واجهت معظم الدول العربية تحديات وصعوبات اقتصادية خلال الـ12 شهرا التي أعقبت إعلان روسيا غزو أوكرانيا، في ظل الارتفاع الكبير لأسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية، مما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات الفقر والتضخم في عدد من بلدان المنطقة.
وفي وقت تدخل فيه الحرب عامها الثاني ومعها مرحلة جديدة من التصعيد بين روسيا وحلفاء أوكرانيا الغربيين، يتوقع خبراء اقتصاديون تواصل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ستواجه بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـ لاسيما غير الطاقية ـ خلال الأشهر المقبلة.
وتتباين تأثيرات غزو موسكو لأوكرانيا على اقتصادات الدول العربية، خاصة بين الدول المنتجة والمستوردة للطاقة، حيث استفادت الأولى من إيرادات وأسواق جديدة لتصدير الغاز، فيما تواجه بلدان المنطقة التي تعتمد على الإمدادات الخارجية لتلبية حاجياتها الطاقية صعوبات اقتصادية متلاحقة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي، إدريس الفينا "التباين الحاصل"، مشيرا إلى أن بعض البلدان تأثرت بشدة وتواجه صعوبات اقتصادية كبيرة منذ بداية الغزو الروسي على أوكرانيا، في مقابل الدول الطاقية، التي استفادت من ارتفاع أسعار الغاز، وحققت انتعاشا اقتصاديا وتحسنا في أوضاعها المالية، مما يزيد من قدرتها على الصمود في مواجهة التحديات الطارئة.
ويشير الخبير الاقتصادي في تصريح صحفي، إلى أن تأثيرات الحرب، برزت خصوصا مع ارتفاع أسعار الغاز والبترول ومعها المواد الغذائية، مما أدى إلى تسجيل مستويات تضخم استثنائية في العديد من الدول وتراجعا في القدرة الشرائية لمواطني هذه الدول، في ظل تراجع الأجور والمدخرات، ومعها ارتفاعا في نسب البطالة والفقر.
في هذا الجانب، تكشف أرقام لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا)، ارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية خلال "عام الحرب"، مقارنة بالسنوات الماضية.
ويصل عدد الفقراء بالمنطقة، بحسب اللجنة إلى ما يقرب من 130 مليون شخص بكل الدول العربية، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وذلك بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا التي يفاقمها وضع الحرب في أوكرانيا.
ويوضح إدريس الفينا، أن الدول غير المنتجة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجدت نفسها أمام "وضع صعب أضر باقتصاداتها بشكل عميق"، وبالتالي توجهت نحو فرض المزيد من الضغوط الضريبية التي من شأنها أيضا إدخال مقاولات في صعوبات سواء على مستوى الاستثمار والتشغيل، أو نحو الاقتراض الخارجي، وهو ما سيؤدي إلى رهن وضعها الاقتصادي بإملاءات المؤسسات الدولية.
"تأثيرات سلبية"
وأدى الغزو الروسي إلى تفاقم نسبة التضخم في المنطقة العربية، بعد الارتفاع الكبير في تكاليف إنتاج الطاقة التي صاحبها ارتفاع أسعار الغذاء، وتضاعف معدل التضخم في المنطقة خلال العام الماضي ليبلغ 14 بالمئة، وتفيد توقعات صندوق النقد الدولي، أن استمرار ارتفاع التضخم سيبطئ نمو اقتصادات المنطقة خلال العام الجاري.
وتحذر المؤسسة المالية من أن تواصل ارتفاع معدلات التضخم، سيؤدي أيضا إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع الأولية ونقص الغذاء، ومعه بروز تحديات انعدام الأمن الغذائي واضطرابات اجتماعية.
في هذا الإطار، يبرز رشيد أوراز، باحث غير مقيم بمعهد "الشرق الأوسط" بواشنطن، أن تداعيات الحرب أثرت أساسا على أسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية، مشيرا إلى أن "عددا من بلدان المنطقة، من ارتفاع أثمنة هذه المواد، ما يؤثر على القدرة الشرائية لكل الفئات، ويبطئ النمو الاقتصادي ويرفع معدلات البطالة ويفرض عليها تحديات اجتماعية".
ويلفت أوراز في تصريح صحفي إلى، أن أسعار الطاقة عرفت هذه السنة ارتفاعا لا يتناسب وقدرة الاقتصادات العربية غير البترولية على تحملها، وقد انعكس ذلك سلبا على المعيش اليومي للمواطنين وعلى القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
ويشير الباحث في مركز "الشرق الأوسط"، إلى أن بعض بلدان المنطقة، واجهت مشاكل في التزود ببعض المواد الغذائية والفلاحية بالخصوص، نتيجة إرباك الحرب لعملية التصدير.
"فرصة الحرب"
وفي غياب بوادر نهاية وشيكة للحرب، يتوقع الباحث الاقتصادي أن تستمر تأثيرات الغزو لأشهر أخرى، مشيرا إلى أن تزامنها وأزمة كورونا، زاد من تعميق آثارها على الاقتصادات العربية وعلى قدرتها تحمل مزيد من الضغط أو الأزمات.
ويتابع رشيد أوراز، أن معظم اقتصادات المنطقة ذات نمو ضعيف ومديونية كبيرة وتعرف مستويات بطالة عالية، بالتالي يبقى من "الصعب أن تعالج هذه الاختلالات بين عشية وضحاها".
بالمقابل، يرى الخبير الاقتصادي، إدريس الفينا، أن على الدول العربية المتضررة استغلال "فرصة الحرب"، من أجل إدخال إصلاحات هيكلية وعميقة على بنياتها الاقتصادية، من خلال مواجهة مشاكلها المالية والإدارية من خلال تحسين مناخ الأعمال والدفع أكثر نحو جلب الاستثمارات الخارجية.
ويتابع المتحدث ذاته، أن الأزمة الحالية، "تبقى فرصة مناسبة أيضا، للدول غير المنتجة للغاز، من أجل تقليص اعتماداتها الخارجية، وذلك من خلال استثمار أكبر في مجال الطاقات المتجددة".
وبخصوص قراءته لتدبير الدول العربية لاقتصادياتها خلال العام الأول من الحرب، يقول أوراز، إن كل بلد حاول تقليل تأثيراتها، بحسب إمكاناته، مشيرا إلى أن "الدول الأقل تضررا هي التي كانت تتمتع بالاستقرار قبل الأزمة".
"بينما الدول التي لم تكن تعرف وضعا مستقرا، تفاقمت صعوباتها الاقتصادية وزادت حدتها، مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وانهيار العملة المحلية بمعدلات كبيرة"، ويضيف الباحث الاقتصادي أنه باستثناء بعض الدول البترولية والتي استفادت من طفرة أسعار المواد النفطية، تحملت بقية الدول تحملت كلفة قاسية نتيجة هذه الحرب.