كتب : علاء حسين الخفاجي
جاء عند المساء بعد أن اتصلت به أخته لتخبره أن الطبيب قد سمح لأمه بمغادرة المستشفى فور معاينتها ليتأكد من أن الخطر قد زال تماما.
جهز سيارته وذهب إلى صديقه ليجلب الكرسي المتحرك، وضعه في صندوق السيارة، ثم انطلق إلى المستشفى. وصل إلى الباب الرئيس وبقي خارج البناية منتظرا وصول الطبيب حتى يسمح لهم بالمغادرة.
أشعل سيجارته وأخذ يستشفها بعمق وهو ينظر في وجوه المارة. بدا له أن الناس في هذا اليوم تتحرك بهدوء على غير العادة، وجوههم شاحبة وتحركاتهم ثقيلة، كثيرا ما يداهمه شعور غريب وقت الغروب، إنه وقت مختلف مثل ليل عاشق يطول ويمتد إلى اللانهاية. .
ستنتهي المعاناة هذه الليلة، لن ينام في ممرات الحديقة التي بباب المستشفى، جهز كل شي في المنزل مستعدا ليحتفل بعودة والدته.
كانت القاعة المبنية من مادة السندويج بنل خارج المستشفى مفتوحةً ذات ممر طويل بين الأسرة ، ولا توجد فيها إلا غرف صغيرة لاستراحة الأطباء، وتحتوي تلك القاعة على بابين فقط رغم مساحتها الواسعة، واحدة مشرعة تطلع على الحديقة وفيها مكتب صغير يجلس عليه موظف الاستعلامات وشرطي لمنع الفوضى التي تحدث أحيانا عند نقص قناني الأوكسجين.
أما الباب الخلفية فقد أوصدت بالسلاسل والأقفال لمنع دخول المرافقين حفاظا على ممتلكات القاعة.
وقع بصره على إحدى مطافي الحريق، تذكر صديقه احمد وما حدثه به عن الفساد الذي حصل عند إنشاء هذه البناية المؤقتة، حيث اشترط المهندس المشرف على البناء تزويد القاعة بمنظومة إطفاء متطورة حسب ما جاء في العقد، ولكنه تراجع عن صرامته بعد أن استلم حزمة من الدولارات واكتفى بمطافي حريق بدائية وقليلة مع منظومة إطفاء شكلية ولوحات دلاله مع بعض الأزرار المزيفة التي لا تعمل.
انقطعت سلسلة أفكاره بعد أن حصل تدافع بين الموجودين في القاعة، سمع صرخات النساء، ولاح دخان كثيف من داخل القاعة. ألقى بسيجارته وانطلق مع الناس لكنة تفاجئ بكمية النار المنبعثة من الداخل، فالجدران سريعة الاشتعال ولا توجد باب طوارئ سوى تلك الموصدة، ومما زاد من ضراوة النار انفجار قناني الأوكسجين الممتلئة.
حاول الدخول لإخراج أمه وأخته لكن دون جدوى، فالنار التهمت كل شيء، تمكن بعض المرافقين من إنقاذ عدد من الراقدين، لكن منهم من دخل ولم يخرج.
توالت إنفجارات قناني الأوكسجين، وما هي إلا ساعة حتى انتهى كل شيء، تفحم كل من كان في الداخل، ومعهم من لم يتمالكوا أنفسهم ودخلوا لإنقاذ ذويهم.
كان هو يراقب المشهد القيامي، واقفا كقطعة جامدة، لا يشعر بما حوله، لا يرى سوى ألسنة اللهب والدخان المتصاعدة من البناية.