المواطن / البصرة / نعيم عبد مهلهل
كتب المترجم والكاتب امير دوشي كتابا حميمياً عن صديق عمره الاثاري والعالم والوزير الدكتور عبد الامير الحمداني الذي انتقلت روحه الى السماوات العلا قبل عام ونصف .
وكان الكتاب اثرا سحريا لكشوفات الحلم التي اشتغل عليها الحمداني منذ ولعه باثار بلادها وحراستها والحفاظ عليها والتنقيب عنها ، وكنت ارى في هذا الكتاب واحد من عناوين الوفاء لقامة علمية واثارية رحلت مبكرا ، فالذي الفه دوشي في كتابه ( احتضان اللهب ) بنسخته العربية هو تتبع للاعمال الوطنية الرائعة التي قدمها صديقه الدكتور عبد الامير الحمداني في عالم التنقيب والدراسات السومرية في المواقع التي تقع في محافظة ذي قار حيث يضع امير دوشي في فصل التنقيب هذه رؤى وعي ذات طابع تحليلي تكتشف فيه الكثير من الكوامن التي تصاحب اهداف البعثات الاثرية منذ بعثة وولي في اور اول عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم ويلخصها بمنطق تحليلي .
تشعر فيه انه وضع كتابه هذا انصافا لصديقه الحمداني الذي كان شغله الشاغل اثاره بلاده في اور والوركاء وتلو والعبيد وباقي المواقع الاثرية. وحتى يرى الكتاب النور في الجهة الاخرى من العالم كان يجب ان يترجم الى اللغة الانكليزية .وحصل هذا في سعي من السيد مصطفى جاسم الحصيني مدير مفتشية اثار وتراث محافظة البصرة حيث تمت ترجمة الكتاب من قبل متحف البصرة .
وكان جهدا رائعا ان يرى الكتاب النور برؤيته العالمية ليسلط الضوء على جهد عالمي ووطني مميز لرجل اثار عشق الاثر السومري ونقب عنه بكل حواسه .
ففي الكتاب المترجم يبقى ذات الاحساس الذي اراد فيه دوشي ان يجعل اللهب جهة لكشوفات الحلم الذي بقي يلامس نبضات الحمداني منذ صباه وحتى وفاته رحمه الله .
وقد اختير الاحتفاء بالنسخة المترجمة مع الكتاب مع احتفاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بالشراكة مع وزارة الثقافة والحكومة المحلية في البصرة في افتتاح البيوت التراثية الثلاثة التي تم اعادة تأهيلها ضمن مشروع اعادة اعمار مدينتي البصرة والموصل القديمتين بتمويل من الاتحاد الأوربي .
"افتتحت اليونسكو ووزارة الثقافة والسياحة والاثار ومحافظة البصرة اليوم رسمياً قصور الشناشيل التاريخية الثلاثة البارزة - قصر الثقافة والفنون، واتحاد الأدباء والكتاب وجمعية الفنانين التشكيليين مما يعد إنجازا هاما في التنفيذ وبنجاح لمشروع إحياء مدينتي الموصل والبصرة القديمتين الممول من الاتحاد الأوروبي.
ومن المؤكد ان هذا الانجاز هو فعل جمالي وتراثي يحاكي تاريخ البصرة وارثها نظرا للأهمية والعمق التراثي العريق لتلك الدور، ونتطلع للوصول لأنشاء محمية ثقافية في البصرة.
فكان مكانا متميزا اثرى الحضور الحضاري للبصرة وتراثها وحتى اسعار العقارات التي جاورت هذه البيوت قد ارتفعت اسعارها لان المكان سيكون جهة ترويحية للسياحة والنزهة واستذكار الارث الجميل للبصرة .
غير ان من بهجة الاحتفاء بتراث البصرة وبيوتها الاسطورية المزخرفة بشناشيل الزمن وعلى ذات الهامش كان الاحتفاء بكتاب امير دوشي ( احتضان اللهب ) مترجما في سعي من السيد مصطفى الحصيني ان تكون روح العالم الآثاري الدكتور عبد الامير الحمداني موجودة في المكان .
وقد استذكرت معه كلماتي عن الكتاب لحظة صدوره وشعرت ان الكلمات وكتابتي عنه تطوف في فضاء افتتاح بيوت البصرة :فقد كان الكتاب ( احتضان اللهب ) وفي مجمله رد جميل لعلاقة اكثر من 30 عام بين امير دوشي وصديقه عبد الأمير الحمداني وهو ( الكتاب ) نقطة وفاء من المؤلف اختار لها مناسبة مهرجان الحبوبي السادس ليوزعه بين المدعوين .
اعترف اني قرأت الكتاب بشغف وكانت لي معه مراجعة عباره لكن حين درسته ، فلقد درسته جيدا وفاء لصديقي الأثير امير دوشي ولصديقي الذي أتمنى له الشفاء من محنته وعلته الدكتور عبد الأمير الحمداني .وأخيرا يبقى هامش الكتاب يسجل لحظات الود في كلماته الأخيرة على لسان مؤلفه :(( بيتان من الشعر قالهما ازرا باوند، أشهر شعراء القرن العشرين، ويشار إليهما على أنهما من روائع الشعر العالمي، إن لم يكونا من أجمل ما قيل من شعر في الإنجليزية لما يمكن أن يتجلى فيهما من قوة يمنحها الحب الحقيقي لصاحبه:What thou lovest well remainsWhat thou lovest well is thy true heritage- ما تحبه حقاً هو ما يدومما تحبه حقاً هو إرثك الحقيقي. ولم يعشق الحمداني في حياة شيء اكثر من آثار سومر. وذلك هو ارثه الحقيقي.))غير ان الجديد في النسخة الانكليزية لكتاب احتضان اللهب هو تلك الشاهدة الساحرة التي كتبها القاص البصري البارع محمد خضر عن تلك الغرفة التي يأوي فيها امير دوشي مع احلامه وهي ذات الغرفة التي الف فيها كتابه احتضان اللهب.
فقد تحدث محمد خضير عن امير كهاجس غامض من اشعارات الالهة الجميلة التي تمنحه تفردا في اختيار المكان وجعله فاصلة مهمة من طقوس يومه التي تبدا طوال النهار وهي تبحر بين القراطيس ومغارات الحلم ،لهذا كانت كتابة محمد خضير عن دوشي وفي الترجمة الانكليزية للهب في احتضانه هي كمن يجعل الكتاب مزخرفا في قراءة وبناء اخر ،حيث يتحدث محمد خضير عن امير ليقول لنا :((في عمله السِّيريّ عن الدكتور عبد الأمير الحمداني (احتضان اللهب) مقاطع شعرية وفلسفية يقتفي أمير دوشي بوساطتها سيرةَ الصحراء، المساحة التي تحوي روحَ الماضي ولهبَ المستقبل، التي شَغَفَت صديقَه الحمداني وأطرحته الفراش، مشلولاً إلا من عزيف الأرواح المنشِدة غروبَ الحضارة وإعادة دفنها من جديد تحت تلال السياسة وجماجم الغرباء.
وفي منشور أخير له على صفحته في الفيس بوك، يترجم أمير دوشي مقتبَساً من سيمون كرتجلي، أحسَبُه مرثاةً لحال الصديق الحميم، الراقد في غرفة الإنعاش منذ شهور: "أين تبدأ الفلسفة؟تبدأ، أعتقد، في تجربة خيبة الأمل، فخيبة الأمل الدينية تثير مشكلة المعنى، وخيبة الأمل السياسية تثير مشكلة العدالة"- -Where does philosophy begin? It begins, I believe, in an experience of disappointment, religious disappointment provokes the problem of meaning, political disappointment provokes the problem of justice_ "Simon Critchley"
أخيراً، أحسب مكتب أمير دوشي، المنزوي في عطفة من ساحة الشعر المزدحمة بفوضى الاحتمالات التجريبية، والاحتجاجات الشعبية، يقع بين هذين الحدّين: العدالة وخيبة الأمل. ولربما لا يتضمّن كتاب دوشي الأخير (احتضان اللهب) غير هذا التركيز على أحد احتمالات الغزو الرهيبة،حريق الكتب، وينقله عن جان كوكتو )) وهكذا انجز لنا دوشي عملا اخر لمادة الوفاء الاثرية وكان موسمها جميلا هو احتفاء البصرة ببيوتها الاثرية والفلكورية الجديدة التي تم تعميرها لتكون شاهدا على عراقة المدينة العريقة وكان كتاب امير دوشي مترجما يسير فرحا بمحاذاة تلك المناسبة الجميلة