شاكر حامد
مرّت العلاقة ما بين الإعلام والسلطة عبر الحقب التاريخية ما بين الشد والجذب فتارة تحدث علاقات ودية ما بينهما وتارة تحدث عمليات طلاق وتارة تفترس السلطة الإعلام وتارة تحاول اختطافه تمهيداً لإخضاعه والسيطرة عليه، لكن هذه المراحل لا يمكن تعميمها من منطلق أنّ نضال الإعلام وانفصاله عن السلطة في المجتمعات الغربية وضع حدّاً لهذه العلاقات أما في عالمنا العربي فما زالت العلاقة غير سوية ما بين الإعلام والسلطة وما زالت السلطة تهيمن على الإعلام بل والمجتمع بأسره سواء بفعل الإرث العائلي أو السطوة الدينية فخضوع الإعلام للسلطة هو جزء من خضوع المجتمع برمته، فعندما يخضع الإعلام للسلطة تخضع الثقافة ويخضع الفكر وتغيب الإرادة الشعبية ويخضع البرلمان ويخضع القضاء يعني أنّ المجتمع انتهى وعلى ذلك لا يمكن أن تسمي هذا المجتمع في دولة ما مجتمعاً.
هل هناك أوجه تعاون ما بين الإعلام والسلطة ؟
أنّ السلطة هي القوة أو القوى التي تهيمن على جماعة بشرية وتدير شؤونها بصرف النظر عن تعدد أشكال هذه السلطة وتنوع تصنيفاتها ومستوياتها أو اختلاف أيديولوجياتها، بينما الإعلام هو تبادل المعلومات والأخبار والآراء داخل المجتمع الواحد، ومن هنا وفي صلب الحديث عن العلاقة ما بين الإعلام والسلطة لابدّ وأن نسلط الضوء على إشكالية العلاقة ما بينها حتى نصل إلى تشخيص هذه العلاقة. أبرز الإشكاليات ما بين الإعلام والسلطة إنّ السلطة نشأت قبل الإعلام بينما رأى آخرون أنهما نشآ مع بعضهما البعض، وانّ الإشكالية ما بينهما نشأت تاريخياً من خلال سريان عملها وخاصة عندما اتجهت السلطة إلى الهيمنة والسيطرة على شؤون الجماعة ومن بين ما هيمنت عليه هو الإعلام. إذن يقول الكاتب الأردني " بسام المشاقبة " ( أن السلطة والإعلام نشئا مع بعضهما البعض لكن مرحلة الافتراق بدأت منذ أن جنحت السلطة إلى الهيمنة والسيطرة على المجتمع ، والإعلام هو جزء من المجتمع والسبب هو تبرير شرعية السلطة ولذلك بدأت العلاقة ما بينهما بداية غير متكافئة فالسلطة تريد إثبات ذاتها سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة والإعلام وظيفته منح الشرعية على تصرفات السلطة فقط وتبرير سلوكها ) أي على الإعلام أن ينحني أمام سجادة السلطة ويسجد أمامها معلناً الولاء والطاعة لكي ينعم بقداستها ويتحول أمام حضرتها إلى بصمجي لتثبيت شرعية السلطة ويمكن توضيح ذلك من خلال قراءة قوانين العلاقة ما بين الإعلام والسلطة.
قوانين العلاقة بين الإعلام والسلطة:
يمكن إجمال أبرز القوانين التي لها دور مباشر في العلاقة ما بين الإعلام والسلطة وتتمثل فيما يلي: القانون الأوّل: وجود ارتباط وثيق ما بين وجود سلطة مطلقة في مجتمع ما وبين قيام الإعلام في هذا المجتمع بدور الأداة التي تبرز وجود هذه السلطة وتدعم شرعيتها وتذود عنها ضد خصومها ومنافسيها وبذلك يتحول الإعلام من إعلام بمفهومه الحقيقي إلى دعاية. ترى ماذا نعني بالدعاية؟ الدعاية هي فن التأثير والإقناع والإغراء والإيحاء والترغيب الحسي الذي يمارسه الداعية والسياسي لغرض أن يتقبل غيره بالقناعة الفكرية ووجهات نظرة وآراءه وأفكاره وأعماله سياسياً وعسكرياً واقتصادياً والدعاية أنواع: منها البيضاء والسوداء والرمادية وأخطرها على الإطلاق الرمادية. القانون الثاني: وقد تمّ تطبيقه خلال القرون الوسطى حتى بزوغ حركة التنوير والثورة الصناعية وبروز الحركات الديمقراطية حيث جرى تحول في العلاقة ما بين السلطة والإعلام عندما تحولت السلطة من سلطة مطلقة إلى سلطة مقيدة تنبع من الإرادة الشعبية وقد ترافق ذلك مع بداية ظهور وسائل الاتصال الجماهيري والانتقال من مرحلة الاتصال المباشر وهذا الدور شكّل نقله نوعية في تاريخ العلاقة ما بينهما من خادم للسلطة إلى أداة لنقد السلطة ومراقبتها ومحاسبتها. القانون الثالث: حيث انتقل الإعلام في هذه المرحلة من أداة في يد سلطة واحدة وإنما أداة في أيدي سلطات أخرى متعددة في المجتمع بحيث لا يقتصر دور الإعلام بالدفاع عن السلطة الحاكمة وإنما ليكون أداة للسلطات الأخرى في نقد ومراقبة السلطة الحاكمة ومحاسبتها. وهذا بالطبع يقودنا إلى موضوع فرعي هو أنماط الإعلام حيث ظهر خلال المسيرة التاريخية للمجتمعات البشرية نمطان من الإعلام أوّلهما الرسمي وثانيهما المناوئ والمعارض للسلطة.
وكان الإعلام السائد هو إعلام السلطة بينما الصوت الخافت والضعيف هو الإعلام المناوئ للسلطة فهو إعلام مغلوب على أمره.
العراق وعبر كل حقبه السياسية لم يكن فيه اعلام مستقل بإستثناء سنوات قليله في حكم عبد الرحمن عارف حيث كانت هناك صحفاً مستقلة ، وايضاً في السبعينيات كان هناك حراكاً سياسياً بسبب قيام الجبهة الوطنية العام 1973 ، حيث كانت صحف الأحزاب تتنافس فيما بينها ( صحف الثورة، طريق الشعب ، التآخي ) وكان طلاب الجامعات يقرؤونها بحرية لكن هذه المساحة لم تستمر طويلاً ليبدء النكوص الحقيقي مع بدء الحرب العراقية الإيرانية التي سُخرت فيها كل امكانيات البلاد مما جعل النظام يفرض سيطرته المطلقة ، وبعدها عقد التسعينيات الذي هو من أسوء العقود التي مر بها الشعب العراقي ، كان عام المجاعة بعد حماقة النظام بغزو الكويت ، هذا العقد الذي انطفئت فيه شعلة الثقافة بكل مجالاتها ، بسب الضيق والعوز والرقابة السياسية المشددة حتى ظهرت فيه على سبيل المثال ثقافة الإستنساخ للكتب ومنها كتب المعارضة التي راح ضحيتها الكثير من الشباب في السجون !
وبسبب السلطة الشمولية المطلقة والحديدية لم يجد الإعلام المناويء مكاناً له في الداخل بل كان يعمل في الخارج وبوسائل ضعيفة وغير مؤثرة على طيف واسع من الجماهير لتشكل قوة ضغط على هذه الأنظمة الشمولية التي سيطرت على منافذ دخول الإعلام المعارض من خلال مراقبة المطبوعات الوافدة والتشويش التقني المبرمج على الإذاعات التي تبث عبر الحدود وخاصة فيما يتعلق بالعراق فهي تبث من الرياض وعمان وطهران و دمشق ، وايضاً وبسبب عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي وضعف تقنياته عما هي الآن ، لم يكن وسيلة بديلة او مؤثرة آنذاك بل ليس لهذا وجود مطلقاً ، أن هذه الوسائل لو كانت موجودة بتقنياتها الحالية لكان نظام صدام حسين قد هوى وسقط منذ العام 1991 بعد الانتفاضة الشعبانية وماجرى فيها من انتهاكات وقتل وكذلك ظروف الحصار الضاغطة كان يمكن أن تشكل هبة جماهيرية لرفض هذا النظام واسقاطه من خلال نشر المقاطع الفيديوية للأحداث الدامية والبيانات والتصريحات المناوئة كما حدث في الربيع العربي الذي قاد الى ثورات في تونس وليبيا وفي مصر لاحقاً .
نخلص إلى أنّ السلطة سعت إلى امتلاك الإعلام وكذلك المعارضة تسعى إلى امتلاك الإعلام وعندما تمتلك المعارضة السلطة تحول الإعلام المقاوم إلى إعلام رسمي وهكذا دواليك أي تبدأ عملية تبرير شرعية السلطة والتنديد بالمعارضة ومن هنا فإنّ التطور الذي تحقق للإعلام جاء بسبب التطور التكنولوجي في مجال الإتصال وساهم في التعددية السياسية في المجتمعات الغربية وقد أدى تطور وسائل الإعلام إلى الطابع المؤسسي الضخم لوسائل الإعلام نفسها واستقلال الإعلام عن السلطة وفي مرحلة لاحقة لم يكتف الإعلام بأن يكون مستقلاً عن السلطة بل أصبح سلطة كباقي السلطات رقيباً عليها. القانون الرابع: أي وجود علاقة وثيقة بين التطور الحديث في تكنولوجيا الإعلام ونمو الطابع المؤسسي للإعلام والتعددية السياسية في المجتمع الديمقراطي وبين تزايد استقلال وسائل الإعلام عن السلطة وانّ الارتباط بين كلّ من الطابع المؤسسي المستقل لوسائل الإعلام سيؤدي إلى تحول الإعلام كسلطة مستقلة قائمة بذاتها من سلطات المجتمع الديمقراطي الحديث ويمكن تلخيص هذه القوانين على النحو التالي "انّ النظام الإعلامي في المجتمع ليس سوى تعبير عن النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد في هذا المجتمع".
شقٌ آخر اتطرق اليه : هل كان هناك تخادم بين الإعلام الخارجي والسلطة ؟
نعم هذا التخادم موجود وعملت عليه الأنظمة العربية ذات الحكم الواحد حزبياً و عائلياً وذلك من خلال غدق الأموال على المؤسسات الصحفية والإعلامية في الخارج او شراء وتأسيس صحف ومجلات
من قبل المخابرات وبغطاء عربي لأسماء صحفية معروفة كما حدث في باريس حيث قام نظام صدام حسين بإطلاق مجلة "كل العرب " ومجلة "الوطن العربي ) و " الطليعة العربية ) .
كما كان النظام يهيمن على المؤسسات الصحفية الكويتية هيمنة كاملة الى الحد الذي يضع وزير الإعلام العراقي لها العناوين الرئيسية ، اضافة الى اقامة المؤتمرات والمهرجانات والتجمعات للصحفيين والإعلاميين والمثقفين والأدباء في بغداد وخاصة الحرب في العراقية الإيرانية خلال ثماني سنوات .
هل هناك تخادم بين السلطة و الإعلام الخارجي الذي يعمل في العراق ؟
نعم يوجد تخادم على اساس المصالح المشتركة ( الخادعة ) !! وكما اشرت سلفاً بأن السلطة المطلقة بيدها كل شيء ، فلا أحد يتحرك عكس هواها ، مانحة خيطاً من حرية التصرف طالما أن الرسائل لهذه الفرق الإعلامية غير مرئية في الداخل بسبب القيود على الإستقبال الفضائي ، وفي الوقت نفسه فان الجهات الرقابية تضع حركة الصحفيين العاملين شبه مقيدة بلوائح من التعليمات التي يعتبر تجاوزها بحجم التأثير السياسي المعارض .
* بحث مُقدم الى جامعة بغداد ، كلية الآداب