محاضرة الدكتور علي طاهر الحمود
بالحقيقة أنا للتو عدت من السليمانية، في إقليم كردستان، تحدث الآن أحداث كثيرة لعل أهمها خلال الأيام الماضية هو احتلال تركي لأراضي كردستانية عراقية كثيرة وكبيرة، الناس هناك مستاءة جداً، لكن بما أنَّ حكومة الإقليم وضعت كل بيضاتها في سلة تركيا لا تستطيع أنْ تتخذ موقف، لا بل هي الآن في حرج كبير أمام شعبها، لأنَّ القوى التي كانت تستطيع أنْ تحتج على مثل هذا الاحتلال هي الآن في السجن، وسجون إقليم كردستان فيها 70 إلى 80 معارضاً سياسياً وصحفياً، كان من الممكن أنْ يُشكّلوا رأي عام ويحركوا الشارع ويحتج ضد هذا الاحتلال.
السيادة فرع لبناء الدولة والأمة
لماذا اذكر لكم هذه القصة؟ لأنني اعتقد بأنَّ السيادة فرع بناء الدولة، وفرع بناء الامة، قضم الحريات يثلم السيادة بهذه الطريقة، صعود الشعبويات العابرة للحدود مثل الشعبويات التي الآن تنادي مثلاً بأمّة شيعية من افغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط، مثل هذا الشعبويات هي نتائج عدم وجود مشروع لبناء الدولة وبناء الأمة.
عندما نتحدث عن بناء الدولة نتحدث عن نظام إداري واضح، وأنَّ تقسيم الصلاحيات بين الفدرآليات والأقاليم والمحافظات ليست هي القضية، لكن الوضوح هو القضية وجود فلسفة تشريعية واضحة هي القضية، تخيلوا لدينا 21 ألف قانون وأنظمة وتعليمات وأوامر متراكمة من العهد الملكي وإلى هذه اللحظة هي باتًجاه اقتصاد اشتراكي ريعي أوامري ضد القطاع الخاص، في الوقت الذي يفترض أنْ يكون النظام موجه نحو اقتصاد السوق، خصوصاً بعد عام 2003.
فلسفة النظام غائبة
الفلسفة التشريعية غائبة، وعندما تكون غائبة تكون هناك فوضى تشريعية، بالتأكيد هذه جزء من عملية بناء الدولة التي سوف تُثلم لاحقاً من قبل الدول المجاورة ودول العالم، لذلك نتحدث عن وضوح وعن فلسفة في النظام الإداري والنظام التشريعي وكذلك في النظام القضائي، عندما لا يكون لدينا نظام قضائي عادل يحقق العدالة والناس تطمئن اليه، هذا يعني أنَّ هناك خلل في بناء الدولة، وعندما يكون هناك خلل يكون موضع أطماع للآخرين لثلم السيادة والاستعانة بالغير. بنفس الوقت هذه العملية ينبغي أنْ تترافق مع عملية بناء الأمة، وأنا اتحدث عن الامة العراقية.
من المفارقات أنه في هذا الوقت وفي عام 2021 ونحن نبحث عن بناء الدولة والأمة ونبحث عن السيادة في حين أنَّ بلدان العالم بدأت تتخلى عن جزء من سيادتها لأغراض الحصول على منافع أكبر، على سبيل المثال الاتحاد الاوروبي إنموذجاً، يتخلون عن سيادتهم في العملة في القوانين في التشريعات حتى في دساتيرهم لصالح كيان أقوى وأكثر نفعاً للناس، وفي الوقت ذاته نحن الآن في هذه السنوات نبحث عن السيادة بمفهومها الكلاسيكي لأننا لم نحصل عليه بالحقيقة. هذه واحدة من المفارقات العراقية وسببها هو هذا الفشل في بناء الدولة وفي بناء الأمة.
ركائز بناء الامة
عندما نتحدث عن بناء الأمة نتحدث عن ثلاثة ركائز أساسية:
أولاً: المشاركة السياسية:
غير ممكن أنْ نتحدث عن أمة عراقية يشعر أبنائها بأنهم منتمون للدولة من دون وجود مشاركة سياسية حقيقية، وهذه المشاركة التي يكون فيها الشارع العرقي مُمثلاً.
ثانياً: المشاركة الاقتصادية:
المشاركة الاقتصادية بمعنى أنّ المواطنين كلهم مشاركون في الثروات، والدولة هنا في مجال بناء الأمة ينبغي أنْ تعتمد مبدأ التساند الاقتصادي وليس الفدرآليات والكونفدرالية الاقتصادية.
التساند الاقتصادي بين المناطق الجغرافية، ونحن نتحدث عن نظريات كنظرية (كارل دويتش) مثلاً عندما يتحدث عن التصنيع، والتحضر، وشبكات النقل، والتساند الاقتصادي الذي بالنهاية يخلق تضامن اجتماعي، وهذا التضامن يقوم ببناء الأمة وبالتالي بناء الدولة، والنتيجة يشعر الأفراد بأنهم منتمون لهذه الأرض ويجعلهم حساسين تجاه الاستعانة بالغير أو نقض السيادة.
ثالثاً: المشاركة الثقافية:
المشاركة الثقافية بمعنى صناعة التاريخ صوت الأقليات، صوت المذاهب، صوت الأديان، ينبغي أنْ يكون حاضراً في كتابة التاريخ، التاريخ المكتوب الآن والموجه في الكتب الدراسية أخفى دور الأقليات.
كذلك الأعتراف بحق الناس السياسي، وخصوصاً الأقليات، وعلى سبيل المثال العراقيين من أصول أفريقية (ذوي البشرة السمراء) ليس لهم حقوق، كذلك (الكاكايين) ليس لهم حقوق، والأعتراف هو الحق بالظهور السياسي وهو جزء من بناء الدولة والأمة الصانعة للسيادة، والحامية لها، اذ لا يمكن أنْ نستبعد فئة من المشاركة السياسية والاقتصادية وننتظر منهم أنْ يُدافعوا عن سيادة البلد، فعندما تكون نسبة الفقر في الناصرية 55% كيف ننتظر منهم بالضرورة أنْ يدافعوا عن سيادة البلد؟
______________________
* اقيمت هذه الندوة في حفل و توقيع الكتاب / معرض بغداد الدولي للكتاب قاعة القدس - بغداد 11 حزيران 2021