26 Oct
26Oct

     القاص :  ماجد زغير 


لم تكن عصاه كافية كي يستعين بها للقدوم إلى سيارتي التي وقفت أمام بوابة بناية دار المسنين عصر يوم السبت ، لذا استعان بذراع ولده  وهو يسير به بعناية ورفق  ، أجلس والده في الخلف ثم تحدثت زوجة ولده قائلة : سنذهب امامك بسيارتنا إلى صالة الأعراس . نظر إلى ولده قائلاً :

-ألم تقل لي أنها دعوة على العشاء ، عن أي عرس تتحدثون ؟

-عذراً يا أبي لقد افسدتْ هذه الغبية مفاجئة كنا نعد لها قبل أيام ، هي دعوة على العشاء فعلاً لكنها في حفل  زواج ولدي (أرن) ، لكن لاعليك هناك مفاجئة أخرى بانتظارك قد تكون أكثر بهجة سرورا  . أغلق الباب  بعجالة ، استدار إلي مسرعاً ثم همس في أذني قائلاً : إتبعنا إلى دار رعاية العجزة (طويلة الأمد)  رجاء . كان يتلفت طوال الطريق كأنه زائر غريب عن المدينة وهو ينظر إلى الطرق والمباني  والاشجار،  بدأ حديثه قائلاً :

- يوم جميل ، أليس كذلك ؟

- هو كذلك فعلاً ، علينا أن نستمتع بالصيف قبل حلول الشتاء .

-لا فرق عندي بين الصيف والشتاء فأنا لا أخرج كثيراً من تلك البناية التي اقضي بها ماتبقى من عمري .

- يكفي التمتع ببعض جمال الطبيعة ولو من خلال النافذة .

-النظر خلال النوافذ يثير الهموم والأحزان لأمثالي .

   وصلنا إلى مبنى الرعاية حيث كان بانتظاره ابناءه وأحفاده ، تجمعوا حول سيارتي  يحيونه واحدا تلو الآخر وهو جالس في مكانه ، جاءت فتاة حسناء وهي تقود سيدة طاعنة في السن وضعتها إلى جانبه بعد أن قالت : ما رأيك بهذه المفاجئة يا أبي ؟

  نظر إليهم مندهشاً ثم التفت إليها بعينين حزينتين و قال باكياً : يا ألهي ! هذه أنت ياعزيزتي ، لا أصدق ما أره ، الكل سعيد اليوم بزواج حفيدنا لكن سعادتي تفوق سعادتهم جميعاً لأنني التقيت بأميرتي الجميلة مرة أخرى وساتناول طعامي أمام عينيها الجميلتين ، كيف حالك ياعزيزتي ؟ أجابته بمشقة قائلة : بخير . 

 لم يكترثا لما حولهما من سيارات ابنائهما واحفادهما وهي تسير أمامنا وحولنا ومن خلفنا ، أكمل حديثه : اعذريني ياعزيزتي لم أتمكن من رؤيتك لأكثر من عام فقدماي لم يعد باستطاعتهما حملي وابنائنا لم يكلفوا أنفسهم بزيارتي إلا نادراً ، لم يتطوع أحد منهم ليحملني إليك  ، ولم أتحدث معك خلال الهاتف لأانهم أبلغوني أن لديك صعوبة في النطق لذلك ياعزيزتي كنت أطمئن عليك من خلالهم ، انظري كم هم سعداء لايعلمون ما يخبئه لهم الزمن ، آه لا لا أرجو ان يحدث لهم ما حل بنا ، أتدكر عندما وضعت خاتم الخطوبة في اصبعك الجميل وعدتك قائلاً : لاتوجد قوة تفرقنا في هذا الكون سوى الموت ، لقد كنت ساذجا حقا فلم أدرك أن الزمن قاس إلى هذا الحد ، أعيش في غرفتي وحيدا كأنني في قبر ضيق أسلي نفسي في ذكرياتي الجميلة معك ، لازلت أستمع إلى معزوفة (مونامور) و (ألف ليلة وليلة ) أتذكر كيف كنت أراقصك على تلك الأنغام العذبة كأننا أسعد حبيبين في الكون ، هل تعلمين ياحبيبتي أن قادة الجيش بعد أن يتم تسريحهم يتفرجون كل يوم على أنواطهم وأوسمتهم لتعود ذاكرتهم إلى أيام بطولاتهم وشجاعتهم ، لاعبو الرياضة يضعون الكؤوس والقلائد على رفوف غرفهم ، أما أنا فأقلب ثيابك وأشم قناني عطرك وأتصفح صورك لأنك أعظم فوز  حققته في حياتي ، لم يعد الطعام الذي أتناوله شهياً منذ أن توقفتي عن تقديمه لي بيديك الناعمتين ، كنت لا أستمتع بطعمه إلا بعد أن أراك تأكلين أولاً  ،  سأطعمك بنفسي هذه الليلة كما فعلت معك في أول يوم زفافنا وسنرقص معا رغم الوجع والألم الذي الذي استبد في ساقي  ، عندما كنت أسمع كلمة (أحبك) وهي تخرج من ثغرك الجميل اعيش مبتهجاً طوال اليوم  . مسك يدها و أخذ يدلكها برفق وضع رأسه على رأسها ثم قبل يدها قائلاً : أعلم أن الحديث يسبب لك التعب والألم  لكن أرجو أن تتماسكي وتسمعيني تلك الكلمة ولو لمرة واحدة ،  آه ياحبيبتي لو تعلمين كم أنا متلهف لسماعها فهي ستسعدني طوال هذه الليلة لأانني سأشعر أنني عدت إلى مملكتي مرة أخرى . 

رفعت رأسها المرتجف ببطء  ، رمقته بنظرة حزينة ثم قالت بصوت متقطع ضعيف : من أنت ؟

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن