11 Nov
11Nov

الجزء الاول 

 دكتور نظير عبود  /  فزع متخصص بالبيئة وتغير المناخ

وصلت موجة التطور التكنلوجي والثوره الصناعية المبنيه على الوقود الاحفوري الى العراق منذ اكثر من 100 عام وتحسس العراقيون حينها بان عصرا جديدا قد دخل البلد ليغير من جميع المفاهيم وبعد اكتشاف النفط وحقل كركوك وغيرها تسارعت عجلة التغيير والتطور وبدأ المجتمع يسمع باسم مهندس النفط ومختص في النفط وكليات واقسام للنفط وبعثات لخارج العراق للحصول على الاختصاص واستيراد التكنلوجيات،  وفعلا كانت ثوره كبيرة غيرت من المجتمع العراقي وانعكست على السياسة والاقتصاد والفكر المجتمعي وهب لها الجميع واسعد فيها ، ودفع البعض لافكار التأميم وادارة موضوع التطور داخليا.. الا ان هذا التطور بدأ يظهر عن انيابه ويرتبط بالسياسة ارتباطا كبيرا وسبب صراعات كثيره واستئثار والى ظلم مناطق كاملة غنية بالنفط ..  و وصل البلد الى ما وصل اليوم اليه..

وباستمرار التطور التكنلوجي والثوره الصناعية التي بدأت شرارتها في بريطانيا بنيت اقتصاديات الدول على الوقود الاحفوري واصبح النفط يسمى بالذهب الاسود والمحرك الاساس للاقتصاد العالمي.. واستمر الانسان بالحفر من اجل التطور والتقدم التكنلوجي ولكن صاحب هذا الموضوع تراكم لم يكن محسوسا بالغازات الدفيئة والانبعاثات الى الغلاف الجوي..   وعلى التوازي مع رواد الثورة الصناعية  كان هناك جيش اخر من علماء وباحثي البيئة يحذرون من هذا التطور غير المسيطر عليه ويقدمون الادله على ان الانسان بدأ يعبث بالارض وبدأ الفساد في البحر والبر والجو ، وان التطور بدأ يؤثر على بيئة الكرة الارضية.. الا ان صوت العلماء طالما يكبح عندما يصل الى السياسة او القرار السياسي او عندما يؤثر على سير اقتصاد السياسيين. ورغم الصعوبات التي واجهت علماء البيئة ومنذ عام 1828 مرورا بستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بدأ زخم العمل البيئي يكون مقنع للسياسيين والمجتمع وبدأت التقارير العالمية العلمية تكون مؤثره ودافعه للتغيير. ولغرض المثال صدر تقرير حدود النمو ( Limits to Growth  ) عام 1972 في نادي روما وحذر من ان البشر قد  استنزفو المصادر الطبيعية للكرة الارضية وحذرو من تداعياتها الى عام 2030 ، وتوالت التحذيرات العلمية الاكاديمية وذكر البحث المشهور "حدود الكوكب" Planetary Boundaries  عام 2009 بان هناك تسعة حدود للكوكب يجب ان تمثل البيئة الامنة لمعيشة الانسان تشمل تراكيز ثابته ومعينة من ( تراكيز الاوزون في الغلاف الجوي ، تواجد الهبائيات في الجو ، صحة المحيطات ومقدار تحمضها ، الاستخدام الامثل للمياه العذبة ، التلوث بالكيمياويات ، تغير استخدام الاراضي ، معدل فقدان التنوع البيولوجي ، تراكيز الفسفور والنتروجين ودوراتها البيوجيوكيمياوية ، وتغير المناخ)  ولكن قد تم التاكيد على تجاوز اثنين منها وهي تغير المناخ (من خلال ارتفاع وتراكم تركيز الغازات الدفيئة لاكثر من 400 جزء بالمليون في الغلاف الجوي والتي يجب ان تكون 150 – 250 جزء من المليون) والتنوع البيولوجي (اذ تم الجور على الطبيعه من قبل الانسان وتسارع مستوى انقراض الانواع بشكل مخيف ) واستنتجت الابحاث بشكل عام بان هناك اربعة قوى هي الاساسية التي تؤثر حاليا على صحة وبيئة الكرة الارضية ..

1. زيادة التعداد السكاني في العالم وانتقاله المتوقع من 7 مليار نسمه الى 9 مليار نسمه وهذا يتطلب موارد بقدر قارة كاملة ومياه عذبة لمعيشتهم . 

2. تغير المناخ بسبب زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. 

3. فقدان النظم الطبيعية والتنوع البيولوجي والذي اثر على توازن المناخ والبيئة على الكرة الارضية. 4. الحوادث المناخية المفاجئة الناتجة عن هذا التغيير والتي اصبحت في بعض الاحيان غير مسيطر عليها. ويعد موضوع تغير المناخ حاليا هو احد المحركات الاساسية للسياسة والاقتصاد العالمي لكون تحذيرات علماء البيئة المستمرة انتجت اتفاقيات دولية هدفها الحفاظ على البيئة عن طريق الامم المتحدة. ومن اهم هذه الاتفاقيات هي الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ UNFCCC التي ابرمت بين الدول الاعضاء عام  1992  على مبدأ المسؤولية المشتركة لكن المتمايزه ( بمعنى هناك بعض الدول وهي الدول المتقدمة هي المسؤولة عن الانبعاثات). ونتجت عنها بروتوكول كويتو عام 1997 الذي هدف الى تنظيم عملية تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة في دول العالم وتاسيس اسواق التادول بسندات الكربون ضمن الية نظيفة سميت ميكانيكية التنمية النظيفة Clean Development Mechanisms  (CDM) .

 الا ان هذه الالية تطورت ببطأ ومن ثم انهارت نتيجة عدم دعم بعض الدول الكبيرة لها واقتصارها على بعض اسواق الكربون الاوربية المحدودة. ان فشل بروتوكول كويتو والذي صاحب تصاعد في الحوادث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ ادى الى ضرورة البحث عن الية اخرى قد تحقق هدف الاتفاقية لذلك فان مسار التفاوض ضمن اتفاقية UNFCCC تغير ليدفع باتجاه تغيير مبدأ التفاوض من المسؤولية المشتركة لكن المتباينة الى المسوؤلية المشتركة بمعنى ان الجميع مسؤول عن الانبعاثات وعن ارتفاع درجات الحرارة وعلى الجميع المشاركة لانقاذ كوكب الارض ونتج عن هذا التغيير اتفاق باريس للمناخ عام 2015.

واستنادا الى اتفاق باريس للمناخ تم الطلب من الدول الاعضاء ان تقدم خططها نحو تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بوثائق تسمى المساهمات الوطنية. العراق استجاب الى هذا الموضوع وقررت الدبلماسية العراقية ان تكون جزءا من المجتمع الدولي للحفاض على بيئة ومناخ كوكب الارض اذ انضم البلد الى اتفاق باريس عام 2021 وقدم مساهتمه الوطنية التي التزم فيها طوعيا على تخفيض 2% من انبعاثاته الكلية من القطاعات ومنها قطاع النفط  وبالاعتماد على الميزانية الوطنيه ( الانبعاثات لا تشمل انتاج النفط وانما فقط الانبعاثات من الصناعه النفطية وتشمل الغاز المصاحب) ، و 15% عرضت للاستثمار والتمويل الدولي ، وكذلك التزم البلد بالعمل على زيادة مرونة وصمود وتكيف الشعب العراقي تجاه تاثيرات تغير المناخ ونقل التكنلوجيا الحديثة. لذلك فان وثيقة المساهمات الوطنية تمثل مظلة العمل المناخي في العراق الشاملة الى مساراته الرئيسه وهي التكيف والتخفيف.

ان العمل ضمن بنود اتفاق باريس يدفع باتجاه مبدأ عام يتداول بكثرة وهو التحول الاخضر ، اذ ان علماء البيئة يصرون على ان الانسان خرب التوازن البيئي ويطلقون تسمية (Anthropogenic Climate Change  ) على تغير المناخ  اي تغير المناخ الناتج عن فعاليات الانسان التي يجب ان تكون لها الاستجابة بترك الوقود الاحفوري والاعتماد على الطاقة المتجددة. ونعود هنا الى ما تم ذكره في بداية المقال بان العراق استقبل التطور قبل اكثر من 100 عام واليوم يواجه تحول اخر قد يكون بنفس الشدة اذ ظهرت لنا مصطلحات جديدة وهي التحول الاخضر والاقتصاد الاخضر والطاقة المتجددة النظيفة وتكون راي عام عالمي يدفع بترك الاقتصاد الرمادي المبني على الوقود الاحفوري والاتجاه الى الاقتصاد الاخضر والاقتصاد الدائري وغيرها وكلها مصطلحات بيئيه في جوهرها تحافظ على البيئة ولكن في ظاهرها تسبب صراعات اقتصادية جديدة وعصرا جديدا من التحول السياسي الاقتصادي.

اذن ما يفعل العراق وهو يعتمد حاليا في اقتصاده على الوقود الاحفوري بنسبة قد تصل الى 95% ؟ وهل انضمامه الى اتفاق باريس للمناخ يدعم اقتصاده ويصب في مصلحة البلد ؟ وما هو حجم الاقتصاد الاخضر والتحول الاخضر الذي يرغب بتبنيه ؟ وهل سوق الكربون وسندات الكربون ستكون بديلا ناجحا الى الانتاج النفطي ؟ وتدعم خزينة العراق؟ كل هذه الاسئلة تقع ضمن مظلة ما يسمى بتمويل المناخ (Climate Finance  ( ونتحدث عنه ببعض التفصيل في الجزء الثاني من المقال.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن