24 Feb
24Feb


في الحديث عن جمهورية الامام الخميني نواجه وعيا مهما في البواكير الأولى من تأسيس مشروع الثورة الإسلامية يشرف على فضاء شمولي للنهضة ويستدعي كل التاريخ والموروث العقائدي والروحي والفقهي والسياسي والفكري الشيعي ويراهن على الوعي الاجتماعي وذهنية الامة في مواجهة التحديات التي تقف في طريق الثورة الإسلامية.

شكل انكفاء ثورة 15 خرداد عام 1963 ارتدادا في الوعي السياسي الذي ينطوي على سلوك فكري عميق يبتعد عن الظهور السياسي الاحتجاجي الذي ظهر صارخا في 15 خرداد لكنه سيمهد الطريق لاحقا الى ثورة شاملة تحقق اعلى نسبة من الحضور الشعبي في الشارع وتستخدم معيار العمل وفق القيم الموروثة في الثورة وتكسير إرادة الاستبداد السياسي وتستلهم روح الامام الخميني قاعدة لاستمرار التظاهر والرهان عليها لتحقيق مكاسب تأسيس النظام الإسلامي .

واصل الامام الخميني رحلة البحث عن خيارات استمرار الثورة في القاعدة الجماهيرية الاوسع في المجتمع الإيراني من خارج فضاء الواقعيات الإيرانية بالمحاضرات الفقهية والفكرية وكتاب الحكومة الإسلامية الذي لخص حضوره السياسي في المنفى النجفي بعد استقراره قادما من تركيا الاتاتوركية.

شكل كتاب "الحكومة الإسلامية " الذي القى الامام محاضراته في جامع الترك في الستينات على عديد من الطلبة العراقيين والإيرانيين إعلانه السياسي عن انبثاق عصر " الجمهورية الإسلامية " في زمن الغيبة وليس الانهماك في الاجتهاد بهذا الباب الفقهي بغية اثبات وجود دولة في زمن ماقبل ظهور الامام المهدي "عج" .

كان هدف الامام الخميني " رض" من الإعلان عن محاضراته الفقهية اثبات وجود مشروع سياسي قادم بعد 15 خرداد عام 1963 يستهدف تحقيق انتصار سياسي إسلامي في العصر الحديث يتحدى الكانتونات السياسية القائمة وإظهار قدرة الامة في الذهاب الى اختيار الإسلام نظام حياة وخيار سياسي لمواجهة التحديات المختلفة في الرؤية للإنسان والحياة وإدارة الدولة وتحقيق الاستقرار المجتمعي .

لذلك نقول بان محاضرات الامام في الحكومة الإسلامية كانت دروسا في التأهيل السياسي والحركي على طلبة الحوزة العراقية في النجف وظهور مرجع إسلامي منفي مثل الامام الخميني يلقي محاضرات في الدولة الإسلامية المعاصرة ويعبر عن راي مختلف إزاء التصور الفلسفي للاسلام ومبانيه ومفرداته الإنسانية وقدرته على إدارة الدولة وصناعة سياج منيع من المقاومة الذاتية إزاء ما يحاك في الخارج من تحديات ومؤامرات ومخططات تستهدف الإسلام السياسي الخميني لكن هذه المحاضرات كانت في ايران تفعل فعلها الحقيقي الذي يترجم محاضرات الدولة قواعد محورية في بناء الثورة وفي تهيئة الظروف الاجتماعية والسياسية وتسعير حدة الحماس الاجتماعي والذهاب الى الثورة ضد الشاه ويدعو الى الحكومة الإسلامية وضرورة قيامها وليس العمل على ثورة تحمل عنوان الإسلام المجرد عن التوصيف الحركي وبناء الدولة .

من هنا لم يواجه الامام الخميني وهو في منفاه الفرنسي عام 1978 صعوبة في توظيف البعد الشعبي واستثمار الوعي بالحكومة الإسلامية في الاستمرار على ذات النهج السياسي الذي أسس 15خرداد واطلق العنان للتظاهرات الشعبية وترك بصمة واضحة في مسار الاحداث السياسية في ايران .

وما بين نهاية حركة 15 خرداد واستمرار الاحداث الدموية عام 1978 وانتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط عام 1979 يمكن رؤية المسار التدريجي لحركة المفهوم الثوري الذي جسده الامام في دعوته للتغيير السياسي منذ بواكير شبابه وشباب الثورة وانتصارها في شباط 1979 وهو مسار اتخذ من الإسلام قاعدة للانطلاق والنهضة ومن فكرة العمل على تأسيس دولة للاسلام مخرجا لمسار استشهادي اوغل فيه الشاه بالدم الإيراني لمنع تدفق هذا الوهج الشعبي وارادته وعنوانه الإسلامي.

لقد تحول الكاسيت الى ثورة في الشارع الاجتماعي الإيراني سميت بثورة الكاسيت .. هذا الكاسيت الذي كان يحمل بيانات وخطابات الرجل الثمانيني الى شعبه وامته وفيه ترجمة حية بخلفية من الارتدادات الموروثة على المستوى المحلي والاسري والثوري الخاص بعائلة الامام الخميني والموروث التعسفي للسياسات المستبدة في التاريخ العربي والإسلامي وما يمكن ان يشكله هذا النسيج المتشابك من الموروثات والمتشابهات في التاريخ وتفاعلات شعبية ساهمت بقوة في صناعة جيل ثوري لايتنازل عن خيار الدعوة الى قيام الدولة الإسلامية حتى لو قتل الامام الخميني او دس اليه السم في زمن كانت فكرة الدولة الإسلامية قد أكملت دورتها الحضارية في الشخصية الإسلامية الإيرانية وتحولت الى خيار وجود وحياة ودولة وعقيدة راسخة في مواجهة مشاريع "الدولة" التي كانت تحكم نصفي العالم آنذاك الولايات المتحدة الرأسمالية والاتحاد السوفياتي الروسي السابق.

لقد انتهى الامام الخميني من تأسيس الخمينية المعاصرة قبل انتصار الثورة الإسلامية بعشر سنوات يوم انتهى من تحويل الكاسيت الى رواية وطن محكوم بالثورة والإسلام والحضارة الإسلامية.

اكبر دليل على هندسة الانتهاء من هذا المشروع مستوى النضج السياسي الذي رافق تأسيس الدولة وتجربة الانتخابات النيابية والمحلية وحرية الصحافة ومساحة الحريات السياسية والفكرية والاهم من ذلك تجربة التصدي الحازم وسنوات التحدي الكبير الذي رافق الحرب الإيرانية – العراقية وكيف استطاع الامام الخميني "رض" توظيف المادة الإسلامية وتفاعل الشعب الإيراني مع ينابيع الثورة الإسلامية والتحام الشارع مع الامام وقيادته ومشروعه وشخصيته الصادقة الى عنصر جاذب لجبهات الحرب والمشاركة في التصدي للعدوان وستبقى تجربة الثورة وشعبها وهما يواجهان العدوان البعثي نافذة مفتوحة للباحثين والمشتغلين في مجال التاثيرات الشاملة التي تركتها الثورة في ايران على شعب حورب منذ بدايات انتصار ثورته وحوصرت تجربته من قبل السياسة الدولية لكن هذا الحصار والحرب لم يتمكن من اركاع الثورة او احداث تأثير عمودي في الفكر والمشروع والمواقف والقرارات الشعبية وتاييدها للثورة.

ان الامام الخميني معجزة رسولية جاهزة منذ اليوم الأول لوجوده في صناعة زمن إسلامي مختلف يستطيع فيه المسلمون والشيعة بشكل خاص صناعة زمنهم الخاص بعيدا عن سياسات التبعية والالتحاق بركب الاستكبار الدولي.

ان الدولة الإسلامية التي دعا اليها الامام الخميني وصوت الإيرانيون على سيادتها ونظامها سياسيا واقتصاديا ومحورا في الثورة على الاستكبار العالمي فقه يتحرك ورؤية متجددة تواكب الحياة وتستقر في النفس روحا إسلامية في السلوك الفردي والاجتماعي لكنها لاتلغي الاخرين في تطلعاتهم القومية والدينية الأخرى .. وفي الذاكرة الشخصية التي كانت قريبة من وهج الثورة قبل 30 عاما من الان انفتاح على القوميات الإيرانية في الداخل واحترام دستوري كبير لاصل الأديان.

كما انها رؤية إنسانية تتلاحم مع الثورات وحركات التحرر وتقف معها وتتبنى قضاياها على أساس المشترك الإنساني ووحدة المشاعر الثورية وتقدم كل الدعم والاسناد لها في معركتها الوجودية .. ان الثورة الفلسطينية هي المحور الاستراتيجي ومركز الصراع والهم التاريخي للثورة وقد اكدت الثورة انها ام لكل الحركات والأحزاب الفلسطينية ودفعت وتدفع ثمن الوقوف الصادق مع الثورة الفلسطينية ولعل الصراع الحاد مع إسرائيل ومسلسل التفاعلات الأمنية والعسكرية الذي يستمر بوتيرة عالية بين طهران وتل ابيب يرجع الى ثبات الثورة على قيم المواجهة وقتالها الابدي لاستعادة فلسطين كل فلسطين .

لقد مثل الامام الخميني "رض" المرجع النوعي الذي طوع الفقه الإسلامي والموروث الثوري الشيعي وقدم ادواته المعرفية واجتهاداته السياسية المعاصرة من خلال الدعوة الى ولاية الفقيه وكيف يمكن ربط الدولة في الإسلام بإرادة ولي الإسلام القائم على وعي الضرورة التاريخية والاستلهام من الموروث وقواعد الاستنباط ما يدعو الى بناء دولة على أساس الإسلام وتوسيع دائرة الدعوة لتشمل الثورة على واقع السياسة الدولية القائمة على استعباد الناس وانتهاك حقوق الانسان والابادة البشرية على أساس توسيع مناطق النفوذ .

الخميني كما قال الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل رصاصة انطلقت من القرن الأول واستقرت في قلب القرن العشرين.

وانا أقول .. ان الامام الخميني هبة ربانية انطلقت في القرن العشرين واستقرت في قلوب الملايين ولن تهدا ثورتها في الضمير الإنساني حتى قيام الساعة .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن