27 May
27May

ينتظر الفائز في الانتخابات البريطانية، التي تجرى في الرابع من يوليو/تموز المقبل تحديات اقتصادية ومالية هي الأكبر منذ 70 عاماً، إذ يثقل عبء الدين الذي يصل إلى 100% من إجمالي الناتج المحلي، مالية البلاد، ما يؤثر سلباً على الخدمات المقدمة للمواطنين، فيما لا يزال التضخم متمسكاً بعناده ليبقى عند مستويات أعلى من الهدف الحكومي، ما يكبل أي جهود لبنك إنكلترا (المركزي) لخفض أسعار الفائدة وإنعاش الاقتصاد.

 وسواء فاز حزب العمال أو المحافظون، فإن كليهما مقيد بواقع اقتصادي صعب، ويتعين أن تكون خياراتهما صادقة للتعامل مع هذا الوضع، بحسب توصية معهد الدراسات المالية في بريطانيا، إذ قال مدير المعهد بول جونسون، إن التحدي الذي ينتظر الفائز في الانتخابات أكبر مما واجهته أي حكومة منذ الخمسينيات من القرن الماضي على الأقل، والتمني بأن يتحسن النمو بدرجة تنقذ الموقف سيعتمد على أن نكون "محظوظين للغاية".

 وأعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك، يوم الأربعاء الماضي، عن إجراء انتخابات مبكرة في الرابع من يوليو/تموز المقبل. ومن المتوقع أن ينشر حزبا "المحافظين" الحاكم و"العمال" المعارض بياناتهما في غضون أسبوعين، ويزعمان بالفعل أن خطط الطرف الآخر غير قابلة للتنفيذ. وتعهد كلا الحزبين بخفض عبء الديون الذي يقترب الآن من 100% من الناتج المحلي الإجمالي. 

مع ذلك، وأياً كان الفائز، فسيكون محاصراً بتلال من الديون وأسعار الفائدة المرتفعة ومعدل نمو منخفض، حسبما ذكر المعهد.

 وقال جونسون إن أمام الحزبين ثلاثة خيارات حقيقية: إما قبول التخفيضات "المؤلمة" في الإنفاق على الخدمات العامة المخطط لها حالياً، أو زيادة العبء الضريبي الذي من المقرر أن يصل بالفعل إلى أعلى مستوى في 80 عاماً، أو اقتراض المزيد والفشل في تثبيت استقرار الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وأشار جونسون، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، إلى أنه لطالما دعا إلى إجراء نقاش مباشر بخصوص الخيارات الصعبة التي تواجهها بريطانيا، لكنه رأى أن الساسة الفائزين "سيترددون في إخبارنا بما سيستقرون عليه من هذه الخيارات" خلال الحملة الانتخابية. 

وأضاف: "هذا لا يعني أننا يجب أن نمتنع عن سؤالهم". 

وتعاني الخدمات العامة صعوبات بالفعل في ظل تخفيض المخصصات المالية، بينما يتوقع أن تواجه تخفيضات أعمق. وقال جونسون إن الإنفاق على كل شيء بخلاف فوائد الدين من المقرر أن ينخفض من 40.8% إلى 39% من الدخل القومي خلال دور انعقاد البرلمان المقبل. ولكي يتسنى خفض الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فلا بد أيضاً من زيادة كبيرة في الضرائب مقارنة بالإنفاق على أي شيء آخر غير فوائد الدين. وكانت آخر مرة حققت فيها المملكة المتحدة فائضاً أولياً قبل 23 عاماً.

 أضاف جونسون: "المال شحيح. والخدمات العامة تتداعى، والضرائب عند مستويات تاريخية مرتفعة، وكلا الحزبين محاصران بتعهداتهما الواضحة للغاية بخفض الديون... سوف يتطلب تجنب التخفيضات في الخدمات العامة الرئيسية في مراجعة الإنفاق بعد الانتخابات المزيد من الزيادات الضريبية".

 وشهدت بريطانيا أحد أسوأ أداء للاقتصادات الكبرى منذ تفشي جائحة فيروس كورونا في عام 2020، مع انخفاض النمو وارتفاع التضخم وضعف الاستثمار من نظيراتها. وتقع مسؤولية العديد من الأخطاء على عاتق المحافظين، وخاصة قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي. لكن هذا لا يعني أن أداء حزب العمال، الذي قد يشكل الحكومة المقبلة، سيكون أفضل، وفق صحيفة وول ستريت جورنال. 

ويعد التضخم من بين أهم الشكاوى العامة في بريطانيا. وفي حين أن القراءة الأخيرة عند 2.3% ليست مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، فإن الزيادة التراكمية في الأسعار منذ فبراير/شباط 2020 كانت أكبر في بريطانيا منها في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.

 وارتفعت أسعار الطاقة لدى الجميع بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ولكن بريطانيا ارتفعت أكثر من معظم الدول الأخرى، فقد استوردت كميات قليلة للغاية من الغاز من روسيا، لكن الكثير منها استوردته من النرويج والولايات المتحدة، اللتين رفعتا أسعارهما بعد أن قطعت روسيا الإمدادات عن أوروبا الغربية. 

وعانت بريطانيا أيضاً من أحد أعلى معدلات الوفيات في العالم المتقدم في العام الأول لجائحة كورونا، وكان المرض طويل الأمد عاملاً أساسياً في إبعاد الناس عن سوق العمل. وأدى ضعف المعروض من العمالة بدوره إلى إبقاء معدلات البطالة منخفضة، وارتفاع الوظائف الشاغرة، ونمو الأجور بشكل سريع، مما ساهم في الضغط التضخمي. وقد منع ذلك بنك إنكلترا من خفض أسعار الفائدة. 

ويرجع النمو الضعيف إلى جانب التضخم العنيد جزئياً إلى ركود الإنتاجية (الناتج لكل عامل)، والذي يمكن إرجاعه بدوره إلى تراجع الاستثمار الذي بدأ بعد تصويت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016. بين أوائل عام 2016 ونهاية عام 2023، انخفض الاستثمار البريطاني بنسبة 17% مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، وفقاً لبنك "جيه بي مورغان".

 ويمكن ربط نصف هذا المبلغ بشكل معقول بالحواجز الإدارية وحالة عدم اليقين الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد وضعت دراسة شارك في كتابتها جوناثان هاسكل، أحد صانعي السياسات في بنك إنكلترا، الاستثمار في المملكة المتحدة أقل بنسبة 10% في عام 2022 مما لو كان الاتجاه قبل عام 2016 قد استمر.

 وهذا هو عكس ما راهن عليه المحافظون، بأنه خارج الاتحاد الأوروبي، يمكن لبريطانيا أن تصبح نقطة جذب للاستثمار الأجنبي، ومركزاً لتصدير الخدمات عالية القيمة، وشريكاً للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة والصين. وكان التصنيع يمثل 9% فقط من الناتج الوطني في السنوات الأخيرة، وهو أقل من نظيره في الولايات المتحدة بنسبة 11% وأقل من نصف الرقم في اليابان وكوريا الجنوبية والصين. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان في توقيت خاطئ بشكل فظيع، وفق "وول ستريت جورنال"، إذ جاء في الوقت الذي انقلبت فيه العولمة وأصبحت الصين أكثر وضوحاً في سعيها لتشجيع الشركات الوطنية الرائدة على حساب الغرب، وفي الولايات المتحدة، تبنى الرئيس السابق دونالد ترامب الرسوم الجمركية لحماية الصناعات الأميركية ومعاقبة الصين.

 وفي عالم مجزأ، ترغب الشركات متعددة الجنسيات في الوجود في كل كتلة اقتصادية، وقد غادرت بريطانيا الكتلة الأكبر. ويدعي حزب العمال أنه مستعد لهذا العالم الجديد. وقالت وزيرة الخزانة المحتملة في حكومة حزب العمال، راشيل ريفز، إن "العولمة، كما عرفناها ذات يوم، ماتت".

 وسواء فاز حزب العمال أو المحافظون، فإنّ كليهما مقيد بواقع الاقتصاد العالمي المفتت، إذ تفتقر المملكة المتحدة إلى الموارد العميقة التي تتمتع بها الولايات المتحدة لدعم الاستثمار، أو الشركات المصنعة ذات العلامات التجارية لترسيخ الإنتاج المحلي والإبداع.

 بالنسبة لاقتصاد بحجم بريطانيا، فإن سلاسل التوريد المكتفية ذاتياً باهظة التكلفة. ويمكن لبريطانيا التعويض عن ذلك من خلال الوصول إلى سوق كبيرة مثل سوق الصين أو الولايات المتحدة. واستبعد حزب العمال وحزب المحافظين العودة إلى الاتحاد الأوروبي.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن