22 Oct
22Oct

نعيم عبد مهلهل

 (( كان وولي ينظر إلى مدينة أور بوجل وخوف . فهي من اللائي حصلن على ذكر في التوراة كونها المدينة ولد فيها إبراهيم وأبيه تارح وظل وولي طوال سني التنقيب في أور يشتغل هاجس أن يجد في لوح أو أثر رابطا ماديا أو حتى إلى إشارة تثبت وجود النبي في المكان ويبدو انه لم يحصل على هذه الشارة فراح يؤمن بفرضية إن النبي غادر المدينة مبكرا ليبدأ رحلته إلى الشمال )) المنقب السير ماكس مالوان /  (( كان اورتو حيكال أخ أور ــ نمو مؤسس سلالة أور الثالثة ( الثالثة لان أور قد أدرجت للمرة الثالثة في قائمة ملوك السومرين).

 تحت حكم اور نمو وأسلافه شولكي، آمار سوينا، شو- سن، و أبي – سن، استمرت هذه السلالة لقرن ( 2112 – 2004 ).

 كان اورنمو الحاكم الأول لمدينة أور تحت حكم الملك اوتو حيكال. أما كيف أصبح ملكا فهذا غير معروف، ولكن قد تكون هناك متلازمات بين بروزه ووظيفة إشبي- ايرا من مملكة أسن او حتى بروز سرجون.

 بإزالة دولة لكش، تسبب اورنمو في نمو التجارة الخارجية من (دلمون، وماغان و ميلوهة) لتصب في اور.

 وكدليل اللقب الملكي الجديد الذي كان أول من حمله ( هو ملك سومر وأكد) فهو من بنى دولة شملت على الأقل الجزء الجنوبي لبلاد مابين النهرين. وكغيره من الحكام العظام، فقد بنى الكثير، بضمنها زقورات أور واوروك المثيرة للدهشة والتي أخذت أبعادها النهائية خلال حكمه. أعطى علماء الآثار اسم شريعة اورنمو على الأثر الأدبي والذي يعتبر أقدم مكتشف معروف للآثار الأدبية يمتد من شريعة لبت –عشتار المكتوبة بالسومرية وحتى شريعة حمورابي)) التعريف العربي لمدينة أور في صفحة IRAQ HOW  يكتب التأريخ سيرة المدن من خلال ما تعطي من نتاج وأكثره النتاج الفكري فهو الوحيد الذي يصلح ليكون لسان حال ما كان موجود ويري الباحث والقارئ الحقيقة كلها ومن هذه المدن التي رسمت للتاريخ خطا مضيئا من المعرفة والرقي تأتي مدينة أور ، فعلى بعد 15 كم شمال غربي مدينة الناصرية تبدو أثار أور المطلة على التأريخ من أوله حيث أنشأ السومريون واحدة من أعرق حضارات ولتبدأ أشراقة بدء الوعي والخطوات الأولى صوب نوافذ المعرفة . 

وليس بعيداً عن أور تقع مدينة أوروك السومرية وفيها وضع الحرف خطوط أشجانه المعرفية وبدأت الأبجدية تنطق أناشيد التودد إلى الآلهة ، ونطقت الذاكرة السومرية تساؤلاتها بحروف مسمارية دونت على لوح الطين خطوطاً متساوية الأتجاهات ومدببة النهايات لتكون اللغة المفهومة الأولى في العالم .

 وعندما كانت هناك مدينة أوروك التي حكم فيها الملك الأسطوري جلجامش الذي كان يأم إلى أور في مواسم أعيادها الكثيرة ليأخذ من الآلهة النصح والأرشاد ليبدأ رحلته الأسطورية المعروفة بحثاً عن الحياة الدائمة التي لم يحصل عليها . 

ومع أوروك كانت هناك مدن سومرية أخرى لها ريادات كونية متعددة كمدينة أريدو جنوب مدينة أور 15 كيلومتر التي تفتخر من بين مدن فجر السلالات أن أهلها السومريون أو غيرهم ممن سكن هذه البقاع ويقال أنهم أصحاب حضارة( العبيد ) أبتنوا أول المعابد قبل أن تعرفها الحضارات الأخرى للتقرب من السماء ومنادمة الآلهة ، وفي الديانات التوحدية كانت بيوتا لذكر الله وعبادته والتقرب إلى رحمته الكونية ، ومع أريدو كانت هناك مدن لارسا وتلو ولكش وسنكرة ومدن أخرى أجتمعت في نفس المحيط الحضاري الذي شيدت عليه أور مجدها العظيم . 

في ظل هذا الأديم الذي تكاملت فيه رؤى الأنسان الأولى ومع أنتشار السلالات وتعدد أتجاهات الشعوب في لهجات وأمم ، كانت أور سباقة لتكون منشأ كل ماهو طيب ، وكان أهلها يفكرون قبل غيرهم بأسرار الموجودات التي يرونها حولهم حيث كان الخليج قبل مكانه الحالي يلطم بموجه الهادر أسس مدينة أور قبل أن يبتعد عنها لتبقى اليوم بعيدة عن النهر بعشرة أميال من جهة الشرق .

ورغم هذا كشفت أثريات هذه المدينة قدرة أهلها على شق الأنهر والترع والقنوات لنقرأ فيما تركوه من كشوفات أن التجارة النهرية لهذه المدينة أوصلت سفن السومريون إلى دلمون التي هي اليوم مملكة البحرين وكانت تعتبر قديماً الجنة المفترضة للخلود السومري وكانت لأور أيضاً معاملات مع ( مكان ) التي هي اليوم سلطنة عمان ومع بلاد الهند وكانت الأحجار الكريمة تجلب من مناجم (باداكشان) في أفغانستان ، والفخار المميز من كرمان وسط أيران ويقال أن تجارة هذه المدينة أمتدت شمالا حتى أرمينيا في أسيا الوسطى . 

غير أن أهم مايميز المدينة أرتباطها بالرؤى التوراتية الأولى عندما أعتقد منقبها الأول والذي أكتشف أغلب تراث المدينة وأهمها كنوز مقبرة أور الملكية التي تعود الى ملوك وأمراء سلالة أور الثالثة العلامة البريطاني ( ليوناردو وولي ) الذي سحره الأعتقاد في بدء التنقيبات وكما جاء في مذكرات من رافقه في رحلة التنقيب مساعداً وهو العالم الأثاري ( ماكس مالوان ) زوج الروائية الأنكليزية الشهيرة ( آجاثا كرستي ) قوله في الصفحة 36 من المذكرات مانصه ( كانت المغريات التي أجتذبت وولي للعودة الى أور في ذلك هائلة لأنها كانت مدينة قديمة مبجلة أرتبطت أرتباطاً وثيقاً بالعهد القديم وكان مايزال هناك عدد كبير من قراء الكتاب المقدس .لقد جعلت التنقيبات رحلة { تارح } أبي أبراهيم يسيرة الفهم لأن حران مثل أور كانت مركزاً لعبادة القمر . 

وكان وولي يأمل دائما في أن يكتشف بعض الأشارات إلى أبراهيم ، ورغم أن أسمه لم يظهر أبداً في سجل الألواح المسمارية ، إلا أنه أفلح في أعادة تكوين خلفية الوطن الأصلي لنبي العهد القديم هذا قبل هجرته من سومر التي سميت بلاد بابل فيما بعد إلى فلسطين . ) والأنتساب الأبراهيمي إلى أور تؤكده حقائق تأريخية عديدة غير ذلك الأثر الذي يبعد عن قاعدة الزقورة بحوالي 300 متر ويقال أنه البيت الذي ولد فيه أبراهيم الخليل { ع } والذي ظل مهملاً الى أن فكر قداسة بابا الفاتيكان في بدء رحلة كونية بمناسبة الألفية الثالثة وفاءاً من قداسته للدور الريادي الذي لعبته هذه المدينة والتي عانت من أهمال مقصود عبر حقب عديدة من دولة العراق الحديثة منذ أن سمح للبعثات الأثرية بنبش أرض أور وسرقة كل كنوزها الأثرية التي تعرض اليوم في متاحف أوربا وأمريكا .

 لكن خدع السياسة وأشتراطات البعض الدعائية لتسيس هذه الرحلة منعت البابا من المجيء . 

ويبدو أن النبي الكريم عاش في أور ردحاً من الزمن أكدت انتماءه إلى هذه الأرض ، ما حقاً بذلك كل الأدعاءات القائلة كما اليهودية بأنتساب إبراهيم أليها كما ورد في سورة آل عمران من الذكر الحكيم ( ماكان إبراهيم يهودياً ) وعندما جاهر بالدعوة كانت أور موطنها الأول ، وهذا ماتؤكده الآية الكريمة من سورة الأنبياء (( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * أذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا اباءنا لها عابدين )) ويبدو أن الكثير من أبناء أور قد آمنوا بأبراهيم {ع } وكانوا معه في رحلته الإيمانية التي امتدت من أور إلى حران ومصر وفلسطين حتى الجزيرة العربية حيث أمر ببناء الكعبة الشريفة ثم العودة الى أرض فلسطين حيث يلبي نداء خالقه ويتوفى كما ورد في الأصحاح الخامس والعشرين ـ تكوين .من أول الأية السابعة الى آخر الأية العاشرة من أن النبي أبراهيم حين توفي دفنه ولداه أسحق وأسماعيل في مغارة المكيفلة في حقل غفرون بن صرصر الحثي والتي دفنت فيها زوجه ساره من قبله ، وهو نفس مقام الخليل في حبرون والذي كان في الأصل أسمه قرية أربع والتي هي اليوم مدينة الخليل التي تصمد بكل جبروت المؤمن ضد القساوة الأسرائيلية ، وهم بذلك يبتعدون ضد قيم التوراة الأولى التي دعتهم بأسم الرب وقالت لأبراهيم { أنطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك الى الأرض التي أريك* وأنا أجعلك أمة كبيرة وأباركك وأعظم أسمك وتكون بركة } .لقد أمتزجت الأساطير بوقائع الألواح .

 كل واحد من أمراء أور وملوكها كان يتحدث عن المدينة بطريقته الخاصة . ولكن أور ـ نمو أمير البناء والعمران والتي أظهرت لنا دلائل التنقيب صوره وتماثيله وهو يحمل { طاسة } البناء على رأسه في عزم منه على أتمام بناء الزقورة التي لم تزل الى اليوم شامخة في ذات المكان الذي بنيت فيه ، وهي أول بناء شامخ في تأريخ الحضارات بني لقصد تقرب الأنسان من الألهة ، وقد تميزت بهندستها الرائعة وسلالمها العالية وأجرها الأحمر المفخور والذي يرجع تأريخه الى أكثر من 5000 عام وكان أرتفاعها الأصلي يبلغ 70 قدما ولها ثلاث سلالم كل سلمة 100 درجة وكانت كل آجرة قد ختمت بختم الملك السومري أورـ نمو الذي كان يحمل أسمه.كانت أور واحدة من أضخم الحواضر البشرية في ذلك الوقت .

 وأذا أردنا أن نحدث القرائن بين وجودها وطبيعة الخلق الذي أبتدأه القدير العزيز بآدم{ ع } تكون هي من بين المدن التي تفتخر بأنتمائها التأريخي . لهذا يحق لنا أن نقول عن أور هي واحدة من مدن بدايات التبشير الأول . 

ويبدو أن السير الحضاري لوجود المدينة مرهوناً بالأرادة السياسية لملوكها اللذين عاشوا صراعات لاتنتهي مع السلالات المجاورة والممالك الأقليمية حتى دفعت ثمن نهاية ملكها الى الأبد في معركتها الأخيرة مع الحياة عندما غزتها مملكة عيلام التي تجاور مملكة سومر وعاصمتها أور من الشرق والجنوب وأدى ذلك إلى أحراق المدينة عن بكرة أبيها وأنتحار ملكها المسمى أبي ـ سين ونقل ألهها{ سين } أله القمر ليعبد هناك.تربط مدينة أور بهاجس حضاري متقدم هو هاجس الموسيقى ، فقد كشفت تنقيبات وولي في مقبرة أور المقدسة أقدم الآلات الموسيقية وأهمها قيثارة الملكة السومرية بو ـ آبي والتي تسمى خطأ الملكة { شبعاد } وهي جزء من مقتنيات كثيرة عثر عليها في الأقبية الملكية التي كان يمارسها فبها نمطاً خاصاً من الشعائر الجنائزية في أعتقاد أهل أور خاصة والسومريين عامة أن الملك عندما يموت فأن حياة في ذات الرفاهية تنتظره فكان عليه أن يصحب معه الى قبو موته خدمه وحشمه والكثير من المقربين أليه وهم أحياء وكانوا يصطحبون معهم القيثارات لتسلية الملك في عالمه الآخر ، وكان وولي قد وجد هذه القيثارات في تلك الأقبية وهي مطعمة باللازورد والأحجار الكريمة الأخرى وقد سماها خطأ {الراية الملكية } ولم تكن هي سوى صندوق موسيقي للقيثارة. 

ويمثل هذا الوصف المهيب الذي ذكره مالوان في مذكراته روعة ما وصف به هذا الكشف الأثري عندما ذكر في المذكرات النص التالي:{ كان مشهد المقبرة الملكية رائعاً عندما كناً نعمل جميعاً ، وأذكر أن أحد القبور الملكية ، الذي ضم ما لا يقل عن 74 شخصاً دفنوا أحياء في قاع المهوى الملكي العميق ، بدأ عندما كشفنا سجادة ذهبية اللون مزينة بأغطية الرأس لسيدات البلاط ، متخذة شكل أوراق الزان وعليها آلات القيثار والقيثارات Harps and lyres التي عزفت الترنيمة الجنائزية الى النهاية }لكن أهم علاقة تربط أور بالموسيقى هو أنها حكمت ل48 عاما من قبل الملك شولكي أبن الملك أور ـ نمو وكان هذا الملك الموسيقار يعزف على ثماني آلات من بينها القيثارة ذات الثلاثين وتراً وتحمل أسم يرتبط بالمدينة وهو أور ـ زبابا . وكانت أور واحدة من أقدم مدن العالم من أهتمت بتأسيس معاهد الموسيقى وكانت تسمى في ذلك الحين بيوت الموسيقى وما ذكرته الدكتورة دشس جيلمن {Duchesne Gailemin } من جامع ليبيج في بلجيكا يؤيد ذلك عندما ذكرت :{ كان الموسيقيون فئة حرفية هامة في وادي الرافدين ، وكان التلميذ غير الموسيقي موضع أزدراء زملاءه } لهذا أدركت أور أن الرؤية القدرية للموسيقى تمثل حاجة البدء ليكون ، فكانت أ ور تستحظر أحلامها بالموسيقى مثلما يستحضر الكهنة ألهتهم المميزون .كانت نهاية مدينة اور تمثل واحدة من تراجيدايات نهاية المدن فبعد ان احرقت اور وفق الحادثة التاريخية أدناه لم تقم للمدينة قائمة ومعها ذاب واندثر واحدا من اعرق الشعوب الحضارية وهو الشعب السومري )) إن سقوط أور الثالثة هو حدث في تاريخ بلاد مابين النهرين يمكن ان يتابع بتفصيل اكبر من بقية المراحل من ذلك التاريخ، والفضل للمصادر مثل المراسلات الملكية، فالمرثيتان عن دمار أور وسومر، والارشيفمن اسين الذي يصور كيف ان إشبي-ايرا، كمغتصب وكملك أسين، قضى على مليكه في اور.

 ان ابي-سن كان قد شن حريا على عيلام حين تقدم المنافس الطوح بشخص اشبي-ايرا من دولة ماري، من المحتمل كان جنرالا او موظفا كبيرا. من خلال التركيز على الخطر العضيم الآتي من العموريين، عمل اشبي-ايرا على اجبار الملك على ان يعهد له بحماية المدن المجاورة لإسن ونيبور. وقد جاء طلب اشبي – ايرا أقرب ما يكون إلى الابتزاز، وبينت مراسلاته مهارته في التعامل مع العموريين ومع الأفراد من الإنسي، حتى إن بعضهم التحق به وصار الى جانبه. واستغل اشبي – ايرا أيضا الاكتئاب الذي كان يعاني منه الملك بسبب إن الاله انليل " كرهه"، تعبير قد يراد به الفال السئ نتيجة الاختبار من القرابين ، والتي استند اليها الكثير من الحكام في القيام باعمالهم( او تجنب اقيام بتلك الاعمال حسب الحالة). قام اشبي – ايرا بتحصين إسين و في السنة العاشرة من حكم إبي – سن، بدا باستخدام معادلته الخاصة بالتقويم في المعاملات، وتصرف بشكل يماثل التخلي عن الإخلاص. 

وظن اشبي – ايرا بانه الشخص المفضل لدى الاله انليل، وزاد هذا الاعتقاد من خلال حكمه لنيبور، حيث معبد الاله. وأخيرا اعلن نفسه السيد المطلق على كل جنوب بلاد مابين النهرين، وبضمنها اور.وحيث قوى اشبي – ايرا عن قصد ممتلكاته ، استمر أبي – سن بالحكم على ارض استمرت تتقلص لأربعة عشر عاما أخرى. 

ولقد جاءت نهاية اور نتيجة سلسلة من المحن: تفشي المجاعة، وان أور حوصرت واحتلت ودمرت من قبل العيلاميين الغزاة وحلفائهم من القبائل الايرانية. 

ولقد اقتيد ابي – سن أسيرا ولم يسمع عنه بعد ذلك. وتسجل المراثي بأسلوب حزين النهاية الحزينة لأور، والكارثة التي حلت بسبب حنق وغضب الإله انليل. ))اليوم أور ترتقب إلى من يلتفت أليها بعد كل هذا الأهمال المتعمد وهي تنتظر يدا خيرة لتقيم على ترابها المقدس أحتفاءاً حضارياً كل عام ، يستعيد فيه المحتفون تلك القيم العظيمة التي منحت البشرية أضاءات النور الأول الى مدرك الوعي وكانت سباقة في كل شيء ، وهذا يتطلب جهداً عالمياً خاصاً تشارك به كل المنظمات الوطنية والدولية وأهمها وزارة الثقافة العراقية ومنظمة اليونسكو التي تعنى بتراث الشعوب والحفاظ عليه وسيكون على علماء الأثار والمعرفيات الفكرية الأخرى أن يأتوا الى هنا من شتى أنحاء العالم لتقييم لهم أور كرنفالاً للثقافة والفن وكل الأبداعات الأنسانية التي تسهم في أرساء السلام والعدل بين شعوب الأرض كافة مادامت هي البدء . وأن يعنى بالمكان جيداً أذ لا تحوي المدينة اليوم أي مرفق سياحي . 

ورغم أنها أستقبلت منذ بدء الألفية الثالثة وحتى أطلاق صافرة الحرب الأخيرة آلاف الحجيج الأوربيين اللذين فرض عليهم أن تكون زيارتهم لأور يوماً واحداً لعدم وجود أماكن مبيت لائقة ومرافق خدمية .

 لهذا فيمكن للمكان أن يكون منطقة أستثمار جيدة تعود بالفائدة إلى أقتصاد البلد والمدينة الشيء الكثير .

فحتماً هذه الأرض تستحق لتكون ملتقى لثقافات الأرض كلها .

وعليه فان مدينة مثل مدينة اور حملت عراقة المكان والثر وذكرت على انها مهدا للكثير من النبؤات والملاحم فان احياءها يتطلب جهدا امميا فعالا وثمة افكار كثيرة لدى ابناءها من ساكنيها او الذين اغتربوا بفعل قسوة السياسة والقهر ولكن لديهم أفكارا محددة لتطوير واقع المدينة وتخليصها مما يحيط فيها ويذكر أن مدينة اولر كانت اول مدينة تشغل بال منظمة كتاب بلا حدود في مشروعها العالمي المعنون الحفاظ على المدن الأثرية حيث صنفت كمدينة معرضة الى التدمير وتلف أثارها وكان لصاحب المقال نداءفي هذا التجاه عد كاول نداء ملبيا لمنطوق بيان المنظمة وحملتها وكان بعنوانأور دمعة بمعطف جندي ):((يعرف الزمن جيدا أن أور هي مشكاة الحرف الذي يفكر بقلبه . مدينة تتسور بالرؤى الخضر فتعطي للمكان شيئا من رعشة ذاكرة التلقي من أن الصوت والنغم المتشكل في القيثارة السومرية يوحي لنا بأن السامع والمسموع واقعين تحت تأثير ميتافيزيقيا التخيل وفي قلب مجرة أتت بأولئك الأقوام من بعيد لامنظور كي يسكنوا الجنوب العراقي ويصنعوا الحلم بحداثة اجمل ألف مرة مما تصنعه الأغاني المضغوطة بنقاوة لا تضاهى في قرص ليزري.كان أور معطفا لزمن سرمدي . 

مدينة تتشكل في بيئتها كل أشكال الحياة . الشعر الطاغوت العبادة الطينية قصائد الحب مراسيم دفن الحياء وقراءة ضوء النجوم بأرقام العد العشري ولهذا فهي في منظور الحلم مدينة قائمة ودائمة أو هكذا يحسها ذهني وأنا أقيم كوخي على بعد فراسخ قليلة من تلالها الملتحية بالصمت وهدير الطائرات وكشوفات المقاولين وهم يتحدثون بسرية مبعثرة عن مكان لمدارج الطائرات وفنادق فارهة وشوارع تستقبل بأكثر من ممر ضيوف الحاضرة الفيتيكانية وحجاج قد يأتون من بروكسل ليزوروا بيت النبي إبراهيم ع اعتمادا على ما نطقته التوراة ببعثنه من اور الكلدان .أفكر بوضع المدينة الأثرية فأجد نفسي كمن لاحول ولا قوة لديه إزاء الرغبة بالتعامل مع المكان .

لاتعني الثقافة في مكان محتل أنها سلطة لفرض هاجس ما بل تكاد تكون صوتا يزحف ألي مساحات التذكير والموعظة وتدوين اليوم على أساس أن التفاصيل ستبقى إلى ذلك الغد الذي قد نعرف به ما حدث بالضبط .كان أندريه مالرو صاحب رواية الأمل يقول : كنت عندما أرى معطفا ألمانيا يرتدي برد باريس أتوقف عن الكتابة شهرا كاملا .

هاجس كهذا قد يختلف هنا بحكم ضرورات عهود الطواغيت التي ظلت أور تعاني من مشقة ضيق بدلات حروبهم حد الذي صنعت لشبابها ذاكرة منافي متعددة وقطارات سافروا بها وهم يبصقون الخجل قصائدا وأمنية للعودة ثانية وارتداء معاطف الحلم المصنوعة بمهارة خياطي أزمنتها دانجو أدامو ، الملك الموسيقار شولكي ، رشيد مجيد ، عبد القادر الناصري ، قيس لفته مراد ، داخل حسن ، حضيري أبو عزيز ..فائق حسين ، صلاح نيازي ، كاظم جهاد ، عقيل علي ، فاطمة المحسن ، بلقيس نعمة العزيز ، جميل حيدر .. هم كثر لا تسعهم أكبر سلال الفاكهة ورغم هذا الأحياء والموات منهم يتطلعون حد هذه اللحظة لخلق مودة الرؤى الجديدة لمدينة تربوا بها وعاشوا على تربها وشربوا الشاي في حاناتها وصلوا في معابدها .

مدينة تقف عند ذاكرة الفعل الشعري لتصنع خيالها بتورية التأليف وحسن الخاطرة وجزالة الحكمة .

عاشت أور عهود الأزل بذاكرة عاطفية وبنت رؤى التفكير الأول بمشاعر تختلط فيها الكثير من حداثة تفكير اليوم الشعرية والعسكرة وسن القانون وشق ترع الري وبناء القصور والمعابد وتزين أعناق الأميرات بالحلي المحفورة بدقة وجمال من أثمن الأحجار الكريمة فيما بقي هاجس الحرب وروح السلطة قمة الهرم في تفكير مدينة أرادت أن تصل بخيالها إلى كل الدنيا وتؤلف عهدا حداثويا للشعر والهندسة والموسيقى وما يخلفه الطين لحظة تألف مع ذاكرة العاشق .المدينة اليوم هي أطلال أمس ذهب بعيدا .

 لم تعد سوى تلال تتبعثر فيها خطوات أغنام الرعاة وجزمات جنود متعددي الجنسيات فيما أفرغت يد السراق ورجالات التنقيب الأثري أقبية المقبرة من كنوزها التي عدت يوم كشف عنها أول مرة مطلع عشرينيات القرن الماضي من قبل ليوناردو وولي واحدة من أجمل الكنوز الإنسانية وأقدمها صناعة وإبداعا ومنها قيثارة أور وراياتها والخوذ الملكية وصناديق الموسيقى والرفات المنتظم لضحايا طقوس الموت السومري حيث كان الملك في رحلة الموت يجلب معه كل حاشيته لتؤنسه في ظلمة العالم الآخر وكان الجميع يجلبون معهم ما على ثمنه وخف وزنه وتلك الحاجات الخاصة العائدة لأجدادنا من سكنة المدينة هي اليوم ملكا لمتاحف الغرب فيما المكان الأثري لا يحوي سوى على طلل البيوت الغابرة وأسس المدينة القديمة وأقبية صارت ملاذا للهواء الرطب وجحورا لبنات آوى . 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن