كتب : د. حسّان الحديثي
بعض الناس لا يُحسنون رؤيةَ صورِهم... كلنا يشعر بذلك حين ينظر بعض صوره!!
الزيادات كالنقصان في كثير من جوانب الحياة، ولكنها في صناعة الأدب اسوأ من النقصان، لانها تجعل النص مترهلاً مضطرباً يشتت فكر القاريء ويُفقده التركيز فيُخسره الدهشة والمتعة ثم الفائدة المرجوة.
ويقيني ان حذف الزيادة وقص الفضول خبرةٌ ودرايةٌ لا تقل عن الخبرة والدراية لكتابة أصل النص، كما انها شجاعة ايضاً، لان الكاتب الذي يحذف شيئاً مما كتب يعترف ضمناً ان ما حذفه زيادة لا مسوّغ لها.
وروعة القصيدة؛ ان تنتقل خلالها من بيت لبيت دون ان تبرد جمرة الشعر فيها، وكذا في النثر؛ ان تسلمك عبارةٌ لعبارة من غير ان تفتُر حرارةُ المعنى؛ فيكون القارئ مقيداً بالجمال، محاطاً بحمى النص، لا يحيد عنه حتى نهايته، وكل ما زاد على ما تقدم هو نوعٌ من انواع الزيادة الواجب حذفها، وضربٌ من ضروب الفضول الواجب قصّه.
في فلم "صنع في ايطاليا" الذي يجسد فيه الممثل ليام نيسون Liam Neeson دور الاب روبيرتو وهو رسام يائس، لكنه حين يرسم لوحةً جميلة تُثير دهشة ابنه -والابن رسام أيضا- فيقول له الاب: إياك ان تجاملني!!
فيسأله ابنُه - من شدة اعجابه باللوحة -: هل رسمتَ غير هذه اللوحة؟
فيجيبه الأب بصوت المنكسر: لو كنت امتلك الجرأة لاحرقت الكثير مما رسمت.
وكذا الكاتب، لو امتلك الجرأة لاحرق الكثير مما كتب.
ولكن السؤال: هل يستطيع الكاتب ان يحكم على ما كتب؟ هل يستطيع الشاعر ان يميز جودة ورداءة شعره؟
يقول روبيرتو في ذات الفلم عندما يرسم وجه فتاة ايطالية ساحرة الجمال يلاقيها صدفة ثم يعطيها الرسم: ربما ستمزقينها، فالناس لا يحسنون رؤية صورهم.