اختتمت قمة مجموعة العشرين فعالياتها اليوم الأحد في نيودلهي بتسليم الهند رئاسة القمة إلى البرازيل.
فيما طلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من قادة المجموعة عقد اجتماع افتراضي في نوفمبر/تشرين الثاني لمراجعة التقدم في السياسات المقترحة والأهداف المعلنة في القمة.
ويعد تغير المناخ من بين المشاكل العالمية التي يفترض أن يعالجها القادة في قمة مجموعة العشرين.
ويراهن الخبراء والمحللون على مجموعة العشرين لدفع العمل المناخي كونها تضم نحو 65% من سكان العالم، وتمثل 84% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي، و79% من حجم التجارة العالمية، وفي هذا الإطار فإن دول المجموعة مسؤولة عن نحو 79% من الانبعاثات الكربونية العالمية.
ولدى مجموعة العشرين القدرة على إعادة ضبط أزمة مناخية “تخرج عن نطاق السيطرة”، بحسب كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في اليوم الأول للاجتماع.
وبالإضافة إلى أعضاء المجموعة شاركت تسع دول أخرى هي؛ دولة الإمارات وبنغلاديش ومصر وإسبانيا وموريشيوس ونيجيريا وهولندا وسلطنة عمان وسنغافورة، في الاجتماع.
ميثاق التضامن المناخي
في خطابه قال غوتيريش إن "أزمة المناخ تتفاقم بشكل كبير – ولكن الاستجابة الجماعية تفتقر إلى الطموح والمصداقية والإلحاح”.
وطلب غوتيريش من مجموعة العشرين الالتزام بالحفاظ على "هدف 1.5 درجة على قيد الحياة" –في إشارة إلى هدف اتفاق باريس لعام 2015 المتمثل في الحد من متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، ويهدف إلى 1.5 درجة.
وأعاد الأمين العام طرح ما أطلق عليه ميثاق التضامن المناخي والذي تبذل فيه بواعث الانبعاثات الكبيرة جهودا إضافية لخفض الانبعاثات؛ وتدعم البلدان الأكثر ثراء الاقتصادات الناشئة لتحقيق ذلك.
ويحث الميثاق البلدان المتقدمة على الوصول إلى صافي الصفر أقرب ما يمكن إلى عام 2040، والاقتصادات الناشئة أقرب ما يمكن إلى عام 2050، وتقترح التخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030 في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي و2040 في جميع البلدان الأخرى.
كما دعا رئيس الأمم المتحدة قادة مجموعة العشرين إلى ضمان تحفيز لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبدأت الدعوة لـ "ميثاق تضامن مناخي" بين الدول الغنية والفقيرة للحد من شدة الاحتباس الحراري خلال فعاليات مؤتمر قمة المناخ COP27 العام الماضي في مدينة شرم الشيخ المصرية.
وينظر إلى الميثاق بمثابة آلية للضغط على الدول لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بطريقة تلبي هدف اتفاقية باريس البالغ 1.5 درجة.
ويركز الميثاق الذي دعا إليه غوتيرش على الضغط على الدول الأكثر ثراء لتقديم المساعدة المالية والتقنية للبلدان النامية للانتقال إلى مصادر طاقة أنظف.
وحتى يخرج هذا الميثاق إلى النور، يجب التعاون بين أكبر دولتين، الولايات المتحدة والصين، وهي مسألة تواجه عقبات ضخمة أهمها التوترات السياسية والخلافات التجارية بين البلدين.
ويتحمل أكبر اقتصادين -الولايات المتحدة والصين- مسؤولية خاصة لتوحيد الجهود لجعل هذا الاتفاق حقيقة واقعة.
ويتضمن الميثاق آلية مالية يتم التفاوض عليها، تنص على مدفوعات الأضرار المناخية للدول النامية التي ساهمت بأقل قدر في التسبب في تغير المناخ، لكنها تشهد بعضًا من أسوأ آثاره.
وأصبحت الأضرار المناخية، المعروفة باسم "الخسائر والأضرار" جانب مهم في محادثات المناخ للأمم المتحدة ويتوقع أن يتكون على جدول أعمال COP28 الذي تستضيفه دولة الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023.
بوادر طيبة
رغم تباين المواقف خلال قمة مجموعة العشرين بشأن جميع القضايا الرئيسية، وفي مقدمتها قضايا تغير المناخ والانتقال إلى أنظمة الطاقة منخفضة الكربون، ظهرت نتائج أولية طيبة سواء للعمل المناخي المشترك أو فتح أفق أوسع للتنمية، أولها إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي.
يهدف التحالف الذي تقوده جمهورية الهند ويضم دولة الإمارات وعدة دول أخرى، إلى تطوير وتعزيز استخدام الوقود الحيوي المستدام، ويساعد في تسريع الجهود العالمية لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية من خلال تسهيل التجارة في الوقود الحيوي المشتق من مصادر طبيعية.
وأكدت دولة الإمارات أن إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي مبادرة عالمية رائدة تشكل منصة داعمة للجهود العالمية المبذولة لتعزيز التحول في قطاع الطاقة ومكافحة التغير المناخي.
وأشار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أنه تم إنشاء هذا التحالف، بهدف حماية البيئة وتعزيز التحول في مجال الطاقة.
وقال إن بلاده، تقترح أيضا زيادة حصة الإيثانول في البنزين، مما يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وأضاف: "نقترح اتخاذ مبادرة لزيادة حصة الإيثانول في البنزين إلى 20 بالمائة في جميع أنحاء العالم".
وفي تغريدة سابقة تؤكد أهمية إطلاق التحالف قال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، "الإمارات تستثمر بكثافة في الوقود الحيوي كجزء من جهودها لتنويع مزيج الطاقة وتقليل البصمة الكربونية”.
والوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية سواء النباتية أو الحيوانية منها، وهو أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة، على خلاف غيرها من الموارد الطبيعية، مثل النفط والفحم الحجري وكافة أنواع الوقود الأحفوري.
كذلك من البوادر الطيبة التي أفرزها اجتماع مجموعة العشرين الحالي إنشاء ممر اقتصادي يربط بين جمهورية الهند ومنطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
وأكدت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وجمهورية الهند والولايات المتحدة الأمريكية ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي -بموجب مذكرة تفاهم- تطلعها إلى العمل معاً على إنشاء ممر يربط الهند بالشرق الأوسط ومن ثم أوروبا، والذي سيحفز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الربط والتكامل الاقتصادي بين هذه المناطق.
ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي، و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا.
وتشمل الممرات سكة حديد ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية، لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.
وسيعمل المشاركون على تقييم إمكانية تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف لتعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية كونه جزءاً من الجهود المشتركة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ودمج جوانب الحفاظ على البيئة في المبادرة.
ويعكس تعاون دولة الإمارات في هذه المبادرة جهودها لتعزيز شراكاتها الدولية والإسهام في تحقيق مستقبل مستدام، لا سيما قبيل استضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ودعماً لهذه المبادرة تتطلع الدول المعنية بكل ممر إلى العمل الجماعي لتنفيذ المبادرة وإنشاء كيانات تنسيقية لمعالجة مجموعة كاملة من المعايير التقنية والتصميمية والتمويلية والقانونية والتنظيمية ذات الصلة.
تحرك قبل الغليان
تتزامن قمة مجموعة العشرين العام الحالي مع تسجيل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة العالمية خلال الصيف الحالي بحسب رصد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ.
عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة بدت مأساوية وواضحة؛ حيث تجرف الأمطار الموسمية الأطفال وتهرب العائلات من لهيب النيران وينهار العمال بسبب الحر الشديد.
وصف غوتيريش في تصريحات صحفية هذا الصيف بـ"قاس" بالنسبة لأجزاء شاسعة من أمريكا الشمالية وأفريقيا وأوروبا، مؤكداً أنها "كارثة" للكوكب بأسره.
وأكد أن هذا الأمر يتسق مع التوقعات والتحذيرات المتكررة، لكن المفاجأة الوحيدة هي "سرعة التغير"، مشيرا إلى أن "تغير المناخ صار هنا".
وبعد أيام من اختتام أول قمة أفريقية للمناخ عقدت في العاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر/أيلول الجاري عقدت قمة مجموعة العشرين واقترب عقد قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP28) وينظر العالم إلى هذه الاجتماعات باعتبارها فرص سانحة لتسريع وتيرة العمل والعدالة المناخيين.
العالم يسابق الزمن مع دخول الكوكب مرحلة الغليان
وحددت الأمم المتحدة ثلاثة مجالات رئيسية للعمل المناخي ينتظر أن تضطلع فيها مجموعة العشرين بالدور الرئيسي:
الانبعاثات
دعت الأمم المتحدة إلى ضرورة وضع أهداف وطنية جديدة طموحة للحد من الانبعاثات من قبل أعضاء مجموعة العشرين مشددة على أهمية أن تتخذ جميع البلدان إجراءات تتماشى مع ميثاق التضامن المناخي وخطة تسريع العمل المناخي.
وألمحت المنظمة الدولية إلى دور الجهات غير الحكومية، داعية الشركات والمدن والأقاليم والمنظمات المالية للمشاركة في قمة الطموح المناخي بخطط انتقال موثوقة تتماشى مع معيار الانبعاثات الصفري للأمم المتحدة.
التكيف
الاستجابة للتكيف يمثل حماية للشعوب من تبعات التغير المناخي من الفيضانات المميتة والعواصف والجفاف والحرائق المستعرة.
وتنظر الأمم المتحدة إلى مجموعة العشرين كرأس حربة في قضية التمويل لدعم البلدان التي تقف على الخطوط الأمامية -التي لم تفعل سوى القليل للتسبب في الأزمة ولديها أقل الموارد للتعامل معها، ويجب أن تحصل على الدعم الذي تحتاجه للتكيف.
التمويل
يدعو خبراء المناخ لطفرة عالمية في استثمارات التكيف لإنقاذ ملايين الأرواح من أزمة وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بـ"المذبحة المناخية".
ولم تف الدول المتقدمة بالتزاماتها بتقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية من أجل الدعم المناخي وتجديد موارد الصندوق الأخضر للمناخ بالكامل.
دولتان فقط حتى الآن من دول مجموعة السبع وهما كندا وألمانيا، قدمتا تعهدات بتجديد موارد الصندوق، في حين تأمل الدول الفقيرة تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم اقتراحه في مؤتمر الأطراف العام الماضي COP27.