسرار وكنوز المقبرة الملكية في أور عندما يقول في صفحة 52 من المذكرات (كان مشهد المقبرة الملكية رائعاً عندما كنا نعمل جميعاً. 

وأذكر أن أحد القبور الملكية ضم ما لا يقل عن 74 شخصاً دفنوا أحياء في قاع المهوى الملكي العميق. بدأ عندما كشفنا سجادة ذهبية اللون مزينة بأغطية الرأس لسيدات البلاط، متخذة أوراق شجرة الزان، وعليها آلات القيثارة والقيثارات (Harps and lyres) التي عزفت الترنيمة الجنائزية إلى النهاية).


لقد اقترنت هذه القيثارات بذوق الملوك والأمراء كثيراً، وكان أمراء وملوك سومر يحسنون العزف على الآلات الموسيقية وفي تقديري من جعل الموسيقى مستوى لرؤية ثقافية معينة دليل على رقي حضاري كبير وهذا ما كشفته لنا المدونات وقرأناه في أوراق السيد وولي ومذكرات مالوان، وما ترجم من آلاف الألواح التي وجدت في مكتبة الملك الآشوري (اشور بانيبال).


أن وعي الموسيقى في الذاكرة السومرية بدا خيالاً مفرطاً في الجمالية، وأظهرت تبيانات واضحة في تقدير الفرد داخل المجتمع. إذن في هذا المعنى نرى أن الموسيقى تمثل طموحاً اجتماعياً يريد أن يرتقي به الفرد وهذا يجعلنا إلى الاعتقاد أن المجتمع السومري هو مجتمع يقترب من يوتيبا خاصة به وهو مجتمع قريب إلى المثالية التي هي مفقودة اليوم في أغلب المجتمعات، ولتأكيد هذا الكلام تقول الدكتورة دشس جيلمن (Duchesne Gailemin) من جامعة ليبيج في بلجيكا. (كان الموسيقيون فئة حرفية مهمة في ما بين النهرين، وأضحى بعضهم موظفين ذوي مناصب رفيعة في البلاط. كانت الموسيقى تلقن في مدارس بلاد الرافدين وكان التلميذ غير الموسيقي موضع ازدراء زملائه).


وبهذا تحتفظ بقيمتها وفق سياق الرؤى الحضارية. وهي في انتظام سعيها الروحي تحاول أن تدرك ماهية المادة تلك التي سعى الإنسان منذ البدء إلى أن يجدها، وعندما لم يعثر عليها في حياته الأرضية، جاهد لإيجادها في فردوسه المنتظر، فقد أذهلت ليوناردو وولي الصفوف المنتظمة مثلما تتصاعد السلالم الموسيقية للهياكل العظيمة المدفونة مع الملك في قبره البارد وكانت القيثارات - وأهمها صندوق الموسيقى - الذي أسماه وولي - (الراية الملكية) -، ما زال فيه أثير بقايا أنغام تخلط أجواء الذاكرة الهائمة للفرد السومري في بحثه الدائم عن خلوده. وهذه الفكرة - أي فكرة الخلود - مثلت الهاجس الأرقى في الأدبيات السومرية، وكانت ملحمة جلجامش تمثل جانباً حيوياً فيها، وأعتقد إن الحانات التي تحدثت عنها الملحمة كانت تضج بالعشرات من ضاربي الوتر. وربما البغي التي أغوت انكيدو في العودة إلى الحياة البشرية أستخدمت الموسيقى مع مفاتن جسدها. 

لذا مثلت الموسيقى في بعض الملاحم والقصائد سمة الوصول إلى قدرة الإله على حل المعضلة الإنسانية التي تصيب البشر في بعض أزماتهم، وكان لوجود الموسيقى مع قدرة الآلة هو الفرج الذي يحل كل شيء ويبين العلاقة الوثيقة بين الفعل السحري للآلهة والفعل السحري للموسيقى، فهذا رجل من بابل يطلب الرحمة من مردوخ على النحو الأتي:-
(
لساني المعقود الذي لا يقوى على النطق
حل عقدته فهل علي الكلام. حنجرتي التي ضاقت واختنقت
أرجعها إلى وضعها وصارت تغني كالمزمار)
إذن حلت العقدة لهذا الداعي مع الموسيقى وليس مع شيء آخر، وبهذا يكون فضل الموسيقى قد ارتبط بأعمق مدرك روحي لدى إنسان وادي الرافدين فكان له أن يضع في أدبه، سطوراً تعبر عن قيمة الوعي بإحساس الذي يولد من الوتر، ويحاول أن يخلق فئة من مدركي الحس أولئك الذين حملوا على عاتقهم التبشير بحضارة سومر العراقية التي كان لها الريادة لتكون ذاكرة التاريخ وشمعته الأولى.
ولكي نتخيل النقاء الروحي للموسيقى السومرية، علينا أن نفترض عالم الفنتازيا السومرية بمكنوناته البيئية وتكوينه الاجتماعي، وكمن يضع سيناريو لحياة مدينة ستكون مدينة أور أشهر مدن سومر هي المدينة المفترضة، وكانت أور في مجدها الذهبي أيام السلالة الثالثة تحوي شعباً واعياً بدءاً بالملك وحتى الفلاح البسيط، ولكن الجميع يلتقون في فكرة أن تكون الحياة السومرية هي نمط جميع يختلف عن حياة الشعوب المحيطة، ولذلك كانت فكرة اكتساب ملامح الحياة السومرية فكرة عامة عند كل الشعوب المجاورة من أعالي الفرات وحتى نهايات مملكة عيلام. 

في هذا العالم تكون سرمدية الحياة اليومية معتمدة على طقوس بداية يوم العمل أو التوجه إلى ساحة القتال أو المعبد، ولكن بنية النظام الاجتماعية كانت متكاملة، حيث كانت هناك المدارس والمعابد وبيوت الحكمة والحانات وحوانيت البضاعة والصناع.

 وهذا البناء ذو بنية تقرب حتى من بعض مجتمعات القرن الحادي والعشرين، وفي ظل هذه الأجواء كانت الموسيقى تمثل حيزاً كبيراً من الهاجس الثقافي لهذا المجتمع بل تصاعد تأثيرها ليصل إلى أعلى المناصب حيث أكدت الاثاريات أن حفيدة الملك الأكدي نرام سين كانت موسيقية وأن الملك السومري شولكي كان يفتخر بانه يجيد الغناء والعزف على العديد من الآلات الموسيقية وهذا يقودنا إلى: إن تعدد الآلات يمكن أن يخلق ما يسمى اليوم فرقة اوركسترا مع مؤدين حيث تتدرج مرتبة المغنين في الوسط الموسيقي السومري فيسمى المغني الكبير (نارساكال) وقد يصل هذا المغني إلى أعلى المراتب كما حصل مع المغني السومري (نام - خا - ني) ليصيح حاكماً لمنطقة لكش خلفاً لحاكمها المشهور كوديا. 

وهكذا تكون أور موطن لفتنة الروح، والنقاء الذي يظهر وجه الحقيقة التي سعى الإنسان إلى إيجادها عبر مدركات عديدة كالشعر والصلاة وتدوين الملاحم، إن الموسيقى هي واحدة من أجمل مظاهر الدهشة التي تكشف لنا مفاتن الحسن في حياة كان الجميع يتصورها إنها مجرد أحجار وألواح تزين متاحف العالم، ولكنها إلى اليوم تنبض بالحياة.

 فانا عند لحظة الوقوف والتأمل لقيثارة أور الواقفة بهدوء المايسترو أمام حشد من الموسيقيين وسط صندوق الزجاج، ارتد في رؤى الوجد والحلم إلى عالم المثل العظيمة، العالم الذي كانت ذاكرته من ذهب وعشب، وكانت تنمو على نقاء الأطروحة الكونية، حيث لا ناطحات سحاب ولا مسارح فخمة ولا طائرات تلوث فضاءات التأمل في تلك المراعي الخصيبة التي تمتد أمام أور حتى تصل إلى ابعد البطائح، وكانت هناك أفواج الرعاة والصيادين يطلقون صوت الأمل الملون والمعجون برغبة اكتشاف حقيقة لماذا ولدنا ولأجل من؟ حيث تأتي الدوافع الإيمانية بالانتماء إلى القدر السماوي الواحد هي الفكرة التي تهيمن أخيراً، فكان الأنبياء في بعثهم إلى تلك الشعوب ومنها شعب سومر هو تأكيد على أن هذا التناغم يحتاج إلى نقاء كلمة تجمع الصوت الجميل مع النداء السماوي بالتوحيد، عندها تدرك سومر حقيقتها الجديدة وتعيد إلى مطلق فلسفتها رؤى إنسانية رصينة تجعل من احترام الحضارات لهيبتها وقدرتها على أن تبقي الريادة لها مهما تقادمت العصور وتنوعت الحضارات. لأن هذا يقودها إلى بدء جليل تستطيع أن تتخيل فيه أحلام الموسيقى وهي تعزف لحظة انبعاث الشيء إلى مستوى قد يفوق قدرات الذهن الحاضرة اليوم، والتي قد تضيع في رؤى موزارت أو صوت أم كلثوم. ذلك إن المتاهة السومرية هي نتاج انفعالات متداخلة في أروقة الميتافيزيقيا، لهذا نجد إن القيثارات المدفونة في اقبية ملوك سومر عند موتهم تحدد إيمان الإنسان السومري بالبعث الآخر، وأن الوجود المكمل ربما لا يأتي سوى عندما تطلبه الموسيقى. ويبدو أن ليوناردو وولي انتبه إلى هذا الشيء في نهارات البحث عن كنوز المقبرة الملكية ليقول في أوراقه (إن رؤيتي للقيثارات قرب الأجساد الممدة بهدوء. أرسل في صدري عالماً من بهجة الموسيقى). 

هكذا إذن أورثتنا الموسيقى ظل الشيء المحسوب وهي في مقدمة الأفعال الإنسانية التي تدرك فيها خيارات الظل المشع على عبادات الآخر. وربما ندرك في الموسيقى السومرية سرمدية الذات التي تفكر بتجاوز معضلة اليوم الصعب عندما تستعبد من قبل ثري أو كاهن أو أمير لتجد في الموسيقى سلوة الوصول إلى حكمة القناعة بان الالهه تضع في الموسيقى مسببات قدر الولادة لكل سومري وسنقرأ في هذه المدونة.    ما نراه تأكيداً لما سبق ذكره:-
)
أضربي في البوق. واعزفي على الوتر
سأرى في ذلك الطريق...
وأشاهد المشيئة المطلقة..
أن إرادة الآلهة كتبت قدري..
وشاهدت في عزفها حياتي القادمة.)
بهذا التعبير فإن الرؤية أكدت صلة الموصول بين حقيقة أن يكون الإنسان وارثاً للهم الأكبر وبين أن يكون المدرك الأول للحلم. 

ويمكن أن نقول إن البهجة التي ظلت سومر تبحث عنها طوال عصورها المجيدة قد ارتبطت بوعي الموسيقى وما احتفالات الموت الجنائزي في أقبية مقبرة أور المقدسة إلا تأكيد على ذلك وسوف نتخيل في مستوى وعي التاريخ الذي نملكه من خلال الأثر والمدونة وما فعلته الأميرة السومرية بو - آبي. الملقبة خطأ بالأميرة شبعاد في قبرها ذي الرقم (800) والمكتشف من قبل الاثاري وولي. حيث بدت رطوبة القبو الملكي في ظهيرة تموز ترسل إشعاعات باردة من موسيقى غارقة في القدم.
وكانت عظام الأميرة. تصطف برقة الارتخاء إلى صدى القيثارات التي تبعث في المكان الفسيح الرغبة في إبقاء الزمن واقفاً على قدميه وقد لونت افتعالاً المشهد متوازيات منتظمة من إيقاعات بعيدة. وكانت موسيقى ذلك العهد تدرك بقايا الغاية المتماثلة في صورة الخلق. لقد أدركت الأميرة شبعاد - بو - آبي - إن الرؤية القدرية للموسيقى تمثل حاجة البدء ليكون فكانت سومر تستحضر أحلامها بالموسيقى، مثلما يستحضر الكهنة آلهتهم المميزين..


يقول ليوناردو وولي في أوراق حرص على كتابتها بالحروف اللاتينية (كانت الموسيقى توازي لحظة التفكير بخلق ما، وأن الموت اللذيذ الذي ساد في المكان، أعطى المشهد رغبة مباحة)، ومن هذا ندرك في كلام العلامة وولي إن الموسيقى تجعلك تموت بسعادة. 

وهذا ما فكر لأجله السومريون، وجعلوا الموسيقى واحدة من شواهد حضارة، لم تنم على جسدها أشواك الحروب، بل فرضوا لحياتهم نمطاً خاصاً من الارتقاء بالحاجة للوصول إلى المعنى.

 وكان القبو في موسيقاه الشعائرية يؤدي غرضاً واحداً هو الإمساك بسعادة العالم الآخر، وهذا ما كان يظنه السومري أمراً نستطيع أن نحققه مع الموسيقى فقط.
كانت الموسيقى وما زلت تفرض رهبتها على السماع الذي ينتقل بقدرة قادر إلى مكامن الروح فينا. ويبدو لي أن الروح البشرية وسعت من قدرتها على ألفة مع هذا الهاجس، وكان بمقدورها أن تصل إلى ابعد من ذلك لولا التداخل الحضاري، وتلك المساحات المتطرفة في الرغبة الإنسانية للوقوف على أشياء أخرى.

 أهل سومر لم يدركوا هذا بفطرة إنسانية صنعتها بدائيات الخلق، لقد كانوا يدركون الوصول إلى مستوى الفهم الذي تصنعه الموسيقى وليس إلى مستوى ((السماع)) بل الروح أولاً. لذلك هيمنت الموسيقى على واحد من أرقى طقوس التفكير لدى الذات السومرية وهو (طقس الموت) أنه الفيض الذي تتداعى عنده أحلام الحكماء والشعراء وحتى الآلهة ولذلك كان قبو الأميرة بو - آبي يتحدث في مشهده الجنائزي الهادئ عن روعة الوصول إلى الذروة. وكنت أنا نفسي قد دخلت إلى ذلك القبو ولكن بعد خمسين عاماً من اكتشافه ونقل جميع محتوياته إلى متاحف أوربا.

 ورغم هذا كانت الرطوبة ذاتها والقيثارات ذاتها تمنح الرغبة شعورنا بادراك شيء ما. شيء خالد فينا كما القصائد المذهلة. وكان عازف القيثارة وصورة السيدة الملكية شبعاد يرسمان على جدار القبو وأرضيته حركة مرتبكة لكائنات من كوكب آخر تذكرني بفرضية بعض العلماء من أن السومريين ربما هم أقوام جاءوا من كواكب أخرى وهذا يعطي الموسيقى بعداً آخر غير ما نفترضه في دراستنا هذه.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن