محمد عبد الجبار الشبوط
كلام "السيد الكبير" واضح ومباشر وبسيط ومفهوم. فقد دعا بكلمات قليلة الى ادارة البلد بموجب "خطط علمية وعملية".
وبهذا يثبت السيد الكبير احد اهم مبادىء ادارة الدولة. فالدولة لا تدار بالصدفة او بالأفكار الطارئة؛ انما تدار بالخطط. لابد ان يكون لدى القائم بالامر خطة لادارة الدولة، ولابد ان تكون هذه الخطة علمية وعملية.
وتعني عبارة "خطط علمية وعملية لإدارة البلد" وضع استراتيجيات مبنية على أسس علمية وأدلة مثبتة لإدارة شؤون الدولة بشكل فعال وموجه نحو تحقيق الأهداف المحددة. وتكتسب الخطة صفة العلمية اذا توفرت فيها العناصر التالية:
1. البحث والتحليل: استخدام البيانات والإحصائيات لفهم التحديات الحالية وتحديد الفرص.
2. تحديد الأهداف: وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس مثل النمو الاقتصادي، تحسين التعليم، أو معايير الصحة العامة.
3. التخطيط الاستراتيجي: وضع خطوات عملية ومدروسة للوصول إلى الأهداف. يمكن أن يشمل ذلك الإصلاحات الهيكلية أو التشريعات الجديدة أو المبادرات الابتكارية.
4. التنفيذ والمتابعة: تنفيذ الخطط وفق جداول زمنية محددة مع متابعة مستمرة لتقييم الأداء والتعديل عند الضرورة.
5. التعاون بين الجهات: العمل بشكل متكامل بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لتحقيق التكامل والشمولية.
6. استخدام التكنولوجيا: الاستفادة من التقدم التكنولوجي لتحسين الكفاءة والشفافية في جميع مجالات الحكومة.وهذا كله من خصائص الدولة الحضارية الحديثة التي تبنى على اساس العلم والحداثة والخطط العملية القابلة للتنفيذ والقياس.
تقوم الدولة الحضارية الحديثة على خمس ركائز هي: المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والعلم الحديث.
والعلم الحديث يشكل العنصر الرابع في المركب الحضاري للمجتمع والدولة اضافة الى الانسان والارض والزمن والعمل.
واخيرا يشكل العلم الحديث بوابة الحداثة في عصره. وبذا تتوفر كل شروط ادارة الموارد واستثمارها بافضل وجه.
لم يستخدم السيستاني اصطلاح الدولة الحضارية الحديثة، لكنه يذكر شروطها وخصائصها في احاديثه وبياناته بشكل لا يبقي مجالا للشك في ان الرجل يدعو الى اقامتها في العراق. ولأن اقامة الدولة الحضارية الحديثة عملية علمية بالدرجة الاولى، فانه دعا النخبة الواعية في المجتمع الى وضع الخطط العلمية والعملية لاقامة الدولة وادارتها، لان هذه النخبة وحدها تملك العلم المطلوب في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا والتخطيط وغير ذلك .
وهذه دعوة حصرية، لأن من لا يملك خصائص ومؤهلات النخبة الواعية لا يستطيع ان يضع الخطط العلمية والعملية لاقامة الدولة وادارتها. والمؤسف ان هذا البلد وقع منذ اكثر من خمسة عقود بايدي جماعات لا تملك العلم الكافي والضروري لادارة الدولة، فحصل للدولة ما حصل خلال هذه العقود المنصرمة من هدر للموارد في الحروب وبناء القصور والفساد المالي والاثراء غير المشروع والتخبط في ادارة الملفات الاقتصادية المختلفة، واقصاء اهل العلم والخبرة عن ادارة الدولة، والا فكيف يُعقل على سبيل المثال ان تبقى الدولة اسيرة العائدات النفطية وتضخم ما يسمى "الموازنة التشغيلية" دون التفكير ب"تحويل النفط الناضب الى اصول انتاجية متجددة وليس انفاقه في المجالات الاستهلاكية الجارية"، كما كتب عالم الاقتصاد الدكتور عبد الحسين العنبكي قبل سنوات، لتحرير الدولة من الاقتصاد الريعي.
لنعترف اننا تاخرنا كثيرا في فهم ان ادارة الدولة علم، والعلم يعني التخطيط والحساب الدقيق للموارد والعائدات والزمن والمتطلبات ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعلى اساس الكفاءة والنزاهة وليس على اساس الانتماء الحزبي او الفئوي والولاء للزعيم.
وقد كلّفنا هذا التأخر الكثير من الزمن والمال والجهد، ولابد من وضع حد له بعد ان قال السيد الكبير كلمته القاطعة بهذا الشأن ودعوته الواضحة الى ادارة البلد والدولة على اساس خطط علمية وعملية تضعها النخبة الواعية في المجتمع وليس رؤساء الاحزاب الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية والحزبية.