قطعت العلاقات السعودية - الإيرانية شوطاً سياسياً لافتاً منذ الاتفاق الذي أبرمه البلدان في بكين العام الماضي، إلا أن وتيرة التنسيق بينهما شهدت تفاعلاً أكبر في أعقاب توتر المنطقة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما قاد مسؤولاً عسكرياً سعودياً رفيعاً أمس الأحد إلى زيارة طهران.
جاء ذلك وسط جهود متواصلة للتهدئة في الإقليم تقودها السعودية التي دعت إلى قمة عربية وإسلامية مشتركة، تعقد اليوم في الرياض، وتلقى على إثرها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مكالمة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ثمن فيها مبادرة السعودية بالدعوة إلى القمة لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان. في غضون ذلك نقلت وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية مجتمعة (مهر وتسنيم وفارس) استقبال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري نظيره السعودي الفريق أول الركن فياض بن حامد الرويلي.
وأفادت بأن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة السعودية وصل إلى طهران على رأس وفد عسكري رفيع المستوى للقاء المسؤول العسكري الإيراني باقري، بينما علقت لاحقاً وزارة الدفاع السعودية بأن المحادثات مع الجانب الايراني، جاءت بتوجيه من القيادة "لبحث فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة... وذلك ضمن إطار اتفاق بكين الذي يهدف إلى التقارب ورفع مستوى التنسيق والتعاون بين البلدين، بما يحقق مصالحهما المشتركة".
واعتبر الإعلام الإيراني الخطوة النادرة تأتي بهدف "تطوير الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي" بين البلدين، بوصف ذلك من بين المحاور الرئيسة للقاء.
تفعيل الشق الأمني من اتفاق بكين
وفي اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية" رجح اللواء أحمد الميموني وهو خبير في الشأن الإيراني أن تعكس الزيارة رغبة الطرفين "تفعيل الاتفاق بينهما في شقه الأمني والدفاعي"، بينما رأى أن التوقيت قد يعني ضمن أشياء عدة "مسعى سعودياً لتهدئة المخاوف الإيرانية حول مواقف دول الخليج تجاه التصعيدات الحالية واتخاذ خطوات تسبق الخطوات الأميركية المحتملة لإعادة سياسة الضغط على إيران والضغط على المملكة لتأخذ دورها في ذلك".
وكان رئيس هيئة الأركان العامة في إيران باقري أجرى محادثة هاتفية مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان تناولت التطورات الإقليمية، ورفع مستوى التعاون الدفاعي بين القوات المسلحة للبلدين وأهم قضايا العالم الإسلامي.
انتخاب ترمب يلقي بظلاله
وألقى فوز دونالد ترمب وعودته إلى البيت الأبيض بظلاله على الظرف الإقليمي وبخاصة في ناحية الصراع بين إسرائيل وإيران ووكلائها، إذ يعرف الرئيس المنتخب بانتهاجه سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران أيام رئاسته الأولى خلال وقت كانت فيه علاقة السعودية وإيران شديدة التوتر، عكس المرحلة الحالية التي يتمسك فيها البلدان بتنسيق مواقفهما نحو التهدئة في المنطقة وجهود إيقاف الحرب في غزة ولبنان، على رغم تشكيك محللين سعوديين من جدية النظام في طهران إزاء تغيير سلوكه المزعزع للاستقرار عبر أذرعه في العراق واليمن وسوريا ولبنان.
ومن غير الخافي حاجة طهران الراهنة إلى توظيف الثقل السعودي في محاولة تخفيف الضغوط الأميركية ومن ثمَّ الإسرائيلية عليها، أو ضمان عدم تصعيدها إلى ما هو أكبر في الأقل، وهو ما تردد أنه بين ملفات عدة بعثت بها القيادة في طهران وزير الخارجية عباس عراقجي عند لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال التاسع من أكتوبر الماضي.
يأتي ذلك في حين كشف بنيامين نتنياهو أن إيران موضوع رئيس في نقاشاته مع الرئيس المنتخب، قائلاً في أحدث تصريح له إنه "تحدث خلال الأيام الأخيرة ثلاث مرات مع الرئيس المنتخب دونالد ترمب وكانت محادثات جيدة ومهمة للغاية.
نحن متفقون في شأن التهديد الإيراني بكل مكوناته والخطر الذي يشكله. ونرى الفرص الكبيرة التي تواجه إسرائيل في مجال السلام وتوسعها وفي مجالات أخرى".
وسبق أن ناقش مسؤولو الدفاع من السعودية وإيران التعاون العسكري "في علامة على أن الحرب بين إسرائيل و’حماس‘ تقرب بين الخصمين السابقين" وفق وكالة بلومبيرغ، فيما أوردت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن قائد القوات البحرية للجيش الأدميرال شهرام إيراني قوله إن البلدين قد يجريان مناورة مشتركة.
وأضاف "السعودية طلبت أن نجري مناورة مشترة في البحر الأحمر" بحسب "الصحافة الفرنسية"، إلا أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أفاد في لقاء صحافي على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار قبل نحو أسبوعين، بأنه "بالنظر إلى المناخ الإقليمي الحالي فمن غير المرجح أن تحدث مثل هذه المناورات في المستقبل القريب".
وشكل اتفاق بكين خلال مارس (آذار) 2023 بين البلدين انعطافة بارزة في علاقاتهما، إذ نظم إطاراً لكل الجوانب الثنائية والإقليمية التي كانت موضع النزاع والخلاف، وسمح بتطوير علاقاتهما على أسس أكثر صراحة، إلا أن خطوات تفعيل الاتفاق ظلت يشوبها جانب من الحذر، يرى المراقبون أن الظروف الإقليمية ومرحلة بناء الثقة تستدعيه بعد كل أعوام التوتر والانقطاع الطويلة.
وهناك اتفاق للتعاون الأمني موقع بين الجانبين منذ عام 2001 تم اعتباره أساساً ومرجعاً لاتفاق بكين وفق اللواء الميموني، إلى جانب الاتفاق ذي الأهداف العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقع خلال عام 1998. وتضمن الاتفاق الأمني تعهد الطرفين ببذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.