نعيم عبد مهلهل / المانيا
وقت صدورها في الكويت ، أهدتني كاتبتها نسخة منها ، ثم وصلت الى المانيا بعد اسبوعين لأحتفي برواية الروائية الكويتية ( منى الشافعي ) والمعنونة ( يطالبني بالرقصة كاملة ) ، وهو عنوان حميمي ورمانسي وجريء ايضاً ، وقد نضدتها مع كتب اخرى في مكتبتي وأن اضعها في جدول قريب لقراءاتي ، ومتى طلبت مني مكتبة المدينة وهي تحتفي بأدب الخليج العربي أن اختار انموذجا لهذا الادب ، كانت رواية الشافعي الاقرب والاكثر رؤية في تقريب بعضا من مكاشفات البوح الاجتماعي الصادق كما ترويه هي .
واستذكارا لقراءاتي الأولى عن روايتها المرسلة إلي بأهداءات خاصة منها ، وأحسست من أول فصل أن هذه الرواية ذات البوح الروحي والعاشق والممتع في هواجس ابطال الرواية وهو يوقظون مشاعرهم السرية ويتواصلون من خلالها فيما بينهم ، اقف الآن عند واحد من إثارات هذا المنتج الأدبي ، لأعيش في حدود تأمل وقراءة لوحة الغلاف المرسومة بأبداع كاتبة الرواية نفسها ،وأجعل من هذه اللوحة كعتبة نصية تؤشر الى قارئ الرواية بهواجس ما في داخلها ، لتكون المفتاح لما يشعره القارئ مغلقا في التفسير ، بالرغم من أن منى الشافعي تناولت الرواية بكشف رومانسي مرهف استطاعت فيه بث مشاعر انسانية قد تختلف فيما تعتاد عليه بعض الأسر المجتمعية في بلدها الكويت ، وقد تكون تابوها وغراما سريا ، إلا أن لغة الرواية شحنت بحس صوري وبلاغي يضع مشاعر المؤلف في خدمة توضيح حياة وهواجس ابطال الرواية ( نوره ،يوسف ، فوزية ) وعبرهم تكشف الرائية ما خلف كواليس الحياة ، وهي تنقل احساسي بصفة استعادة ما كان وما سيكون عندما تكون فوزية الاقرب الى ذائقتها في عشق الاغاني الرومانسية واهمها صوت عبد الحليم وصباحات فيروز وقراءاتها الواعية والمتحضرة .
ربما شخصية فوزية في رواية يطالبني بالرقصة كاملة هي ما تعكسه عتبات اللوحة التي على الغلاف وكأنها تحسسنا بأن اللوحة رسمتها الروائية قبل ان تكتب رواياتها ،وتظهرك الملامح الانثوية لوجه اللوحة بشيء من براءة حس ناعم تعكسه ملامح انثوية يتهيج في داخلها شيئا من احساس غامض بالحب تفضحه بهجة اللون الاحمر في ثياب الفتاة التي رسمت بهاجس الايحاء من ان شيئا غامضا تريد ان تقترب فيه من ظل تتمناه وتحبه .
بعيدا عن الظروف الطارئة ومفاجآت الحياة. وكأنها تراقب احساس بطل الرواية يوسف في احساسه وقلقه ومستوى الوعي الذي يلازمه أزاء ما يقلقه ويعيشه ويتعرض له في مواجهة فوزية ونوره هذا الهاجس تختصره اللوحة في ايماءاتها وحتى في فنيتها وتركيبتها الروحية ما تقوله الرواية في مقطع لها بفصلها الثاني :(( انها أمنيات ان نلتقي معا نحن الثلاثة على بوابة ذلك السور، وندلف منه معا، وسيغلق ماضينا كل أبوابه، وسنفتح نوافذ جديدة، تشكل لنا سيمفونية حب رائعة لم يؤلفها بيتهوفن، ولم يعزفها موزارت، لكن لماذا تكون الحياة على شكل أيام وسنوات؟ ولماذا لايكون لنا نحن الثلاثة عالم جديد، وبذرة حب مشتركة نزرعها لعمر قادم.)) من النص تأتي ثقافة يوسف وعمق احساسه ،وأشعر أن ثقافة ابطال الرواية من ثقافة الكتابة لهذا اصرت لتكون لوحتها شبكا نطل منه على عالم تسوده المتغرات الروحية اولا وتسكنه مشاعر العشق والشعور بالذنب والخيبة وفي النهاية حتى بطلة لوحة الغلاف التي تعيش معنا بايماءة انثوية طفولية تريد ان تقول لنا أن عالم البيت اسرار عميقة وتحتاج من الى شاشات سينما لترون فيه كم علينا ان نبذل جهدا لتصحيح ازمنتنا ونجعلها رواية تحكى ولوحة ينظر اليها بمتعة وتلك هي الحياة.
حتى انك تشعر في ما تمنحه عتبة لوحة غلاف الرواية أن وجه الأنثى في اللوحة هو تماما يطابق في فوزية داخل الرواية وتلك الميزة هي ما تحرص عليها منى الشافعي دائما لتجعل الولوج الى عالمها القصصي والروائي من خلال عتبة لوحة الغلاف ،وفي كل اعمالها التي قرأتها لهذه الادبية الكويتية الملتزمة باخلاقيات وحرفة وعشق الكتابة الادبية اجد ان شخوصها يدورون في حركة المنزل والبيئة ومتغيراتها مع دراية جميلة في تحريك عوالم ابطال قصصها من المشاعر الطفولية ونخلة البيت وحتى حفلات التعارف والسهر الاجتماعي وقصص الحب ايام الدراسة وفي فورة التعلق بالافلام العربية القديمة واغانيها .
وكل هذا هو عكس روحي وتفاعل اجتماعي لبيئة بلدها الكويت التي لاتختلف كثيرا عن البيئات العربية ــ الخليجية المجاورة ، لكننا هنا لا نعيش في رغبة الحديث عن منى الشافعي سوى عبر ايماءاة البنت وهاجس نظرتها الغريب والمؤثر وهو ذاته هاجس فوزية بطلة روايتها اتجاه نورة ويوسف والحياة برمتها .
تشكيليا تقع لوحة الغلاف ضمن ابداع مميز تتصف به منى الشافعي كطريقة لبناء حركة الوجوه وكشف دلالالتها ، انها في جميع لوحاتها تميل الى رسم جماليات الشكل والحدث ببساطة تشبه كتابة الخواطر تماما وهي تقف تماما عند رؤية بيكاسو في جعل الملامح تفسر من قبل من ينظر اليها وليس من قبل الملامح ذاتها ، لهذا فأن اللوحة في روايتها البنت وبقايا نوافذ المنزل القديم ( منزل العائلة ) يرينا شيئا من سحرية الحس لدى الروائية وجمالية ان يكون كاتب النص هو من يشتغل غلاف روياته فيكون الصدق المتبادل بين الرواية والغلاف متكاملا ويحمل دلالات ربط تعيش جدلية الحدث وبالتالي حين تتنتهي من قراءة الرواية وتعود الى الغلاف تشعر تمنى انك ترى فوزية بهذه الالوان التي قد تعاكس قلقها واسئلتها داخل النص ولكن متى اطلت النظر في اللوحة مشاهدا عاديا او ناقدا متمرسا حتى تشعر أن ترى فوزية بكل تفاصيلها .
يطالبني بالرقصة كاملة للروائية منى الشافعي في تفسريها الروحي والمجتمعي هي الحياة بلوحة واللوحة بالحياة وهناك ربما تجد التفاسير الأخرى .
فوبرتال / ابريل 2024