13 Nov
13Nov

الأستاذ الدكتور خالد حوير الشمس    

 نشأت الآء الطائي في مدينة مقهورة اجتماعيا، وسياسيا، إذ لم تنل إلا سخط السلطة، فكدحت ذي قار كدحا، وعانت معاناة، أنعكست على عطائها الأدبي. 

فبرزت الآء الحاصلة على بكلوريوس في آداب اللغة العربية من جامعة ذي قار، رغبت أن أتطلع إلى مفهوم الشعر عندها، أو إلى معرفة توقعها لمفهوم الشعر، وكيف يتمثل الشعر مقولة، وجزءا من خطاب تتملكه فضلا عن تملكها خطاب السرد، فطبعت ديوانها الشعري الأول (نزهة في مرايا الأثر)، بوصفه التجربة الأولى، ولا يمكن أن نحكم على هذه التجربة أنها في قمة الاكتمال، بل يحتاج إلى مراجعة لخلق تجربة أدبية أخرى، يمكن أن أحاكم هذه التجربة على وفق موضوعها وليس على وفق شعريتها، إذ يحوي ديوانها على موضوعات شعرية تدخل في حيز اليومي، والمألوف، نحو واقعة تشرين، ومدح الوالد، وفلسفة الحياة، ويعد الموضوع الأبرز فيه هو الغزل، حتى أفرطت فيه بنسبة عالية، بل دخلت مقولتها الشعرية في منطقة الرومانسية، التي أفهم أنها التعامل بحب مع الموجودات، وهذا صنيعها في كتابتها.    

بدأت الآء بداية هي تتحمل مسؤوليتها، إذ بدأت غير مراعية التحديد للأجناس الأدبية، فبدأت متحولة في كتابتها الأدبية، أو بتعبير آخر زاولت الكتابة في جنس الشعر، وفي جنس السرد في آن واحد، وهذا يحتاج إلى برهنة، ويحتاج إلى إقناع المتلقي في حقيقة الحال، فنشرت في نهايات 2022م مجموعتها الشعرية، وفي بدايات 2023م مجموعتيها القصصيتين وأولهما (أنقاض ذكريات مبتورة). 

من وجهة نظر نقدية أقول إنها ينبغي أن تبدأ كما تريد شاعرة، ثم تتحول بكتابة الجنس، وهذا ما حدث عند كثيرين منهم برهان شاوي مثلا، إذ بدأ شاعرا، وطبع مجموعة شعرية، ثم طَّلق الشعر، وعارف الساعدي في روايته (زينب)، ورسمية محيبس في أكثر من رواية منها رواية (كاهنات معبد أور)، وشاكر الغزي في مجموعته القصصية غيتارات شكسبير)، أو تبدأ قاصة ثم تكتب الشعر، ثمة عجلٌ في هذه الخطوة عند الآء الطائي. وهذا في ظني النقدي أنها مشغولة بالإشهار عن تفاصيلها كأمرأة، فهي تريد أن تسبق الزمن، وتحطم عجلة الأدب، فهي من أولئك الذين يريدون أن يصلوا إلى ما لا نهاية، فتطبع نثرا، وتنعت نفسها بالقاصة، وتنشر شعرا فتنعت نفسها بالشاعرة، وتطبع مجموعتها، فتكتب على مجموعتها الأديبة العراقية.

 فودي أن أقول إن الذين لم يراعوا هوية الجنس الأدبي لم يصلوا إلى حد الشعرية في خطابهم، لاختلاف تقنيات الكتابة الشعرية عن تقنيات الكتابة السردية، فليس بالضرورة أن يكون خضير الزيدي شاعرا، أو يكون حازم رشك قاصا، أو يكون عارف الساعدي روائيا.

    للتمعن بمقولة الشعر عندها، أقدم سؤالا مهما: أين أضع شعر الآء: هل أجد له مكانا ضمن عامة الأدب، فتشبه كتابة رجال الشعر، أو أضعها في خانة الأدب النسوي، بمفهومه الدقيق جدا، الذي يحكي تفاصيل النسوة، ويضع تعقيدات حياتهنّ في صميمه؟ أو لها سمتٌ شعري خاص بها، يجعلها شاعرة حطمت النسق؟   

 لا يمكن تحقق الحالتين الأولى والثانية، فهي لم تكتب بشراسة الرجال، ولا بصراحة النسوية، فثمة ما يمنعها من ذلك، لأن الأدب النسوي، والإشهار عنه يحتاج إلى ظروف اجتماعية، ودينية، وفكرية مناسبة، وهذا ما لا يرد في بيئة مثل الناصرية يحكمها العرف أكثر من الدين، والدين أكثر من الأدب، بيئة تخشى من سلطة المجاز، ومن سلطة النسوة.    وجدت في مخيلتها طاقة شعرية، وإحساسا فياضا، ومشاعر مرهفة، فكانت أمام طريقين، أو تقنيتين لغويتين، إما اللغة الشعرية التي تعبر بها لميعة عباس عمارة، وابتهال بليبل، أو بلغة خاصة بها، غامضة، معتمة، متأثرة  بثقافة المجتمع التي تميل نحو التحفظ في ظل رمزية قاتمة، صعبة، بل غير موفقة بمعنى أنها ابتعدت بسببها عن لغة الشعر، وشعرية اللغة، ولو أخذت قصيدة (رئة التنور)، وحاكمتها بحسب اللغة الشعرية، واللغة الاجتماعية، لوقفت على مجازات متمحلة، متكلفة، ومنها (يهرول الحطابُ ويزجر جذعها)، فتأتي الاستعارة يزجر جذعها، غير مستعملة البتة في الواقع اليومي، فمنى الزجر هو الصياح، والجذع لا يصاح به، ولو جاءت الاستعارة للرفض لكان مقبولا ذلك، ولكنها جاءت للحرق، والإنهاء.  

  فجاء شعر الآء شعرا غامضا، حد الغموض، عصيا على الفهم الرشيق، وإن كان الغموض في الواقع النقدي سمة من سمات قصيدة النثر، لكنه ورد عندها بمجازات غير مفهومة، واستعمال مفرداتي غير موفق، إذ يعسُر على المتلقي الإلمام بمعنى الجمل الشعرية، والقصيدة، ومن ذلك حينما نعتت اليأس بالبائس في قصيدتها (أكذوبة) : 

  • ((ينسلُّ خيطُ نيسمٍ
  • تتعلق
  • تحيك حكايا بمخيلةٍ عرجاءَ
  • تقفُ على ساق واحدة
  • تنظرُ من زاوية يأس بائسة
  • تنعدم رؤيا انعقاداتٍ))[1]

   فليس عندنا يأس بائس، ويأس غير بائس، هذا ناهيك عن إيجاد صياغة غير دالة البتة، ومن ذلك (تنعدم رؤيا انعقادات)، ووجود الإحالات غير الدالة، فيحيل نص أكذوبة على محيل خارجي لا يمكن إيجاده. ما يحسب لها أنها مكثرة الكتابة حتى احتوى ديوانها على 106 قصيدة، وجاء على وتر واحد، لا يتعدى محور الغزل، والمزاولة بين الذات والآخر، الذات المتشظية بسبب الهيام الذي تعيشه مع معشوق وحيد لها، وقد وجدت لها ذاتا تحترق شعرا، وتفيض عاطفة، ووجدا، ننتظر منها المزيد.


  

[1] في مرايا الأثر: 30.   

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن