27 Jun
27Jun


كنب : د. حسين القاصد

ترفع البلاغيون، أعني أساتذة البلاغة، فأتوا ببدعة البلاغة الحديثة أو الجديدة؛ وكأنهم اكتشفوا التشبيه الأبلغ من البليغ الذي ألفناه ودرسناه ودرّسناه، ومثلهم تعالى وتكبر بعض أساتذة الأدب الجاهلي ولم ينتفعوا من خيبة شوقي ضيف الذي ظل يؤلف ما يشاء متى شاء وينسبه إلى التاريخ من دون مصدر موثوق ( ينظر حول ذلك: أوهام المحققين، محمد حسين الأعرجي، دار المدى)، وأقول: تعالى هؤلاء مثلهم مثل بعض الطارئين على الأدب الأندلسي والعباسي ، فأخذتهم صيحة النقد الثقافي، علما أن بعضهم لا يستطيع رفع الفاعل حتى بشق الأنفس بل حتى بعد الاستعانة بالله وآل البيت جميعا.

وكي أصل إلى رأس أمري أقول: كل المناهج النقدية وافدة؛ وليس لدينا بلاغة حديثة وافدة؛ فالبلاغة بلاغتنا، والتحديث هو ( الأسلوبية )؛ أما النقد الثقافي والنقد الحديث بشكل عام فهما وافدان مثل القصة والرواية، وهما مما لا صلة له بالموروث العربي.

لقد ضجت الجامعات العراقية والعربية بقشور النقد الثقافي والدراسات الثقافية ، والطامة الكبرى تكمن في أن المشرف والطالب لا يفرقان بين النقد الثقافي والدراسات الثقافية؛ والأخطر من ذلك أن تشكل لجان مناقشات أطروحة أو رسالة ما في النقد الثقافي، وتخلو اللجنة من أي أستاذ نقد ثقافي أو نقد حديث وذلك أضعف الإخلاص!.

لقد نما مؤخرا وعي مضاد لغذامية النقد الثقافي، ومن بين الذين ثاروا على عباءة الغذامي على سبيل المثال لا الحصر الناقد الجزائري الدكتور طارق بوحالة لا سيما في كتابه الثمين أسس النقد الثقافي؛ لكن العمل  النقدي كما قال عميد الأدب العراقي العلامة الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله، ساحته خارج الجامعة، وعلل ذلك وقتها بأن النقد الأكاديمي بطيء التعامل والاستجابة والتعايش مع الفعل الإبداعي لأنه مجبول على التأني ومحكوم به فضلا عن القيود المؤسساتية، ولو بقي (الطاهر) حيا حتى الآن لقال كي نحميه من الأمية الأكاديمية أو الأستذة النفعية؛ فلقد سمعت ورأيت بعيني أستاذا يقول لطالبه لا تتعب نفسك، إذهب واختر أية رسالة واختر محتواها وخطتها واستبدل الشواهد فقط ولا تقلق من المناقشة فاللجنة ستكون مضمونة!

الخطة مضمونة واللجنة مضمونة والنجاح السريع مضمون؛ ويبقى العلم وحده غير مضمون للأستاذ فكيف سيضمنه طالب عجول يريد كتابة البحث بطريقة أسرع من منشور فيسبوكي.

ختاما أقول كما قال عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي رحمه الله :

الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسيف عنترة بن شداد.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن