06 Mar
06Mar


بإعتبار إقليم كوردستان جزءاً مهماً من تكوين الدولة العراقية، فإن الوضع السياسي في العراق من جانبيه ينعكس بشكل أو  بآخر على أوضاع الإقليم ، الإيجابي أو السلبي. فقد أثبتت مراحل التاريخ العراقي  بأن هذه الدولة الناشئة كلما كانت قوية، كلما أغرت القوى السياسية الشوفينية على إنتهاك وهضم الحقوق المشروعة للشعب الكوردستاني. لذا سيكون أي نهج سياسي مخالف لهذه لقوة أمرا طبيعياً .

 إن بعض القوى السياسية والأوساط الشوفينية العربية ترى في ضعف إقليم كوردستان وشعبه مصلحة لها. بمعنى أن هناك إتجاهاً سياسياً يغلب على بعض الأطراف العراقية التي ترى بأن قوة الدولة المركزية تكمن في ضعف إقليم كوردستان وهضم حقوق شعبه، ولا نخالف الحقيقة إذا قلنا بأن هناك فعلا مساع تبذل من قبل هذه القوى لتحقيق هذا الهدف. وإذا أردنا أن نُقيِم هذا الموضوع وندرسه بدقة، فسيتضح لنا بأن هذا الموقف ناجم أساسا عن فقدان الثقة المتبادلة بين تلك القوى السياسية وتعارض مصالح كل طرف من أطرافها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ، هل أن إستمرار  هذا التوجه الخاطيء سيصبُ في مصلحة البلاد؟ ومن الذي سيستفيد من فقدان الثقة بين القوى السياسية العراقية  بشقيه العربي و الكوردي؟ 

للرد على هذا التساؤل ، علينا أن نأخذ بنظر الإعتبار  بأن العربي الذي ينطلق من موقف شوفيني تجاه الكورد سوف يرى بأن مصلحته تكمن في أن يبقى العراق قويا على حساب إقليم كوردستان ! أما في الجانب الآخر  فسوف يرى الكوردي القومي عكس ذلك أيضاً، فقد يظن  بدوره بأن العكس سيصب في مصلحته . لكن الحقيقة غير ذلك تماما ، فإدامة هذا النهج الخاطيء والتعامل بهذه النظرة الشوفينية المتبادلة لا يصب أبدا في مصلحة الدولة وكيانها المتحد ، ولا يخدم مصلحة الشعوب العراقية بمكوناتها وأطيافها وإنتماءاتها  المختلفة! 

إذن ماهو الحل ؟

قبل كل شيء يجب أن نُغيِر  رؤيتنا للأمور   وأن نسلك مساراً جديداً في علاقاتنا من خلال التوافق المشترك  على حقيقة مؤكدة وهي أن قوة الدولة أو ضعفها شأن يهمنا جميعاً من دون إستثناء وأنها تشكل قضيتنا ومصيرنا المشترك، فهذه هي الطريقة المثلى لتحقيق التعايش السلمي بيننا في ظل دولة ديمقراطية إتحادية قوية .

والآن لنتساءل: كيف يمكن تحقيق هذا الهدف ؟

على الرغم من بعض المواقف السلبية والإجراءات  التسلطية غير العادلة لفئة من النخبة السياسية الحاكمة في بغداد تجاه شعب كوردستان في السنوات الأخيرة، ولكن مع ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارن بين أوضاع الدولة العراقية الحالية، وتلك التي كانت عليها قبل سقوط النظام  الصدامي . فالدستور الجديد الذي أقر  بإستفتاء شعبي عام 2005 والذي كان للكورد اليد الطولى في صياغته، فإن معظم الحقوق القومية للشعب الكوردي مثبتة في نصوصه، وقد يكون هناك من يعتقد بأن تثبيت هذه الحقوق في الدستور لم يغير من الأمر شيئا ، فالعبرة ليست في تدوينها كما يقال ، بل هي في تطبيقها على أرض الواقع . وهذا صحيح الى حد ما ، فتثبيت تلك الحقوق في الدستور  دون الإلتزام بها لن تكون سوى حبر على الورق ، خصوصاً فيما يتعلق بعدم تطبيق المادة 140 التي هي أساس فقدان الثقة بيننا والتي تثير  القلق الدائم لدى شعب كوردستان . وبالمقابل يثار سؤال معاكس وهو : هل أن إقليم كوردستان بدوره يلتزم بنصوص الدستور  الذي ننتقدهُ ؟ 

ربما لا ايضاً.

في تجارب معظم شعوب العالم ، فإن نفوذ وسلطة الدولة الاتحادية غالبة على سلطات الأقاليم، وهذا أمر طبيعي وتقره دساتير جميع الدول، ولذلك كان على إقليم كوردستان إبتداءا أن يراعي هذا المفهوم لكي يحافظ على تجربته وكيانه الدستوري وليس العمل من أجل تأليب الآخرين على نفسه وإعطائهم الفرصة لإضعافه .

منذ سقوط النظام الصدامي ولحد اليوم، كان الكورد جزءا مهما من إدارة الدولة وشريكاً فاعلاً  فيها ، ومع ذلك كان هناك للأسف توجه سياسي كوردستاني يتعامل مع هذه الدولة كطرف معارض، بدل أن يتعامل معها كشريك سياسي في إدارة  الدولة . وبرغم ذلك لا يمكن أن نضع المسؤولية برمتها على عاتق القيادة الكوردية ونعفي السلطات العراقية من المسؤولية ، لا بالعكس فنحن نرى بأن الجانب العراقي يتحمل كل المسؤولية في تعاظم هذا الموقف الكوردي المعارض للدولة، فالإجراءات التعسفية التي تتخذها السلطات العراقية ضد إقليم كوردستان وشعبه كانت أحد أسباب الخلافات القائمة . ويجب أن نعترف بشجاعة بأننا أيضا قصرنا في إستغلال مفاصل الدولة لمصلحتنا وإفهام القائمين عليها بأننا شركاء ولنا حصة في هذه الدولة الإتحادية .

هل العراق القوي في صالحنا  أم العكس؟

إذا كان نهج الدولة يقوم على أساس إنكار الحقوق الدستورية المشروعة لشعب كوردستان ومكوناته الأخرى ، فإننا بلا شك نأمل بل ونسعى من أجل إضعافها ، لكن إذا كانت إجراءاتها مستمدة من  روح الدستور  ومبادئه الأساسية التي بُنيَت عليها الدولة العراقية الجديدة وكان هناك إلتزام بحقوق شعبنا الكوردي ، فإننا بلا شك سوف نسعى لتقوية هذة الدولة والحفاظ عليها .

لقد مررنا في السنوات العشرين الأخيرة بالعديد من المراحل الحساسة، وأثبتت أحداث تلك السنوات بأن جميع الطرق التي سلكناها في التعامل بين الإقليم والمركز  لم تجد نفعا ، فيما عدا الطريق الذي إنتهجه المرحوم الرئيس مام جلال تالَباني والذي صب في مصلحة العراق وساهم بتوطيد أركان الدولة عبر تحقيق التفاهم والشراكة والتعايش السلمي بين مكونات البلد . فهل علينا أن نسلك الطريق الذي رسمه مام جلال ، أم نصر على المضي في الطرق التي إختبرناها سابقا ولم تجدنا نفعا ؟

في ضوء التجارب التي خضناها سابقاً ، يجب علينا أن نعيد النظر  في قراءتنا للأوضاع الداخلية وللظروف الدولية والإقليمية المحيطة بنا، وأن نختار الطريق الأسلَم المعتمد على روح الدستور  ومبادئه الأساسية ، وإلا فإننا سنظل ندور  في دائرة مغلقة ولن نصل الى نتيجة مرجوة . فعلى السياسيين العراقيين أن يفهموا حقيقة واضحة وهي أن قوة إقليم كوردستان تعني قوة الدولة العراقية ، فإما أن يستوعبوا هذا الدرس أو  يستمروا في خططهم من أجل تهميش وإضعاف إقليم كوردستان، والتي هي اضعاف لكيان الدولة برمتها

لقد آن الأوان لجميع القوى السياسية العراقية والكوردستانية أن تدرك بأن المرحلة الراهنة للدولة العراقية تتطلب تكاتفاً وتعاوناً وتفاهماً مشتركاً لتجاوز أخطاء الماضي والسعي لمعالجتها من خلال خلق رؤية مشتركة والعمل على تقوية وتمتين الصف ودعم التلاحم الوطني لكي نتمكن جميعا من الحفاظ على دولتنا الاتحادية الديمقراطية وتحقيق قوتها وأمنها وإستقرارها .



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن