أوصانا معلم التأريخ في الابتدائية عندما قال " التأريخ يتعكز عليه الفاشلون ويستفيد منه الناجحون، أوصيكم بترك الأول". مر أكثر من عقدين ونصف على هذه الوصية، ومازلتُ أفكر فيها كثيراً، ماذا قدم جيلنا للمستقبل والحاضر؟
نحن أيتام الحماسة المفرطة نحو التأريخ من جيلنا-نحن الجيل الذي عاش مرغماً (الحروب والحصار والتفجيرات والفوضى والفساد والصراعات والجهل والخرافة).
الانتصار نحو المستقبل والحاضر هو الانتصار المبهر، ولن يحُقق التأريخ المتعة والنشوة ما لم يرافق نجاح الحاضر وتحسين الطريق "نحن المستقبل".
والحاضر والمستقبل لايصنعهما السويشل ميديا ،ولا المخططات على أجهزة الحاسوب، ولا حتى غرف الاجتماعات، بل يصنعه العمل على الواقع.
التأريخ في العادة يصدر إشارات مضللة وطرق سرابية للمتعكزين عليه.
من نحن؟ أمام هذه الثورات الكبرى التي يشهدها العالم في الصناعة والتجارة والتكنلوجيا والتعليم والصحة والخدمات والبنى التحتية والرفاهية.
نحن نفطيون شربنا النفط وأكلنا من الرأس إلى أعمق القدى، قرأنا كتب التأريخ عن الحضارة وعن أجدادنا وعن البطولات في الحروب عن ثورة العشرين وعن سنوات اللوعة وعن الانقلابات وما تلاها ،ولم نستفد منها سوى مزيداً من الخصومات والنعرات والانغراس في العدائية.
كل منا يقرأ التأريخ بالعين التي تعجبه، يلجأ جزء كبير من أصحاب القرار وصناعه إلى التأريخ المُغلف والشعارات المُعسلة بالأوهام لتغذية "التخدير" لعامة الناس.
نحن باختصار، أيتام التأريخ ووقعنا في فخه، فالعالم يتغير بسرعة ونحن ثابتون بذات!
ويبدو أن المجاورين لنا تجاوزوا كل طرق السباق، بل رفعونا حتى من لائحة المتنافسين و المتسابقين، وربما الأهم الآن العودة نحو الاستفادة من التأريخ ورمي عصاه في دجلة والفرات حتى وان كانا مهددين بالانخفاض الحاد بطعم الجفاف!