03 May
03May

كتب : الأستاذ المساعد الدكتور  سماح مهدي صالح العلياوي

أولاً: تشكيل البرنامج النووي الإيراني

بدأ المشروع النووي الإيراني حينما قام مركز طهران للبحوث النووية بمزاولة نشاطاته البحثية عام 1967، إذ أعطت الولايات المتَّحدة المركز مفاعلاً بقدرة (5) ميغاواط، وبقدرة على إنتاج (600) غرام من البلوتونيوم سنوياً من وقوده النووي المستهلك، لذلك وقَّعت إيران على معاهدة الحدِّ من إنتاج وتجربة الأسلحة النووية عام 1968، وبعد تولي الرئيس الأميركي "ريتشارد نيكسون" (Richard Nixon) السُّلطة في كانون الثاني/يناير 1969، طرح "مبدأ نيكسون" من جزيرة "غوام" (Guam) في المحيط الهادي في تموز/يوليو 1969، قائلاً: "إنَّ أميركا ستعمل على تشجيع دُوَل العالم الثالث، على تحمُّل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأنّ يقتصر دور أميركا على تقديم المشورة"، عبّر عن تزويد الدُّوَل الحليفة بدرعٍ واقٍ، ضدَّ أيّ تهديدٍ نووي، وتقديم المعونات، وتسليح دُوَل العالم الثالث، الّتي لديها الرغبة والقدرة على التوسُّع، وإعادة الثقة للرّدع في سياق اتِّساع هوة الخلاف القطبي، وأغدقت الولايات المتَّحدة السِّلاح على حلفائها الإقليميّين، واعتمدت على طهران والرياض باسم "العمودين المتساندين".

وبعد تأسيس منظَّمة الطَّاقة الذرية الإيرانية عام 1974، وضعت الخطط لإنشاء (23) مفاعلاً نووياً لتكون جاهزة في منتصف التسعينات، وبكلفة تبلغ نحو (30) مليار دولار، وهي مفاعلات يمكنها إنتاج البلوتونيوم الّذي يشكل العنصر المهم في صناعة الأسلحة النووية، وقد نجح الشاه "محمد رضا بهلوي" عام 1974، بالتعاقد مع الحكومة الفرنسية لبناء مفاعلين نوويين، كما نجح الشاه في إبرام عقد مع شركة "کرافت ورك" (Kraft Work) الألمانية عام 1975، لبناء مفاعل نووي في منطقة بوشهر بقدرة (1200) ميغاواط، كما وقَّع الشاه مع الصين لبناء مفاعلين نوويين في منطقة "دارکوفن"، لكنهما لم يريا النور نتيجة لقيام الثَّورة الإيرانية.

واعتبر قادة الثَّورة الإسلاميَّة الإيرانية أن انتصارهم هو انتصار للشَّعوب الإسلاميَّة، وأنهم يتعهدون بمساعدة هذه الشَّعوب للخلاص من الحكام الفاسدين، كما أعلنوا العداء للولايات المتَّحدة كونها تدعم الأنظمة العسكرية، وتسعى للسَّيطرة على العالم، وتأكدت فكرة العداء للولايات المتَّحدة وإسرائيل الراغبتين لإسقاط النظام الإيراني، خاصة بعد الدّعم الأميركي للعراق في الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وخلال هذه المدة تعرضت جميع الأنشطة النووية الإيرانية إلى الجمود على الرغم من أن إيران سعت إلى تعزيز علاقاتها النووي مع الاتِّحاد السُّوفياتي والصين.

وأصبح البرنامج النووي الإيراني يتكون من مركز طهران للبحوث النووية الّذي يضمُّ مفاعل طهران البحثي بطاقة (5) ميغاواط، ومرفق إنتاج النظائر المشعة، ومختبرات جابر بن حيان المُتعدِّدة الأغراض، ومرفق مناولة النفايات، وشركة "قالاي" الكهربائية، وكانت مرفق تخصيب تجريبي. بالإضافة إلى مركز "آراك" الّذي يضمُّ مفاعل البحوث النووية، ومرفق الخلايا الساخنة لإنتاج النظائر المشعة. ومحطة إنتاج الماء الثقيل. ومركز "بوشهر" الّذي يضمُّ مفاعلين نوويين. ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية الّذي يضمُّ المفاعل المصدري النيوتروني المصغر، ومفاعل الماء الخفيف دون الحرجي، ومفاعل الماء الثقيل ذو القدرة الصفرية. بالإضافة إلى مختبر صنع الوقود. ومختبر كيمياء اليورانيوم. ومرفق تحويل اليورانيوم. والمفاعل الغرافيتي دون الحرجي. كذلك محطة تصنيع الوقود النووي. ومحطة إنتاج الزركونيوم. ومركز "لشقر أباد". ومركز "نطنز" الّذي يضمُّ المحطة التجريبية لتخصيب الوقود، ومحطة اغتناء الوقود. ومركز "خرج". ومركز "أناراك" الّذي يضمُّ موقع تخزين النفايات.

وفي أعقاب الاجتياح العراقي للكويت وقيام حرب الخليج الثانية عام 1991، سعت إيران إلى إيجاد قوَّة إستراتيجية تواجه القوَّة العسكرية الأميركية المتمركز في الخليج العربي، وأصبحت جزءا من المجهود الإيراني لإعادة بناء القوَّة الشاملة من خلال منشآت نووية حيوية تقوم بأداء الدَّور الوظيفي، لا سيّما بعد أن ثبت للرأي العام العالمي عدم مصداقية الولايات المتَّحدة الّتي فرضت عقوبات قاسية على العراق طيلة تسعينيات القرن العشرين، والّتي لم تتورع في استخدام الحلفاء والأصدقاء باعتبارهم أدوات، وخاصة بعد تفجير برجَي التِّجارة العالمية ومبنى البنتاغون في أيلول/سبتمبر 2001، حيث قامت الولايات المتَّحدة باجتياح أفغانستان عام 2001، واحتلال العراق عام 2003، ممَّا خلق حالة من الإرباك الأمني الإقليمي، ونوع من التوتُّر الدَّوْلي.

إنَّ الإستراتيجية الإيرانية اعتمدت على الاستمرارية والتراكم في سياسات دولة تسعى إلى الاستقلال عن التبعية الغربية، وحماية أمنها القومي وتعزيز إستراتيجية الدفاع أو إجراء احترازي في ظلّ الظروف الجيوسياسية العالمية، خاصة النظام الدَّوْلي الأحادي القطبية القائم على الظلم الممنهج ضمن ازدواجية المعايير، كما تسعى إيران إلى الحفاظ على مكانتها ومصالحها الإقليميَّة، وتعلم أن النشاط النووي يحتاج إلى قدرات بشري، ونفقات مالية عالية، وإلى الوقت اللازم للتشغيل والإنتاج، ثمَّ تأتي القيود القانونية الدَّوْلية الّتي تقف بالضدِّ من النشاطات النووية ضمَّن اتِّفاقيات منع إنتاج واستخدام الأسلحة النووية، وبناء عليه أعلنت إيران من حيث المبدأ عن الاستخدام السِّلمي النووية، والخضوع لسَّيطرة الوكالة الدَّوْلية للطَّاقة الذرية، والقبول بأيّ حوار مع القِوى الغربية تحت شروط العدالة والمساواة واحترام السِّيادة الوطنيَّة، والاعتماد على الحق النووي الّذي يكفله القانون الدَّوْلي العام على اعتباره من الوسائل البديلة للطَّاقة الأحفورية، كما رفضت إيران التدخُّل الأجنبي في الترتيبات الأمنيَّة، ودعت دُوَل الخليج العربي لإقامة مشروع للأمن الجَمَاعي يقوم على الاستقلال، والاعتماد على الذات، وتوقيع اتِّفاقية عدم اعتداء، لكن دُوَل الخليج العربي رفضت عرض إيران وطالبتها بعدم التدخُّل في الشؤون العربيَّة، وإعادة الجزة العربيَّة المحتلة "طنب الكُبْرَى" و"طنب الصُغرى" "و"أبو موسى". وفي المقابل فأن استخدام إيران جهودها العسكرية في الشَّرق الأوسط، وتطوير الصِّناعات العسكرية والكيمياوية والبايولوجية، الأمر الّذي اعتبرته الولايات المتَّحدة تهديداً لأمنها وأمن حلفائها.

ثانياً: جذور الأزمة النووية الإيرانية

تعود أزمة البرنامج النووي الإيراني إلى عام 2002، بعد قيام المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية في فرنسا، بالكشف عن وجود منشأتين نوويتين سريتين لتخصيب اليورانيوم، هما: مفاعل أراك للماء الثقیل، ومنشأة نطنز النووية، واكتشاف خزين من اليورانيوم في ساجاد مقاطعة "يزد" بعيداً عن رقابة الوكالة الدَّوْلية للطَّاقة الذرية الّتي وجهت اتهاماتها لإيران بانتهاك التزاماتها المفروضة بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، وهنا أعلنت إيران بأنها تطوُّر استخدام مفاعل نوري يعتمد على المصادر والقدرات الذاتية، ممَّا أثار الأوساط السِّياسيَّة والمخابراتية الغربية، فالتخصيب وإنتاج الماء الثقيل، واستخراج الوقود النوري من مصادر محلية يثير الشكوك الغربية بإنتاج السَّلاح النووي حيث قامت بتطوير منجم "ساغاند" في محافظة "يزد"، ومنجم "غشين" في جنوب طهران عام 2004، للتنقيب عن كتل خامات صخرية منخفضة الرتب من اليورانيوم، ويتمُّ معالجة هذه الخامات في المفرزة الموجودة في منطقة "آردكان"، لكي يتمُّ تحويلها إلى خام اليورانيوم الّتي يطلق عليها "الكعكة الصفراء"، وهي الخطوة الأولى في دورة الوقود النوري.

وقد أعلنت إيران عام 2006، عن مستويات إثراء اليورانيوم (235) إلى درجة (7,4) بالمئة، وهذا يعني قدرة إيران على إنتاج (25) كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة (6,84) بالمئة من اليورانيوم (235) عالي الخصوبة، وهو ما أثار العالم الغربي، لأن درجة الإثراء المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية هي (25) كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة (90) بالمئة من اليورانيوم (235) عالي الخصوبة، ونتيجة لهذه التطوُّرات فشل اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدَّولية للطَّاقة الذرية في التوصل إلى حلِّ يرضي أطراف الأزمة عام 2006.

ثالثاً: الموقف الأميركي من البرنامج النووي الإيراني

استند الموقف الأميركي في تعامله مع البرنامج النووي الإيراني على أسس تتمثل بالحفاظ على المصالح في الشَّرق الأوسط، وأمن إسرائيل، واحتواء إيران، خاصة موقف إيران من الكيان الإسرائيلي المتعلق بإزالتها من الخارطة الدَّوْلية حسب تصريحات الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد"، وقد اتضحت الرؤية الأميركية في شن عملية عسكرية على البُنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، لكن هذه العملية ستكون مكلفة وربما لا تنجح، وعليه حاولت الإدارة الأميركية تقييد التطوُّر الإيراني في المجال النووي عِبرَ فرض العقوبات الإقتصادية على إيران وعزلها دبلوماسياً بغية توفير الوقت لإيجاد الحلول السِّلمية، أو إجراء تغيير داخلي في النظام السِّياسيّ.

وخلال تولي الرئيس الأميركي الأسبق "بيل كلينتون" (Bill Clinton) السُّلطة في المدة 1993 2001، أصدر الرئيس الأمر التنفيذي (12957) في آذار/مارس 1995، الّذي يحظر الاستثمار الأميركي في قطاع الطَّاقة الإيراني، والقرار التنفيذي (12959) في أيار/مايو 1995، يحظر التِّجارة مع أميركا والاستثمار في إيران. وفرض الكونغرس العقوبات الإقتصادية ضدَّ إيران وليبيا بموجب قانون "داماتو" (Damato) عام 1996، ويستهدف الأعمال التجارية لجميع الشركات الّتي تقدُّم استثمارات تزيد عن (20) مليون دولار لتطوير الموارد النَّفطية في إيران، وتضمن الحرمان من المساعدة المصرفية والتراخيص وحظر القروض أو الائتمانات أو التعيين كموزع رئيسي أو العمل كوكيل، والحرمان من فرص المشتريات بما يتفق مع التزامات منظَّمة التِّجارة العالمية، وفرض حظر على جميع أو بعض واردات الشركة المخالفة، بذريعة ردع البرنامج النووي الإيراني، ومنع الدّعم الإيراني المقدم لحزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وبعد سقوط النظام الليبي أصبح القانون يُعرف باسم "إيسا" (ISA).

وفي ظلّ إدارة المحافظين الجُدُد بزعامة الرئيس الأميركي الأسبق "جورج دبليو بوش" (George W. Bush) خلال المدة 2001 2008، لم تتوصل الولايات المتَّحدة لأيّ طريقة تؤدي إلى حلِّ الأزمة النووية الإيرانية، إذ منعت واشنطن المصارف الأميركية عام 2008، من أن تكون وسيطاً في تحويل أموال مع إيران، وبعد تولي الرئيس الأميركي الأسبق "باراك أوباما" (Barack Obama) السُّلطة عام 2009، وعلى خلفية المعلومات الجديدة من الوكالة الدَّوْلية للطَّاقة الذرية حول الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني، اقنعت الولايات المتَّحدة حلفائها من الأوربيين بتبني عقوبات مُشدِّدة ضدَّ إيران خارج قرارات مجلس الأمن الدَّوْلي من أجل إحداث صدمة للاقتصاد الإيراني، إذ اتَّخذت الولايات المتَّحدة إجراءات رَّد على المجموعات الأجنبية الّتي تستثمر في القطاع النفطي الإيراني. وقام الاتِّحاد الأوروبي بتعليق مفاوضات اتِّفاقية التِّجارة والتعاون مع إيران، واشترط إعادتها حصول تقدُّم في الموقف إيران تُجَاه مجالات حقوق الإنسان، والإرهاب، وحظر الانتشار النووي، وعملية السَّلام في الشَّرق الأوسط، إذ خضعت العلاقات الإيرانية الأوروبية لتأثيرات مباشرة من الولايات المتَّحدة.

كما أعلنت الولايات المتَّحدة وبريطانيا وكندا عام 2011، عن بداية مسعى لعقوبات مالية جديدة لتوسيع وتعميق عزلة إيران على النطاق الدَّوْلي، حيث أشارت وزير الخزانة الأميركي "تيموثي غايتنر" (Timothy Geithner)، ووزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" (Hillary Clinton) عام 2011، عن فرض جولة جديدة من العقوبات الأميركية تشمل تدابير تصف إيران بأنها دولة تشكل قلقاً أولياً في مجال غسل الأموال في أشاره للدَّور الّذي يُمكن أن يلعبه القطاع المالي والمصرفي الإيراني في نشر الإرهاب والأسلحة النووية، وهذه العقوبات أثرت على الشركات التجارية والصِّناعيَّة، وتجميد الودائع، ويقلل من الاحتياطي المالي الّتي تستهلك في دفع الفوائد، كما منع البنك الدَّوْلي للإنشاء والتعمير من تقديم قروض إلى إيران.

وبناء عليه شدَّدت أميركا العقوبات على إيران عام 2012، متهمَّة إياها بالمضي في تنفيذ برنامج نوري عسكري، وتصدير الإرهاب، وتطبق العقوبات على منظمات عسكرية إيرانية، ومصارف، وأفراد، وتجميد كل الحسابات لهذه الجهات ومنع المواطنين الأميركيين من أيّ تعامل معها، ومارست الإدارة الأميركية ضغوطاً على دُوَل العالم لخفض الصادرات الإيرانية من النفط والغاز، لذلك انخفض سعر صرف الريال الإيران، كما تراجع حجم التبادل التجاري بين إيران والاتِّحاد الأوروبي، لا سيّما أن العائدات النَّفطية تشكل نصف العائدات المالية الإيرانية، وحسب تقرير الأمين العام لمنظمة الأمم المتَّحدة "بان كي مون" (Ban Ki Moon) عام 2012، فأن العقوبات أثرت تأثيراً سلبياً في جميع طبقات السَّكُّان في زيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار ممَّا يؤثر على العمليات الإنسانية في إيران، لا سيّما أن الشركات الّتي حصلت على التراخيص اللازمة لاستيراد المواد الغذائية والأدوية تواجه صعوبات في إجراء التعاملات المالية مع إيران.

كما استعملت الولايات المتَّحدة الوسائل الدبلوماسيَّة عن طريق المنظمة الدَّوْلية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، إذ اعتبرت منظَّمة الأمم المتَّحدة أداة من أدوات السِّياسة الخارجية الأميركية في اتباع سياسة التمييز في معالجة الأزمات العالمية، ومارست ضغوطاً على المنظمة الدَّوْلية بهدف إصدار قرارات جائرة تخضع للرؤية الأميركية بموجب القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدَّوْلي على اعتباره قوَّة ملزمة لتبرير القرارات الأميركية الخاصَّة بفرض العقوبات وهيكلة الأوضاع الدَّوْلية.

وعملت الولايات المتَّحدة على دعم إستراتيجية الردع للحلفاء والأصدقاء باعتبارهم قوَّة مجابه ومضادة للقوَّة الإيرانية عن طريق عقد الاتِّفاقيات الأمنيَّة مع دُوَل الخليج العربي الّتي ربما تتحوُّل إلى تحالفات عسكرية للوصول إلى إدارة أكثر فاعلية للملف النووي الإيراني، وإيجاد نوع من التوازن الجيوسياسي بين إيران والدُّوَل العربيَّة خاصة دُوَل الخليج العربي ومصر والأردن، ومحاولة تعزيز اتِّفاقيات السَّلام العربيَّة الإسرائيليَّة بما يعزَّز المكانة الإسرائيليَّة، ويقلل من النفوذ الإيراني في المنطقة العربيَّة، بالإضافة إلى التنسيق الوثيق بين الولايات المتَّحدة وإسرائيل للقيام بعمليات استباقية لضرب أهداف نووية منتقاة في الأراضي الإيرانية، وتعزيز القدرات الاستخبارية داخل إيران من أجل تحديد أهداف الغارات الجوية، وزعزعة الأمن، وإثارة الخلافات الإثنية والطائفية داخل إيران تحسبا لأيّ حرب قادمة، والقيام باغتيال المختصين والعلماء الإيرانيين في الجانب النووي.

رابعاً: موقف مجلس الأمن الدَّوْلي من البرنامج النووي الإيراني

صدر القرار المرقَّم (1696) في تموز/يوليو 2006، وتضمن أن تعلق إيران بشكل يمكن التحقِّق منه الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة. كما صدر القرار المرقَّم (1737) في كانون الأول/ديسمبر 2006، تحظر المبيعات إلى إيران من التكنولوجيا المفيدة لأنشطة تخصيب أو إعادة المعالجة، وتجميد أصول بعض الشركات والأشخاص، وتعليق بعض الأنشطة النووية الحساسة من حيث الانتشار، وأنشأ لجنة تُعرف باسم لجنة (1737) للإشراف على تنفيذها. كما صدر القرار المرقَّم (1747) في آذار/مارس 2007، فرض حظر على نقل الأسلحة إلى إيران. كما صدر القرار المرقَّم (1803) في آذار/مارس 2008، يفرض القرار تفتيش شحنات الشركات الإيرانية، ويحظر بيع المواد لإيران ذات الاستخدام المزدوج، وحظراً على سفر بعض الأفراد، وحظر على المعاملات المالية مع البنوك الّتي تمَّ تحديدها. كما صدر القرار المرقَّم (1835) في أيلول/سبتمبر 2008، تأكيداً للقرارات السابقة.

كما صدر القرار المرقَّم (1929) في حزيران/يونيو 2010، وتضمن منع إيران من المشاركة في الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستيّة، وتشديد الحظر المفروض على الأسلحة، وفرض حظر على سفر الأفراد المشاركين في البرنامج النووي، وتشكيل فريق يضمُّ ثمانية خبراء لمساعدة لجنة (1737). كما صدر القرار المرقَّم (2224) في حزيران/يونيو 2015، إذ يقرَّر تمديد ولاية فريق الخبراء، وأن ترفع تقريراً وبرنامج عمل أقصاه (30) يوماً، ويحث جميع الدُّوَل والهيئات والأطراف إلى التعاون مع اللّجنة.

وسرعان ما وجدت الإدارة الأميركية أنها مضطرة للتخلي عن غرورها المفرط في تعاملها مع الملف النووي الإيراني، لا سيّما بعد الاعتراض المزدوج الرّوسي الصيني داخل مجلس الأمن الدَّوْلي ضدَّ أي قرار يخص إيران أو سورية أو اليمن، إذ أخذت روسيا والصين على عاتقهما مهمَّة إعادة هيكلة النظام العالمي، والمطالبة بإنهاء نظام الأحادية القطبية بقيادة أميركية، والسّعي نحو النظام العالمي المُتعدِّد الأقطاب الّذي يأخذ بمبدأ احترام السِّيادة الوطنيَّة، وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدُّوَل الأخرى، وحقّ الدُّوَل في الاستخدام السِّلمي للطَّاقة النووية، وعدم إسقاط الأنظمة السِّياسيَّة تحت ذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعدم التعامل بازدواجية المعايير تُجَاه القضايا الإقليميَّة والدَّوْلية الحساسة.

لهذا تُوجت الجهود الدبلوماسيَّة للتوصل إلى حلَّ شامل طويل الأجل عن طريق "خطَّة العمل الشاملة المشتركة" الّتي جمعت إيران، روسيا، ألمانيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، أميركا، والممثل السامي للاتِّحاد الأوروبي، وأعرب الأطراف عن رغبتهم في إقامة علاقة جديدة مع إيران معزَّزة بتنفيذ خطَّة العمل، وعليه صدر قرار مجلس الأمن الدَّوْلي المرقَّم (2231) في تموز/يوليو 2015، وينص القرار على إنهاء العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن الدَّوْلي السابقة بشأن إيران، ويضع القيود الّتي تسري على جميع الدُّوَل دون استثناء، وأكَّد على التنفيذ التام لخطَّة العمل سيُسهم في بناء الثقة في الطابع السِّلمي للبرنامج النووي الإيراني، وشدَّد على أن خطَّة العمل تفضي إلى تشجيع إقامة علاقات وأواصر تعاون مع إيران في المجالين التجاري والإقتصادي.

وبناء عليه شكلت مجموعة "5+1" وتضمُّ الدُّوَل الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدَّوْلي، وهي أميركا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، والصين بالإضافة إلى ألمانيا الّتي تتولى المفاوضات مع إيران. وأعلنت المفوضة العُليا للسِّياسة الخارجية والأمنيَّة الأوروبية "فيديريكا موغريني" (Federica Mogherini) أن المتفاوضين بشأن البرنامج النووي الإيراني توصلوا إلى اتِّفاق خلال الاجتماع في العاصمة النمساوية فيينا في تموز/يوليو 2015، وينظم منع إيران من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، وعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة أكثر من (3.67) بالمئة خلال (15) عاماً على أن تبيع إيران الكمية الزائدة لمستخدمين دوليين، وتشرف روسيا على تأمين الوقود النووي، وتستخدم إيران اليورانيوم المخصب بنسبة (20) بالمئة في المفاعلات المخصصة للأبحاث العلمية، وتحويل مفاعل "آراك" الّذي يعمل بالماء الثقيل إلى العمل بالماء الخفيف ذي أهداف سلمية للبحث العلمي، ولن تبني إيران أيّ مفاعلات تعمل بالماء الثقيل، ولن تخزن الماء الثقيل، وتتعهد إيران بعدم القيام بأيّ أنشطة متعلقة بالوقود المستنفذ باستثناء إنتاج بطاريات النظائر المشعة، وفي المقابل يتعهد المجتمع الدَّوْلي برفع العقوبات المفروضة على طهران، ويسمح لها بتصدير واستيراد الأسلحة.

وفي حال الاختلاف أثناء تطبيق الاتِّفاق تنظر اللّجنة المشتركة المكوِّنة من جميع الأطراف في الخلاف خلال (15) يوماً، وإن عجزت اللّجنة تحال المشكلة إلى وزراء الخارجية، وأن لم تحل تحال المشكلة إلى لجنة استشارية مؤلفة من ثلاثة أشخاص بينهم عضو مستقل، وفي حال استمر الخلاف تحال المسألة إلى مجلس الأمن الدَّوْلي الّذي يصوت بدوره على رفع أو استمرار الحظر المفروض على إيران، وفي حال فشل في إصدار قرار يعاد فرض عقوبات منظَّمة الأمم المتَّحدة على إيران.

وبعد وصول الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" (Donald Trump) إلى السُّلطة عام 2017، وجراء الضغوط الإسرائيليَّة فقد أعلن الرئيس الأميركي رسمياً خروج الولايات المتَّحدة من الاتِّفاق النووي مع إيران في أيار/مايو 2018، كما وقَّع أمراً رئاسياً للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأميركية على طهران، وأشار الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في كلمة متلفزة ألقاها في البيت الأبيض قائلاً: "أعلن اليوم انسحاب الولايات المتَّحدة من الاتِّفاق النووي الإيراني"، واصفا إياه بأنه "كارثي". وأعلن مستشار الأمن القومي الأميركي "جون بولتون" (John Bolton) أن إعادة العمل بالعقوبات الأميركية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني سوف تسري فوراً على العقود الجديدة، موضحاً أن أمام الشركات الأجنبية بضعة أشهر للخروج من إيران، كما أوضحت وزارة الخزانة الأميركية أن العقوبات المتصلة بالعقود القديمة الموقَّعة في إيران سوف تسري بعد فترة انتقالية من (90) إلى (180) يوماً.

خامساً: نتائج الأزمة النووية الإيرانية

إنَّ القيادة الإيرانية تعلن باستمرار عدم امتلاك إيران السَّلاح النووي، وعدم الرغبة في الحصول على هكذا نوع من الأسلحة، وقد اثبتت إيران قدراتها التسليحية التقليدية العالية المستوى الّتي لا تحتاج إلى السَّلاح النووي، وأن الهدف من البرنامج النووي هو الأغراض السِّلمية الّتي تدخل في المجالات الإنسانية سواء للقيام بعمليات الأبحاث العلمية أم لتوليد الطَّاقة الكهربائية، لكن الولايات المتَّحدة تعاملت بازدواجية المعايير، إذ في الوقت الّذي تمتلك إسرائيل اليورانيوم المخصب، وهي دولة ليست ضمن النادي النووي فأن الولايات المتَّحدة مستمرة في دعم إسرائيل وتغظ الطرف عن انتهاكاتها المتكررة للشَّعب الفلسطيني، لكن الأمر مختلف مع إيران الّتي ترفض قِوى الهيمنة والاستكبار والتسلُّط على الشَّعوب المضطهدة، وتدعم القضية الفلسطينية، وهو ما شكل مصدراً للقلق الأميركية، لهذا فأن تطوُّر أزمة البرنامج النووي الإيراني يشير إلى إمكانية نشوب حرب بين إيران والأطراف المعنية بالقضية النووية خاصة الولايات المتَّحدة، ومن ثمَّ فإن الرد الإيراني قد يأتي عن طريق حزب الله أو حركة حماس بقصف إسرائيل، ممَّا قد يؤدي إلى تصاعد العنف بين إسرائيل ولبنان وسورية. أو قد تقوم إيران بضرب القواعد الأميركية في الخليج العربي ثمَّ تتحوُّل إلى حرب إقليميَّة بين القوَّات الأميركية والقوَّات الإيرانية ممَّا يؤدي إلى إمكانية قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز ممَّا يعوق تدفُّق النفط الخليجي إلى الغرب، أو استهداف السفن الغربية الّذي من شأنه التأثير على حركة الملاحة الدَّوْلية.

وقد فرضت الأزمة النووية الإيرانية قرارات مصيرية وهامة، بدأت تساير طبيعة التحالفات بين الولايات المتَّحدة والحلفاء والأصدقاء، من جهة، وبين إيران وروسيا والصين، من جهة أخرى، وقد تتصاعد بعد أن تنتقل الأزمة إلى حالتها العنيفة بحيث تصبح تلك القرارات مؤثرة على البُنية الإقليميَّة والدَّوْلية، خاصة أن إيران ربطت بين مفاوضات الملف النووي مع الطرف الأميركي وبين إيجاد تعاون لحلَّ الأزمة السورية والأزمة اليمنية، وخروج القوَّات الأميركية من العراق، وانصاف الشَّعب الفلسطيني المحتل من قِبَل إسرائيل، ونزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشَّرق الأوسط بشكل كامل.

وترى إيران أن على المتفاوضين في اللّجنة السداسية التوصل إلى حلَّ يراعي الحدِّ الأدنى للمصالح المشتركة لجميع الأطراف، وعلى الرغم من أن إيران تتعرض لضغوط اقتصادية فإن موقعها الجيواستراتيجي يمكنها من أن تؤدي دوراً إقليمياً في تذليل العديد من المعضلات الإستراتيجية إلى جانب القِوى الغربية في حال رعت المصالح الإيرانية في المنطقة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن