تناولت وكالة رويترز للأنباء، تقريراً يخص الجفاف في العراق، ونسبة الهجرة في السنوات الأخيرة من المناطق الجنوبية.
وذكر التقرير، "على شاطئ تحت الشمس الحارقة في منطقة الأهوار جنوب العراق، يسحب الصيادون من الماء صيدا هزيلا، عبارة عن أسماك صغيرة نافقة لا تصلح إلا كعلف للحيوانات.
وأضافت، الصحيفة: "كان السكان المحليون يتمتعون بالاكتفاء الذاتي في المناطق شاسعة المساحة التي تغطيها المياه العذبة في الأهوار المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويملؤون شباكهم بأنواع مختلفة من الأسماك ويربون قطعان الجاموس".
وبين التقرير: "لكن في السنوات الأخيرة، أدت موجات من جفاف الأنهار، التي تغذي الأهوار، إلى انحسارها مع زيادة نسبة ملوحة المياه بسبب تسلل مياه البحر المجاور، ما أسفر عن اختفاء الأسماك وتهديد نمط حياة يعود إلى قرون".
وقال خميس عادل، وهو صياد سمك من عرب الأهوار الأصليين من مدينة الخورة في البصرة: "حاليا لا يوجد ماء"، مشيرا إلى أنواع كثيرة من الأسماك التي لم يبق منها شيء بسبب نقص المياه وزيادة الملوحة والسدود.
وأضاف: "أنواع السمك.. كان موجودا هنا بني، وسمتي، وعدة أنواع، حاليا كله ذهب، مات من قلة الماء، والماء أصبح مالحًا (لأن أصبحت سدود علينا) وجميعه مات، السمك والأعشاب ماتت كلها انتهت".
ووقف يحدق في المساحة القاحلة الممتدة، التي كان يطلق عليها تاريخيا "جنة عدن"، لكنها أصبحت الآن مساحة رمادية بها زوارق خشبية مهجورة وهياكل عظمية لجاموس لم يتحمل العطش والجوع.
"أين نذهب الآن؟"، سؤال يطرحه كثيرون ممن كانوا يعيشون قبالة سواحل أهوار العراق، ومجاري الأنهار والممرات المائية الغنية حيث خرجت حضارة بلاد ما بين النهرين القديمة.
الهجرة
ويتخلى الصيادون والمزارعون وصناع القوارب وآخرون في جميع أنحاء البلاد عن الحياة التي تعتمد على المياه ويبحثون عن وظائف في المناطق الحضرية التي ترتفع فيها بالفعل معدلات البطالة، ويؤدي الاستياء إلى احتجاجات متكررة.
وقالت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 62 ألف شخص نزحوا داخل العراق حتى سبتمبر أيلول الماضي بسبب ظروف الجفاف المستمرة منذ أربع سنوات، وهو عدد من المرجح أن يرتفع مع تدهور الأوضاع.
ويقول مسؤولون عراقيون وسكان محليون إن التغيرات وراءها مجموعة كبيرة من العوامل، تشمل بناء تركيا وإيران سدودا على الأنهار، وسوء إدارة الموارد المائية، والتلوث الشديد للأنهار، وتغير المناخ الذي أدى إلى قلة هطول المطر.
ومع جفاف الأنهار والأهوار، تراجع الاقتصاد القائم عليها.
وفي بلد تدير الدولة معظم اقتصاده، يعني هذا زيادة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن وظائف حكومية، ما يضع مزيدا من الضغط على الموارد المالية المعتمدة على النفط، التي قال وزير المالية السابق، إن رواتب سبعة ملايين موظف تُدفع منها.
وكان الشقيقان محسن وحسن موسى يعيشان على الصيد من نهر الفرات في النجف كما فعل أسلافهما.
وترك حسن الصيد قبل سنوات، واختار بدلا منه قيادة سيارة أجرة وبيع الطيور على جانب الطريق، لكنه لا يزال يواجه صعوبات في تغطية نفقاته.
وقال "منذ 1995 صارت قطوعات بالماء، نرجع نعمل وفترة لا وبعدين شحت المياه 2011 ماكو مياه بعد، وآلاف الصيادين تركوا العمل، ولا توجد وظائف، بالنسبة إلي إذا حصلت على وظيفة تفيدني أستطيع أن أسد معيشتي، بالنسبة لهذا العمل لا يسد شي بسيط حالة اضطرارية، مدبرين حالنا كيف ما كان".
ولا يزال شقيقه يحاول كسب عيشه عن طريق النهر، الذي بات ضحلا ومليئا بمياه الصرف الصحي، لكنه يقول إن صيد ما يصل إلى خمس كيلوجرامات من الأسماك يوميا مقارنة بنحو 50 كيلوجراما في الماضي، قد يدفعه إلى ترك المهنة قريبا.
وقال وهو يدفع قاربه على طول القناة في ظروف طقس صعبة مع زيادة الرطوبة إن الأوضاع المادية للصيادين باتت شديدة الصعوبة حتى أنهم قد لا يستطيعون تدبير ضروريات الحياة.
كان عندنا كل شيء
يترتب على قلة عدد الصيادين بالنسبة للعراقي نعمة حسن، صانع القوارب الذي كانت ورشته تبني في السابق ستة قوارب كل شهر، تراجع النشاط وتدهور العمل، وبعد أن كان يعمل لديه في السابق ما يصل إلى عشرة عمال، أصبح يكدح الآن بمفرده في ورشته التي تغطيها الأتربة محاولا تغطية نفقاته الخاصة.
وقال: "قبل كان العمل موجود (الطلب على القوارب)، كان الماء موجودا، والعمال كانوا يعملون ونطلع إنتاج بالشهر، نطلع زوارق كبيرة.. (أما الآن) العمل ليس مثل قبل؛ حقيقة من ناحية حتى الإيجار ما نستطيع إخراجها من وراء الماء".
وكافح عادل البطاط، وهو في أواخر الستينيات من عمره، للعثور على عمل منذ أن نزح في البداية من الأهوار عندما جفف الرئيس العراقي السابق صدام حسين أجزاء كبيرة منها في التسعينيات لطرد المتمردين.
وحتى بعد الغزو الأمريكي عام 2003، عندما غمرت المياه أجزاء من الأهوار مرة أخرى، لم يعد مستوى المياه بشكل كامل.
وقال من منزله البسيط الواقع على أطراف مدينة البصرة "نزحنا بعد الهور أيسنا منه نزحنا من عنده وجئنا هنا للمدينة، نريد أن نطور أمورنا، أولادنا يشتغلون إحنا نحصل رزق ونريد نعيش عيشة كريمة، منطقتنا عزيزة علينا ونتمنى لو يوجد ماء نرجع حتى لو الأمور هنا تحسنت للمعيشة لازم نرجع هناك"، مضيفًا "كان عندنا كل شيء".