04 May
04May

كتب : نضال العياش 


في عام 1818 نشرت الروائية الإنكليزية ( ماري شيلي ) روايتها فرانكشتاين أو إله النار ، وخلاصتها ، أن طالباً ذكيّاً ( فيكتور فرانكشتاين )  تمكّن من ايجاد معادلة خلق منها كائناً ضخماً بشعاً وشرّيرا ً، فقد السيطرة عليه لاحقاً ، ثم توقف عن خلق أنثى له كي لايتسبب في ايجاد جنس قد يدمّر البشرية ..

وكان على علماء التكنلوجيا أن يحذو حذو فرانكشتاين ويتوقّفوا عن تطوير التكنلوجيا الى مافاض عن حاجة الإنسان البدنيّة والنفسيّة ، ففي العشرينات والثلاثينات والأربعينات ، كانت السينما والتلفزيون والراديو والهواتف والطباعة والتكييف والسيارة والطائرة والماكنات الزراعية والنفطية والأجهزة الكهربائية والعديد من الأجهزة الخاصة بالقلب والعيون والأشعة وغسيل الكلى وغيرها .

وقد شاهدت تقريراً عن أولمبياد برلين 1936 في العهد النازي ، ذلك المهرجان الذي شهد امكانيات متطوّرة على مستوى التكنلوجيا والبناء والتقنيات الإعلامية والتنظيم المتقن غير المسبوق ، من هذا التقرير وسواه قلت لنفسي : لقد كان على التكنلوجيا أن تتوقّف عند ذلك المستوى الذي حقق الوسائل الأساسية التي تغطي حاجة الإنسان ولو نسبيّاً ، بدل هذا التغوّل التقني الذي يكاد يسحق الإنسان ويعطّله تعطيلاً كاملا .. 

سيقول قائلٌ إن التقنيّات القديمة كانت تشوبها نواقص كثيرة سيّما في المجال الطبّي ، وأقول نعم لكن الإنسان كان متكيّفاً مع هذه النواقص ببعض البدائل ، والإنسان بطبيعته لايحتاج مايجهله ..

بدأ الخطر  في اختراع السلاح الذرّي الذي رهن مصير الحياة الى زرٍّ غبي قد ينفلت في أيّة لحظة وتحت أيّ حساب ، ثم تطوّر في اختراع الحاسوب وأجياله التي اجهزت على الجهد البشري الذي لم يكن يحتاج لأكثر من الآلة الطابعة لآداء وظيفة الكتابة بالسرعة والتنظيم ، ثم كانت الذروة في اختراع الأجهزة الذكية والذاكرات الألكترونية الهائلة ، وبرامج التحديث والتهكير وظهور العولمة … 

هذه التكنلوجيات هكّرت الدول والمجتمعات ثم استفردت  بالإنسان لتستبيح تفاصيله كلَّها  وتخضعه لمشيئتها ، وهكذا نحن ماضون الى عالم بلا أسرار ولا خصوصيات ولا فروقات فردية ، وتهدّده بأكثر من ذلك الى مالايمكن تصوّره أو استيعابه ، وهذه التكنلوجيا الذكيّة هي التطبيق  الواقعي لأسطورة مخلوق فرانكشتاين ،  فاذا كانت الرواية قد تمكّنت من ذلك المخلوق المدمّر وأوقفته وتحكّمت في مصيره ، فمنذا الذي سيوقف هذا التوحّش التكنلوجي الذي سهّل كلَّ شيء الى حد الابتذال والمجّانية والذي  يهد؟د البشرية بأكثر مما كان يهدّدها ذلك وحش فرنكشتاين   ..؟

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن