ذكرت صحيفة "ذي إندبندنت" (independent) البريطانية إن رد الفعل العنيف ضد العمل من المنزل بلغ أدنى مستوياته الأسبوع الماضي عندما وزع النائب البريطاني جاكوب ريس موغ ملاحظات موقعة بخط اليد "آسف لقد اشتقت إليك" على كل مكتب فارغ في مجلس الوزراء.
ولكن هذا الرجل -الذي أكسبه هجومه على معايير مكان العمل بعد الوباء لقب "العضو المحترم للقرن 18"- نسي أحد التفاصيل المهمة؛ وهي أن الخدمة المدنية قللت من المساحات المكتبية المهدورة؛ ما يعني أنه لا يوجد مكتب لكل فرد من العاملين في المجلس وعلى الرغم من غيابهم، فهم لا يزالون يعملون.
تأثير العمل الهجين على النساء
ولا يمثل ريس موغ وهوسه بالحضور إلى المكتب مشكلة بالنسبة لمعظم الناس، لكن مواقف أولئك الذين يشاركونه "قلقه" بشأن نظام العمل الهجين قد تكون أكثر خطورة وخبثا، متحججين بفكرة أن أولئك الذين يدافعون عن المرونة خلال سنوات كوفيد-19 هم مجرد أشخاص كسالى يستمتعون بفرصة الاستيقاظ قبل 10 دقائق من اجتماعهم الصباحي، إلا أن معظم الناس في الواقع، وخاصة النساء، لا يستمتعون بهذا النظام.
وأشارت الكاتبة هانا فيرن إلى بحث جديد نُشر هذا الأسبوع حول تأثير العمل الهجين على النساء على وجه الخصوص، حيث وجدت شركة "ديلويت" (Deloitte) أن 47% من النساء العاملات في المملكة المتحدة صرحن بأن مستويات التوتر لديهن أصبحت أعلى مما كانت عليه قبل عام، وأن نصف هذه المجموعة يشعرن بالإرهاق. وفي الواقع، تقول النسبة نفسها إنهن يفكرن في ترك العمل خلال العامين المقبلين.
وأجريت هذه المقابلات بين نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وفبراير/شباط من هذا العام 2022، لذا فإن النتائج حديثة للغاية وتعكس سلوك ومشاعر النساء العاملات في الاقتصاد الحالي والوضع الحقيقي.
وقالت قرابة نصف المشاركات في الدراسة إن صحتهن العقلية أصبحت "سيئة" أو "سيئة للغاية" وأن أسباب التفكير في ترك وظائفهن تشمل الافتقار إلى فرص التقدم وغياب التوازن بين العمل والحياة الخاصة.
معاناة النساء
وأضافت الكاتبة أن النساء اللواتي اعتمدن العمل الهجين يعانين الأمرين، حيث قالت نصفهن إنهن استُبعدن من الاجتماعات المهمة، وقالت 42% إنهن يشعرن بأنه ليس لديهن وقت كاف للحصول على إعجاب رؤسائهن بعملهن للحصول على ترقية، مما يجعلهن غير قادرات على الشعور بفوائد العمل المرن.
وأجبر الوباء العديد من النساء على تغيير ساعات عملهن لرعاية أطفالهن إلى جانب العمل بأجر، لكن من غيرن ساعات عملهن أو اعتمدن دواما جزئيا هن الآن أكثر عرضة للشعور بالتوتر والتشاؤم بشأن آفاق حياتهن المهنية وذلك لأنهن يتقاضين رواتب أقل، ولأن أرباب العمل يعتقدون أنهن يستحقن رواتب أقل.
ويعتقد النائب جاكوب ريس موغ أنهن يجلسن في ملابسهن الفضفاضة ويشاهدن التلفاز، لكنهن يعملن بجد أكثر من أي وقت مضى، وهن محبطات للغاية بسبب الوضع الذي يجدن أنفسهن فيه.
تغييرات أتاحها الوباء
وذكرت الكاتبة أن العمل من المنزل لا يجعل العمل المأجور أكثر سعادة وأسهل جزءا من حياتنا، بل يجعل وظائفنا أكثر إرهاقا. مع ذلك، يظل العمل من المنزل أكثر جاذبية من ساعات العمل الطويلة، والتنقلات البعيدة وباهظة الثمن وغيرها.
ولا تستمتع النساء بهذا الوضع، إذ يجلب ذلك شعورا بالوحدة والإحباط، وله تأثير قوي على علاقاتهن في المنزل والعمل، لكنه يبقى الخيار الأنسب.
وأفاد ثلث النساء اللواتي أجرين مقابلة في شركة ديلويت، بأن رؤسائهن عرضوا عليهن أي نوع من أوقات العمل المرن، بينما أشارت 95% إلى أنهن يعتقدن أن طلب بعض المرونة من أصحاب العمل سيؤثر على احتمالية ترقيتهن. وهن على حق، وفقا لما كشفته بقية الدراسة.
حقبة ما بعد الجائحة
وتحتاج النساء على الأغلب إلى تلك التغييرات الصغيرة التي أتاحها الوباء في الحياة العملية، إلا أن هذه التحولات لا تفتح أبواب الفرص أو توسع الآفاق. وقد تساعد في المقابل على تبسيط الأمور العملية في حياتنا اليومية، لكنها تأتي على حساب آفاق التوظيف طويلة الأمد والصحة العقلية، حيث تتضاعف مهام العمل أكثر من أي وقت مضى، وتنقص المكافآت، مع التعرض للانتقاد بسبب ذلك.
وقالت الكاتبة إن حقبة ما بعد الجائحة تمثل فرصة لمعالجة اليأس بين صفوف النساء، لذلك إذا كنت صاحب عمل أو رئيسا أو مديرا مباشرا، لا سيما إذا كنت تشرف على مجموعة من النساء، فمن مسؤوليتك الأخلاقية تجاهل هذا الإغراء للاعتقاد بأن ريس موغ على صواب.