07 Jul
07Jul

محمد صادق الهاشمي 

المقدمة : إن الجمهورية الإسلامية في إيران تحكمها ثلاثة خطوط سياسية وهي :

 أولاً : الخط الثوري الأصولي ، والذي يُمسك بالدولة ، والدولة العميقة بقيادة الحرس الثوري. ثانياً : الخط الإصلاحي يقوده السيد خاتمي.

 ثالثاً : الخط المعتدل بين الخطين ، وهو الخط الذي أسسه الشيخ ( هاشمي رفسنجاني ) و ( حسن روحاني ) ، ويمثله الآن ( ظريف ) ، و ( قاليباف ) نوعاً ما و «مسعود بزشکیان».

 أولاً : العوامل المؤثرة في فوز السيد مسعود بزشكيان» : 

  • الاقتصاد :

 إن العامل الاقتصادي أعني : ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، والبطالة ، وتراجع سعر صرف العملة الإيرانية ( التومان ) مقابل الدولار أفقد الخط الأصولي قاعدة شعبية كبيرة.

 ٢. قضية المرأة : بعد قضية ( مهسا أميني ) عاشت إيران جدلاً واسعاً في الأوساط الحكومية والتشريعية والثقافية عن حقوق المرأة ، وموضوع تطبيق الحجاب ، والانفتاح ، جَعَلَ قطاعاً واسعاً من النساء في إيران في حالة قطيعة مع التيار الأصولي والحكومي ، وقد استثمر مسعود بزشكيان ذلك خلال دعوته الانتخابية . 

٣.الخط الأصولي يخسر الداخل : انشغال الخط الأصولي بالحروب في الخارج ، وبحثه عن انتصارات خارجية ، جَعَلَهُ يخسر مواقعه في الداخل ؛ كون المجتمع الإيراني يحمل الخط الأصولي ومنهجه في الحروب والصراعات الإقليمية والدولية المسؤولية في أزمته الاقتصادية . ولكن الأصوليين ربحوا المؤسسات الحكومية ، وإن خسروا القواعد الشعبية ؛ إذ اعتمد الأصوليون على مقولة : أنهم يمتلكون مؤسسات قوية ، ودولة عميقة ، لكنهم خسروا الجمهور بنسبة واضحة . 

٤.ظهور القوميات ظهور النفس القومي في إيران ، وهذا كانت أحد أسس الدعاية الانتخابية ل مسعود بزشكيان» ، إذ أن أمه كردية ، وأبوه تركي ، فوسعت من قاعدته بتعاطف الترك في أذربيجان معه ، والأكراد في محافظاتهم . 

٥. الإعلام : القوة الإعلامية للخط المحافظ والإصلاحي تتمثل بـ « السوشيل ميديا وسائر البرامج الإعلامية الأوسع تأثيراً بين الشباب ، بينما الخط يمسك الخط الأصولي بإعلام قديم ، وهو الإعلام الرسمي من الإذاعة والتلفزيون . 

٦. التحالفات : نجاح تخالف الخط الإصلاحي والمعتدل وبعض الثوري بقيادة قاليباف يعتبر نقطة قوة لـ «مسعود بزشكيان 

ثانياً : المتغيرات التي أثرت في فوز «مسعود بزشكيان»

١. ظهور محور المقاومة : هذه الأيديولوجية كبدت المواطن الإيراني الكثير من الخسائر المادية ، ولم يعد الفرد الإيراني مقتنعاً بالنتائج ، بل حتى موضوع الوعد الصادق) لم يعتبره المواطن الإيراني مؤثراً في حياته اليومية ، بل عموم المنهج الثوري أصبح عبئاً المواطن الإيراني وعلى الاقتصاد الإيراني .

 ٢.أحداث غزة : أحد المتغيرات المهمة التي جعلت الإصلاحيين والمحافظين يبحثون عن مخرج من الأزمة التي علقت بها إيران ، والتي تستنزف اقتصادها ، وترهن مصيرها نحو المجهول هي قضية غزة ، فلم يعد الأمر محل ترحيب وطني. 

٣.قوة الأصوليين في الدولة العميقة، وضعفهم في القاعدة الشعبية

٤.تفرق الأصوليين : لقد كان لتفرق كلمة الأصوليين ، وتصدع موقفهم السياسي دور في فشلهم في الانتخابات ، وإن كانوا موحدين عسكرياً وأيديولوجيا .

 ٥. المرحلة الانتقالية : إن إيران تعيش مرحلة انتقالية ما بعد الإمام الخامنئي، وإن عام ٢٠٢٣ تم انتخاب مجلس الخبراء ، وقد تم تشكيل لجنة ثلاثية لاختيار نائب الإمام الخامنئي في حياته مما يعني أن هناك تحوّلاً كبيراً في الهرم القيادي ، هذا الأمر دفع بالخط الإصلاحي الحضور أوسع في المرحلة القادمة ؛ لأنها ستكون فرصة لهم في ظل قيادة جديدة ، وظروف مختلفة تمكنهم من انتزاع أيران من أيادي الخط الأصولي . وعلى العموم فإن هناك حالة ضعف في الخط الأصولي المحسوب على الإمام الخامنئي جعل الإصلاحيين يتوثبون أكثر. 

٦.فشل السياسة الخارجية هناك قناعة من قبل قطاع واسع من الشعب الإيراني بفشل السياسة الخارجيــة لإيران في ظل الثوريين ، وأن إيران تعيش عزلة وحصاراً يدفع المواطن الإيراني ثمنه؛ بسبب العقوبات المفروضة عليه ، ومن هنا قد تتغير خريطة التحالفات الإيرانية والعلامات مع المحيط الإقليمي والدولي في المرحلة القادمة . 

٧.الشراكة الاقتصادية سياسة الخط الإصلاحي الاقتصادية المبنية على إشراك الاقتصاد الإيراني مع دول أوسع من شراكات الخط الأصولي ؛ لأن الخط الإصلاحي يرفع شعار فصل المسار الاقتصادي عن المسار السياسي في العلاقات الدولية .

 ٨.النووي الإيراني : هذا المشروع أنهك الاقتصاد الإيراني كثيراً من خلال الحصار والعقوبات ، ومن هنا يجد الخط الاصلاحي فرصة لتقديم التنازلات لفك هذا الحصار الخانق ، الذي أطبق على أنفاس المواطن البسيط ، وخصوصاً طبقة الفقراء . 

ثالثاً: استراتيجية «مسعود بزشكيان» . 

 ويمكن معرفة تلك الاستراتيجية من خلال أدبيات الخط الإصلاحي منذ حكومة خاتمي ، وتبني الخط الاصلاحي ذات السياسة ، وتأكيد مسعود بزشکیان» عليها وهي : 

  • حرية المرأة وعدم فرض الحجاب :
  • معالجة أولوية الاقتصاد كأزمة حادة عاجلة .
  • التفاوض المباشر مع أمريكا على كل الملفات تحت إشراف السيد الخامنئي على غرار ما فعله ( حسن روحاني ) .
  • الارتباط بالاقتصاد الدولي لرفع سعر صرف التومان .
  • مغادرة الثوابت الأصولية ، أو التخفيف منها بتجميد الأصول وأرصدة الخط الثوري.
  •  بناء الدولة العميقة في إيران الموازية للدولة العميقة للخط الأصولي .
  • التقارب مع المحور العربي والغربي وحتى مع أمريكا .
  • رفع شعار الدولة المدنية .

 رابعاً : علاقات وتأثيرات سياسة مسعود بزشكيان مع العراق : 

  • مسك الملف العراقي من قبل الدولة ، وليس من خلال المؤسسات الايرانية كالحرس الثوري ، وإن كان هذا الأمر غير ممكن ؛ لأن ملف العراق قد أوكله السيد الخامنئي بيد قيادة الحرس الثوري.
  • اقعية التبادل التجاري ، فلا يمكن تزويد العراق بالطاقة بالآجل، وهذا ما أعلنه في حملته الانتخابية.
  • دعم الخط الإصلاحي في العراق ، والاستفادة منه ليكونوا أدوات فاعلة في تفكيك أزمات إيران الداخلية ، وإعادة جسور العلاقات مع العديد من الدول ، وإنهاء مخلفات عهد الأصوليين الذي أدى إلى عزلة إيران.
  • اعتماد سياسة المصلحة ، وليس المعنويات والايدولوجيات والفصائل ، ولا اعتماد العلاقات المذهبية ، بل المصالح هي الحاكمة .
  • تفعيل واحترام الاتفاقيات الدولية ، وخصوصاً مع الغرب وأمريكا ، وإيلاء المشروع النووي الإيراني الأولوية وتكليف العراق بأن يكون وسيطاً.
  • السعي السياسة فك العزلة الإيرانية، من خلال فتح الملفات الدولية والإقليمية، والتركيز على تصفية الخلافات مع العالم .
  • دعم القوى السياسية في العراق القريبة من توجه الدولة الإصلاحية في إيران .
  • العلاقة مع العراق تعتمد الاقتصاد أولاً وآخراً .

 خامساً : الآفاق والتوقعات لحكومة «مسعود بزشكيان» : في ظل ما تقدم من الممكن توقع ما يلي :

  ۱. نشوء تعارض بين الأقطاب والمحاور السياسة الإيرانية في العراق، وهكذا مع المحيط الإقليمي والدولي . 

٢. يمكن لأمريكا أن تقدم تنازلات الحكومة «مسعود بزشكيان» لدعمه في المفاوضات النووية والاقتصاد والدولار بشروط تمليها عليه.

 ٣.هبوط سعر الدولار ، ويرافقه تحسن الأسعار .

 ٤.تطوير وتعميق استراتيجية الدولة الإصلاحية في إيران ، وكسب مؤيدين لها في المنطقة .

 ٥.اشتراك الحكومة والطبقة السياسية الإصلاحية والمحافظة في صياغة إيران ذات عهد جديد لما بعد المرشد السيد الخامنئي ، أي في تحديد برامج سياسية داخليا وخارجيا خارج قبضة الخط الأصولي نوعاً ما ، بل حتى في اختيار المرشد القادم بحكم الظروف التي يخلقها التيار الإصلاحي .

 سادساً : نتائج استراتيجية : 

  • لم يعد الخط الأصولي وحده من يقرر سياسة وعلاقات ومصير إيران ، بل الخطوط الأخرى سيكون دورها حاسماً وحاكماً بحكم القاعدة الجماهيرية.
  • يمكن أن يقال : إن عهد مسعود بزشکیان» عهد ايراني جديد ، وهو عهد انتقالي إلى ارخاء القبضة الحديدية التي كان يمتلكها الخط الأصولي ، وهذا التغيير حصل وليد ظروف ومخاضات وتأثيرات داخلية وخارجية ، ولا يمكن أن ترجع إيران إلى الوراء .
  • لابد أن تدخل إيران مرحلة التنسيق والتعشيق والمزاوجة بين تيارين مختلفين وإلا سارت إلى التصدع العميق لاحقاً .
  • يمكن أن يقال بعد أربعة عقود ونصف فقدت إيران الكثير من جمهورها .
  •  قد يضاعف دور الخط الإصلاحي في قيادة إيران المرحلة القادمة من ولاية بديلة للإمام الخامنئي .

في يوم ٧ / ٧ / ٢٠٢٤ م

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن