في اليوم العالمي لحرية الصحافة
…….
كتب : د. راجي نصير
اول سفر إعلامي لي مع وفد رسمي، كان في نهاية العام 2007، كمراسل لقناة الحرة، الوفد كان برئاسة رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، وشملت الزيارة ثلاثة دول عربية هي مصر، والكويت، والسعودية. آنذاك كان العراق لم يخرج بعد من الفتنة الطائفية التي اعقبت تفجير مرقد العسكريين (ع) في سامراء مطلع العام 2006، والعمل الصحفي يواجه صعوبات وتحديات كبيرة، يصاحبه جدل واسع حول حرية الصحافة في العراق، وسط تقارير دولية كانت تصنف العراق ضمن الدول الاخطر في العالم في العمل الصحفي، وكان الكثيرون داخل وخارج العراق يتحدثون عن عدم وجود حرية للصحافة في العراق، شخصيا ومن خلال متابعتي للإعلام، والاعلام في الدول العربية على وجه الخصوص، كنت اعتقد عكس ذلك، السفرة التي استمرت 9 ايام عززت رأيي بعد ما شاهدت في الدول التي زرناها، في مصر كانت اقامة الوفد العراقي في فندق الفور سيزن، وكانت الصالة مليئة برجال المخابرات الذي يحصون علينا الانفاس، ويراقبون كل شاردة وواردة، لم نكن ممنوعين فقط من تصوير ( الستاند او بيستو كاميرا) في الشارع، بل كنا نمنع احيانا من اجراء لقاء مع اعضاء الوفد العراقي في صالة الفندق، خشية ظهور احد ضباط المخابرات في الصورة، وبعد توسل كانوا يسمحون باجراء اللقاء شريطة ان يكون ظهر الضيف الى الحائط كي لا تظهر الصالة خلفه. على مقر الرئيس في الطابق العشرين كان تقف مفرزة مخابرات قاسية التعامل بقيادة ضابط اسمه سامح، كانت تسمح لنا بصعوبة بالغة بتصوير ضيوف الرئيس العراقي في جناحه، رغم اننا كنا نحمل باجات تقول اننا اعضاء في وفد جمهورية العراق صادرة من الامن المصري، في احدى الزيارات، كنت والمصور المصري الذي كان معي، فلم يكن معي مصور عراقي لكن القناة كانت توفر لي مصورين من العاملين في تلك الدول، كنا نقف على باب غرفة الرئيس لتصوير الضيف القادم الذي لم نكن نعرف من يكون، ظهر الضيف محاطا بحماية مكثفة، وما ان بدانا بالتصوير حتى وجه احد افراد الحماية ضربة الى الكاميرا ادارتها مع المصور الى الجهة الخلفية، امتعضت كثيرا في داخلي، لكن المصور كان مليئا بالفرح، سالته باستغراب عن سبب ارتياحه، فاجابني ضاحكا، اول مرة في حياتي احصل على (10) ثواني تصوير لمدير المخابرات عمر سليمان في مصر!!، معتبرا اياها كنزا، لان عمر سليمان – والحديث مازال للمصور المصري الرائع – لايسمح بتصويره الا عندما يزور اسرائيل!!.
في الكويت كانت اقامتنا في قصر بيان، وكانت حركتنا حصرا بسيارات القصر، اما وصول مصوري، وهو سوداني الجنسية، فكان بشق الانفس، حتى انه كان يمازحني بالقول انه تعب من التحقيق والموافقات الامنية كي يصل الي.
في السعودية وضعونا كصحفيين في فندق الماريوت بالرياض، الذي يبعد 25 كم عن مقر قمة اوبك، كانت في الفندق صالة كبيرة مليئة بالحواسيب مع انترنت مفتوح، لكن كلما دخلت على موقع عراقي، من التي اعتدت متابعة الاخبار عليها، تظهر لي عبارة " الموقع محجوب !! "، لم يسمح لنا بالوصول الى قصر المؤتمرات، واذا اردنا شيئا علينا الانتظار حتى ينتهي التلفزيون الحكومي السعودي من البث المباشر لوقائع المؤتمر، ثم نذهب لنطلب من فريق التلفزيون السعودي المتواجد في الفندق ما نريد، اما الخروج بالكاميرا للتصوير في الشارع فهو " اضغاث احلام"!
في يوم الصحافة، اسمع كل عام تقارير تضع العراق في ذيل قائمة الحريات الصحفية، حتى ضمن الدول والدكتاتوريات والممالك والمشيخات العائلية العربية!!، التي لا يسمح فيها للمواطن، ناهيك عن الصحفي، ان يتنفس الا على مقاسات الحاكم، ما يؤلمني اكثر من هذه التقارير المنحازة والمغرضة احيانا، انها تستند على تقارير ترفعها منظمات وشخصيات عراقية، لديها موقف من السلطة او الطبقة السياسية، وهذا حقها بالتأكيد، لكنها لا تميز بين السلطة والدولة او الوطن، ولا تدرك اي ضرر تتركه على سمعة البلد ومكانته الدولية.
نعم فقدنا العشرات من الشهداء من زملاء المهنة، لكن علينا الاعتراف، وهذا ما تقوله حتى نقابة الصحفيين، انهم لم يستشهدوا جميعا بسبب العمل الصحفي، فبعضهم استشهد في هجمات ارهابية وحشية استهدفت كل العراقيين حتى الحمالين وعمال المسطر واصحاب البسطات وطلاب المدارس وغيرهم، وبعضهم قتل لأسباب اخرى بينها كتابات على صفحاتهم الشخصية.
مارست العمل الصحفي في العراق منذ العام 2003 وحتى الان، ما زالت تواجهنا تحديات وصعوبات، وتنقصنا الكثير من القوانين، لكننا نقول مالا يقوله غيرنا في اغلب الدول العربية والعديد من الدول العالمية، وننتقد اغلب السلطات والشخصيات بحرية تصل حد التهور والانفلات احيانا، وندخل مواقع رسمية وحكومية لا يسمح لزملائنا في الدول الاخرى الوصول اليها، نعم هناك جهات نخاف منها ونخشى سطوتها، لكن ليس وحدنا من نخشاها، بل يخشاها الكثير من العراقيين، ليس بالضرورة ان تكون هذه الجهات جماعات مسلحة، فقد تكون حزبا او عشيرة او عائلة او مافيات فساد او تجار مخدرات او غيرهم.