01 Apr
01Apr

كتب : حاتم حسين

كتب : حاتم حسين يدور في أذهان الكثيرين بأن قصيدة النثر سهلة الكتابة لانها لا تخضع لنواميس الشعر العمودي من وزن وقافية ولربما يعتقد أيضا" بأن كاتبها يتملص من هاتين المقصلتين في حين أن هنالك شعرا" عموديا" ليس له من مقومات الشعر الا الوزن والقافية فهو شعر تعليمي إما لحفظ قانون معين أو لأرشفة تأريخ ما،غالباً ماتكون قصيدة النثر لا تقل صعوبة عن القصيدة العمودية المألوفة وأحيانا" أصعب لأن قصيدة النثر لابد من أن يتوفر فيها شرطان أساسيان هما الموضوعية واللغة المكثفة. الموضوعية: هو ان يكون الشاعر صادقا" متجردا" و محايدا" فيما يكتبه.

واللغة:هي الأسلوب الذي يحتوي الفكرة فيشكلان الأثنان الصورة الشعرية التي يروم الشاعر إيصالها لدى المتلقي، وأذا ما خلت قصيدة النثر من أحد هذين الشرطين فلا تعد كونها كلاما" فارغا" أو ثرثرة ليس الا..

وللحديث عن أحد كتاب هذه القصيدة انه الشاعر حيدر الدبوس الذي يكتب النص النثري بأسلوب جميل وممتع له لونه الخاص والمحبب.. تتميز قصائد الدبوس بالحزن المعتق الممزوج بدموع أمهات الجنود المالحة وزفرات زوجاتهن وضياع أبنائهم، فقد عمد الشاعر على العمل في مساحة الألم الكبيرة وقد وفق في ذلك وهو يحاول أن يردم تلك الفجوة التي خلفتها الحروب بين الام وأبنائها ليقرب المسافة بينهما، مساحة فيها من الألم ما يكفي..وأكلت من جرف الأم كثيرا"بعدما شقيت بتربيت أولادها ليختطفهم ملك الموت دون أن يرف له جفن أو يحن أو يرق لحالها، بحروب عبثية خاضها العراق سواء مع جيرانه أو مع دول عبرت البحار والمحيطات.. حروب عانى فيها الجندي والفرد العراقي ما عانى .. واحدة تلو الأخرى حتى جاءنا الشاعر بمجموعته الشعرية (مذخر الاودية) مجموعة يعزف فيها الشاعر على وتر الحزن والفقدان والمعاناة.

يعد ديوان الشاعر وثيقة تأريخية لأرشفة حقبة مظلمة من تأريخ العراق تكاد ترى شروخ قلب الشاعر وهو يخوض الحروب أو يعاصرها   طيلة عقود من الزمن يصور لك تلك المعاناة بقصائد ملؤها الشجن.

الدبوس شاعر مهم وخطير فهو ليس شاعرا"فحسب، بل فنان" يرسم بكلماته صورا" شعرية ينقلك من حالة الوعي الى اللاوعي لدرجة إنك تسمع أزيز الرصاص وتشم رائحة البارود تخرج لك من بين سطور قصائده لما يمتلك من موهبة شعرية وأبداع فكانت نصوصه لسانا" ناطقا" لحال الجندي العراقي الذي لربما هو الخاسر الأكبر في كل الحروب.. لقد جاءنا الشاعر بقصائد جميلة على الرغم من الطابع المأساوي الذي يطغى على عموم المجموعة وهذا لا يعني بان الشاعر لا يبدع في مجال الغزل والوجدان وباقي الأغراض الشعرية لكنه حتى وأنت تقرأ له في ذلك تجد قلمه لا أراديا يذهب إلى تلك المساحة التي أكلت وما زالت تأكل من أخوانه وأصدقائه وأبناء بلده فكان غزله باللون (الخاكي)أتمنى لصديقي الدبوس أبداعا" دائما" وعطاء "مستمرا" وان تبتسم له الحياة من جهاتها  الاربع.

وهذان نصان من نصوصه:

حتى انا غيرتني الحرب 

لم أعد ذلك الولد المسالم 

الذي لا يتجرأ أن يضع عينيه بعين أبيه 

الولد الذي لايتعثر كثيرا"وهو 

يمشي

 لانه لا يرفع طرفه عن الأرض 

غيرتني لدرجة 

انه حين تناديني زوجتي بأسمي الصريح 

أنفعل جدا" وأطبق عليها (فرضة وشعيرة) 

ثم أردد بحزم شديد 

نعم سيدي.

____

مهاتنا تشبه الأشجار في كل شيء تقريبا" 

الفرق الوحيد بينهما :

أن الأشجار تفقد أوراقها في الخريف فقط 

بينما أمهاتنا يفقدن أولادهن طيلة أيام السنة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن