12 May
12May

كتب : د . محمد ونان جاسم 

تبقى العلاقة بين الأدب والحقيقة علاقة تزاحم والتباس وظنٍّ، فالرأي الغالب أدبياً يجول حول فكرة غياب الحقيقة المطلقة ولاسيّما عند أغلب الشعراء الذين سعوا في منجزهم الشعري إلى تحويل الشيء إلى شأن، وهذا التحويل يعني الابتعاد من الحقيقة، أو يعيد تأسيسها،وكانت وسائل الشاعر المُحوّل  مختلفة بحسب إمكانيته وتوجهاته بوصفه باثّاً، أو بوصفه صورة من صور الفلسفة، أو بحسب ما حوليات النَّص، وهذه الرؤية التداولية مستمدّة من مقدّمات نيتشه الفكرية التي نصَّت على (أن الفلسفة وتعليمها وتعلّمها ترتبط جميعاً بالعِرق والهندسة الجينية) نيتشة والحقيقة : ريمون غوش "بحث" مجلة الفكر العربي المعاصر الصادرة من مركز الإنماء القومي ، بيروت ، العدد 152-153، ص: 62.)، ونجد هذا الرأي كان حاضراً في منجز الأديب وليد حسين وسنقف عند مجموعته (ترميم الأزمنة) الصادرة من دار العراب عام 2023م؛ وقد ضمّت في تكوينها الشكلي قصائد منتمية إلى شكل القصيدة ذات الشطرين في غالبيتها والغريب أن الشاعر اختار عنوان المجموعة من عنوان قصيدة خارج هذا الشكل،  وسنحاول في هذا المقام بيان الأثار السبقية في إنجاز النَّص وعلى وفق المعايير الآتية 

1- معيار الملاءمة : بنى الشاعر نصوصه على الإيقاعات الخليلية بجوار الالتزام بالتنويعات النحوية الراصنة للملاءمة الصوتية والمعجمية فلم تخرج أبياته الشعرية عن هذا المعيار والأمثلة النّصية كثيرة في مجموعة (ترميم الأزمنة) على حضور الملاءمة  منها على سبيل المثال لا الحصر قول الباثِّ في قصيدته الموسومة (يعلّل ذلك الوصل):

لك اللهُ من قلبٍ مُحبٍّ مُتيَّمٍ 

               حباه  شفيف البوحِ من آل مُكْرم

2- معيار التناص: أدّى هذا المعيار وظيفة الكشف عن البعد الإسلامي الذي يتوشّح به الباثُّ فمن المعجم اللفظي الآتي نكشف تناصاته الإسلامية المناسك، السلسبيل،  الزكاة، ابتهال، موسى كليم الرب، العاديات، وصايا ربٍّ، ما خلا قلب أم موسى، قصته اليم، رحماك ربِّ، والمقام لا يسع لذكر مفردات هذا المعجم) وبدا التناص الإسلامي في عناوين القصائد أيضاً نحو ( ركب السبايا، لكي أعود نبيَّاً، وحي)، فضلاً عن التتناص مع السوابق الشعرية نحو قوله:

مت عزيزاً ولا تموتنَّ ذيلا 

                دون وقع القنا --- تضل السبيلا فالبيت متناصٌّ مع قول المتنبي المشهور:

عِشْ عزيزا أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ   

                              بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ

وبدا لي في خلال القراءة الكاملة القصيدة الأثر الواضح لقصيدة المتنبي في بناء قصيدة الشاعر وليد حسين

3- المعيار الأسلوبييمثّل هذا البعدُ الأدبيةَ التي أخرجُ أنا منها أيّة عبارة واضحة لا لبسَ فيها فالأدبية بحسب ما أرى - تختصُّ بالعبارات حمَّالة الأوجه ولا تعتدُّ كثيراً بتلك العبارات الواضحة في مجال الدلالة أو في مجال التركيب، كما يكشف هذا البعد مديات العلاقة مع الحقيقة في جانبها المطلق وكان الشاعر في أغلب قصائده يميل إلى الإيجابية الدلالية أو إلى الدلالات البيض وإشاعة أثرها الاجتماعي مستنداً إلى أساليب عديدة منها: الاستفهام المجازي والنفي الظاهر والضمني والتوكيد والمدح والذم في خلال استعمال فعلي المدح والذم (نعم وبئس) والتعجب القياسي والسماعي، فضلاً عن بروز الأنا عنده بوساطة ضمير المتكلم المنفصل(أنا) أو صمير المتكلم المتصل (الياء) أو الضمير المتصل (التاء) أو الضمير المستتر الذي تقديره (أنا) في أغلب قصائده ومنها : أنا حافل ونصفي رحيل ، ولم أبتهج يوما ، وسيّان عندي، ورحتُ أطلقُ، وعلى قلق أدور ، لكنني بين انحسار استجير 

وهكذا جالت مجموعة (ترميم الأزمنة)  في الحقية وتجلياتها السود وغلب عليها الوصفُ الضامُّ للتشاؤمية النفسية التي بحثت في بعض مواضعها عن حلول لمآزق الذات القلقة. 


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن