01 Mar
01Mar

قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في مقال رأي للكاتب جيل باري، إن العملية العسكرية التي قررتها واشنطن عام 2003 كانت من أكثر القرارات تدميراً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط. كما أنها تساهم في تغذية عدم ثقة “الجنوب” تجاه الأهداف الغربية. 

ليس عدوان روسيا على اوكرانيا  هو المطروح هنا، بل الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق عام 2003، والتي لن يحتفل أحد، بلا شك، بذكراها السنوية يوم العشرين من مارس الجاري، يقول الكاتب.

 وقال جيل باري إنه بعد عشرين عاما، ما تزال الهزات الارتدادية لهذا الزلزال الجيوسياسي محسوسة. كان غزو العراق تتويجا للتدخل الغربي الذي وصفه جيل أندرياني بـ“الوفرة غير العقلانية” في مقال نشرته مؤخرا مجلة Commentaire. 

ويعد سجن غوانتانامو من مخلفات الغطرسة التي صاحبت “الحرب على الإرهاب”. لقد قادت الولايات المتحدة إلى تحرير نفسها من أبسط مبادئ القانون الدولي. حتى لو تم الإفراج عن سجينين جديدين في 24 فبراير، وعادا إلى باكستان دون أي شكل آخر من أشكال المحاكمة بعد أن أمضيا عقدين هناك، فما يزال 32 معتقلاً في غوانتانامو، دون أي احتمال للإغلاق، في ظل معارضة الجمهوريين في الكونغرس. فكيف يمكن لواشنطن أن تطلب من خصومها احترام حقوق الإنسان مع استمرار مثل هذه الوحشية القانونية، بعد أكثر من عقدين؟ يتساءل الكاتب. 

فهذه العيوب، غذت حالة انعدام الثقة التي يتم التعبير عنها اليوم، ويقول الكاتب: “لا ينبغي أن يضللنا التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع دعوة الأغلبية الساحقة من الدول إلى وقف الأعمال العدائية و الانسحاب الفوري للقوات الروسية من أوكرانيا”. ومع وجود كتلة مستقرة من الممتنعين (32 دولة، خاصة من أفريقيا) سيكون من المجازفة أن نرى هناك أدنى بداية لتقليص هذا الانقسام بين “الغرب” و”باقي العالم”؛ وفقا للصيغة المكرسة الآن. خاصة وأن هذه الكتلة تضم دولا ثقيلة الوزن، مثل جنوب أفريقيا والصين والهند؛ والتي توفر لروسيا القدرة على الالتفاف على العقوبات الغربية، وبالتالي التغلب على محاولة احتواء موسكو. 

واعتبر جيل باري أنه على الرغم من الحسابات الخاطئة الكبيرة التي قادت فلاديمير بوتين إلى غزو أوكرانيا، فإن عزلة الزعيم الروسي تظل مجرد أمنيات. وبينما أصبح الوجود الفرنسي في أفريقيا موضع تساؤل، سيكون على إيمانويل ماكرون أن يعمل بجد لمحاولة حشد ثلاثة ممتنعين عن التصويت ضد روسيا، وذلك خلال جولته الأفريقية التي يباشرها اليوم الأربعاء، وتشمل الغابون وأنغولا والكونغو الديمقراطية. وهي جولة برهان كبير، لأن الانتكاسات الفرنسية كانت دائما مصحوبة بتقدم روسي. 

إنه لمن العبث أن تقرأ في تصويتات إيجابية معينة في الأمم المتحدة تمسكاً صريحاً بالمواقف الغربية، يقول الكاتب، مشيراً إلى أن الأرجنتين والبرازيل وتشيلي أيدت القرار الأممي ضد موسكو، بينما رفضت تقديم أي مساعدة عسكرية لأوكرانيا. ولم تجد جولة المستشار الألماني، أولاف شولتس، الأخيرة إلى هذه البلدان الثلاثة نفعاً. ويعد موقف البرازيل دليلا على عدم الثقة الذي لم تخففه عودة الرئيس لولا دا سيلفا إلى السلطة. 

وواصل جيل باري القول إن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي لا يُسمع عنه كثيرا لأن النظام الدولي الذي ترمز إليه وظيفته يبدو وكأنه لعبة للغربيين، بدا محذراً خلال منتدى دافوس في شهر يناير الماضي، من مغبة “عدم تفهم الدول الغنية حقا لدرجة إحباط وغضب دول الجنوب تجاهها”. 

وسبق له أن أشار إلى أنانية الدول الغنية خلال وباء كوفيد-19، وتأثيرات التضخم، التي تفاقمت بسبب بما يُعتبر في كثير من الأحيان “حربا أوروبية” على الدول الأكثر  هشاشة، أو حتى أزمة المناخ التي تشل البلدان الأقل تسبباً في ظاهرة الاحتباس الحراري. 

بالنسبة للغرب -يتابع الكاتب- فإن أكثر الخسائر المدمرة للحرب في أوكرانيا، عندما تأتي تلك الساعة أخيرا، ستكون أن الولايات المتحدة تقدم الدروس. ليس في عرض النموذج الخيري “للأمة التي لا غنى عنها” الذي تباهت به في ذلك الوقت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت. ولكن على العكس من ذلك، في ازدراء المبادئ التي تم تقديمها على أنها أساسية والعزم على تحريفها في اتجاه مصالحها الوطنية فقط. سيكون الوقت قد حان لدفن، وبشكل نهائي، النظام الدولي الأسوأ، باستثناء كل الأنظمة الأخرى الموروثة من الحرب العالمية الثانية. 

المصدر : باريس- “القدس العربي”:

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن