17 May
17May

محاضرة الدكتور خالد المعيني

لا شك أن مفهوم السيادة في العقود الأخيرة قد تعرض إلى كثير من الغموض والضبابية وأصبح أكثر رمزية وضبابية مقارنة بالقرن الماضي أو الذي قبله على سبيل المثال عندما اقترن بنشوء الدولة القومية

ويقف هناك عاملان خلف هذا التغيير، الأول هو تسارع موجات الثورة التكنولوجية  والعامل الثاني تنوع وتداخل شبكة الاعتمادية التبادلية بين الدول بحيث تناقصت قدرات الدول على إمكانية الانغلاق والاعتماد كلياً على نفسها .

تقاس سيادة الدولة تقليدياً من خلال حاصل تفاعل جميع عناصر قوتها المعروفة :

 1 - بالعناصر المادية الملموسة (tangible elements) كالعامل الاقتصادي والعامل العسكري والعامل الجيوبوليتيكي الذي يتألف من عدد السكان والموارد المادية والمساحة والموقع الجغرافي .

2 -  العناصر غير الملموسة (elements intangible)  المتمثلة بطبيعة النظام السياسي والدبلوماسية ومدى وعي الرأي العام ونمط الثقافة والتعليم السائدة . الثورة العلمية التكنولوجية أحدثت نقلة كبيرة في تبدل قيمة ومواقع هذه العناصر التي تربعت على مفهوم القوة لفترات طويلة ،  فقد أزاحت وأضعفت بعضها وضاعفت أخرى وحيدت بعضها ، مما أنشأ لدينا معياراً جديداً لقوة الدول غير ذلك التقليدي ، ومن ثم فإن السيادة كانعكاس لجميع هذه العناصر قد تغيرت بدورها وتآكلت ، وتحتاج كمفهوم إلى  إعادة تعريف جديد بما ينسجم مع هذه التغيرات السريعة التي طرأت على مفهوم القوة والصراع في العلاقات الدولية .

أصبحت الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة تتحقق بقدر ما تحوزه الدولة أو يتيسر لها من إمكانيات تكنولوجية ومعرفية يوفرها التقدم العلمي في شتى المجالات ، ولم تعد الحدود السياسية والجغرافية كما في السابق صعبة الاختراق بل أصبحت أقل صموداً أمام أدوات التقدم التكنولوجي الخلاقة وغير المتوقعة في عالم الاتصالات والمواصلات عن بعد .

أيضاً من الجدير بالذكر الإشارة إلى إن هناك فرقاً بين السيادة بمفهومها القانوني والسيادة بمفهومها السياسي ، بعض الدول تتمتع بالسيادة القانونية والسياسية معا ، في حين هناك دول أخرى وعلى الرغم من امتلاكها السيادة القانونية لكنها تفتقر إلى السيادة السياسية التي تعني عدم امتلاكها أي وزن حقيقي في سير التفاعلات الدولية وعدم القدرة على صياغة سياسة خارجية مؤثرة .

ما معيار تصنيف الدول حالياً حسب عناصر القوة الجديدة ؟

في أدبيات العلوم السياسية المعاصرة يمكن تصنيف دولة ما على إنها عظمى أو دولة كبرى أو دولة عادية أو دولة هامشية ، وفق معيار امتلاكها لأضلاع مثلث القوة ، إن الدولة التي تمتلك أضلاع مثلث  القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة التكنولوجية ، تعد قوة عظمى ، وهكذا من تفتقر لأحد الأضلاع تُصنف دولة كبرى نزولاً إلى الدولة الهامشية الضعيفة .

آليات صياغة المصالح الوطنية العليا

هناك مدرستان في كيفية تحديد أولويات المصالح العليا ، الأولى تقوم على مبدأ ( سيادة الشعب ) وتعني تجزئة السيادة على أفراد الشعب باعتباره مصدر السلطات ، والمدرسة الثانية تقوم على مبدأ ( سيادة الأمة ) وتعني أن السيادة شخصية معنوية تخص الأمة ككل منفصلة عن مصالح  الأفراد ، وهناك مدرسة ثالثة وسط تقوم على ضرورة الموازنة بين مصالح الأفراد وبين مصالح المجتمع ككل .

من هنا يمكن الانطلاق في عملية فرز الثابت والمتحول ، بين مصالح ثابتة غير قابلة للمساومة تتعلق بمصير ووجود العراق ولا تقبل القسمة مع أحد وبين المتحرك والمتحول من مصالح ثانوية وفرعية بالإمكان التعامل معها في سياق نظرية اللعبة غير الصفرية بين الأطراف العراقية كافة .

في بلد كالعراق في ظل معطياته الحالية غير المستقرة والمضطربة ، لا يمكن اعتماد نفس المعايير النظامية السائدة في بقية دول العالم المستقرة والهادئة ويحكمها نظام المؤسسات .

تصميم أولويات الثابت والمتحرك من مصالح العراق العليا كانعكاس لحجم وأولويات المخاطر والتهديدات الحالية التي يتعرض العراق لها المصالح العليا للعراق :

 أولاً - دراسة حجم التهديدات والمخاطر في المرحلة الحالية وتحديد أولوية المصالح العليا والثانوية على ضوء ذلك

ثانياً – دراسة الأهداف المشتركة التي تقبل القسمة على أكبر عدد من شرائح المجتمع العراقي ومن شأن إنجازها تحقيق أوسع منفعة وخدمة مشتركة بين أبناء الشعب العراقي في هذه المرحلة .

في حالات الاضطراب والفوضى والانقسام المجتمعي الحاد وانعدام الثقة ، فإنه ليس بالضرورة أن تكون مؤسسات السلطة هي الجهة الوحيدة القادرة على رسم هذه المصالح لاسيما عندما تفتقر هذه المؤسسات للمشروعية الكافية التي تؤهلها للقيام بمثل هذه الخطوة الفاصلة في تاريخ العراق التي من شأنها تحديد بوصلة الدولة والمجتمع ، فعندما تكون طبيعة النظام السياسي قائمة على المحاصصة و من خلالها يتم النظر للعراق كغنائم ، هل حقا عندئذ يمكن أن نتصور أن تكون مؤسساته قادرة على إدارة حوار وطني أو مؤهلة لصياغة مصالح وطنية عُليا ؟

عليه نجد من الواجب في هذا الظرف الحساس تشكيل مرجعية وطنية تنبثق من رحم حوارات وطنية موسّعة على مستوى النخب والمفكرين والشخصيات وممثلي النقابات ومراكز الدراسات للنهوض بمثل هذا الواجب الذي يتمثل بهدف أسمى وهو صياغة " عقد سياسي وطني " يستجيب لتحديات المرحلة ويكون تحت سقف الدستور طالما هناك صعوبة وشبه استحالة في تعديله حاليا .

عادةً ما تتعرض الدول إلى ثلاث أنماط من التهديدات ، محلية ، كتلك الدول التي تعاني من الفقر والأمية ونقص الموارد الطبيعية وما إلى ذلك ، وهناك دول تتعرض إلى مخاطر خارجية كمشاكل الحدود أو المياه ، في حين هناك نوع ثالث من المخاطر ( المركبة ) التي تعني التقاء مصالح ضيقة لأطراف داخلية ومحلية  مع أطماع دول إقليمية ودولية على حساب مصالح الشعب العليا ومثل هذا التهديد المركب قد يطيح بالدول والمجتمعات لخطورته .

ما التهديدات والمخاطر الرئيسية التي على أساسها يمكن ترتيب مصالح العراق العليا

أولاً - على المستوى الداخلي :

 أ- نظام المحاصصة الطائفية والعنصرية 

ب - الفساد المالي والإداري

ت - عدم فعالية القضاء

ثانيا  على المستوى الخارجي :

 - وقوع العراق على خط تقسيم الصراع الإقليمي والدولي إشكالية السيادة ووحدة المصالح في العراق

وضع هذا الدستور في ظل وإشراف سلطة الاحتلال الأمريكي وجاء فضفاضاً ومفخخاً بنهايات سائبة وحمال أوجه وممثلا لمصالح قوى وأحزاب تغلبت نظرتها الضيقة على مصالح الشعب العليا ، و تم تصميمه ليكون جامداً وغير قابل للتعديل بخلاف معظم دساتير العالم .

تحسب مدى حيوية أو ديمومة أي وثيقة دستورية بمدى قدرتها كبوتقة في استيعاب أكبر عدد من التفاعلات الاجتماعية والسياسية ، بحيث يجد الجميع نفسه مشمولاً ولديه مصلحة في التمسك والحفاظ على هذه الوثيقة لأنها تحفظ حقوقه وتحدد واجباته بعدالة وشفافية ، ولكن في اللحظة التي تجد شريحة سياسية أو اجتماعية نفسها خارج إطار هذه البوتقة عندئذ تتخذ المعارضة شكلاً آخر سلبياً وتدميرياً في أحيان كثير ، وعند مراجعة الدستور العراقي تجده مليئاً بعشرات الألغام التي تجعله موضع شك وغير قادر على إدارة الإختلافات على أنواعها كما إنه يعمّق من الشكوك وهناك نماذج كثيرة تعمّق هذه الشكوك كطبيعة تشكيل القوات المسلّحة في المادة وكيفية تقسيم الصلاحيات الاتحادية بين المركز والأقاليم التي تمهد  .

نجم عن تشوه هوية الدستور العراقي تباين شديد في الرؤى والمفاهيم إلى حد التناقض ، فما  كان يعتبره البعض سابقا "احتلالا" عام 2003 يستدعي طبقا للقانون الدولي مقاومة  أعتبره البعض الآخر "تحريرا" ومن يقاومه يكون إرهابيا مجرماً .نموذج على تداخل المصالح الضيقة والدستور واختراق مفهوم السيادة في العراق .

كذلك يمكن الإشارة إلى سيادة العراق والفصل السابع ، ومنذ دخول العراق باب الفصل السابع وفق القرار 661 في آب 1990 أي منذ 31 سنة إلا إن العراق في واقع الحال لايزال طبقا للقرار 2107 في 27 حزيران 2013 تحت طائلة الفصل السابع اذ تنصلت الولايات المتحدة الأمريكية من تعهداتها في إخراجه من قيود الفصل السابع .

تتعإلى أصوات معظم السياسيين على انتهاك السيادة العراقية من قبل القوات التركية، التي تتذرع بأن القوات العراقية  طالما كانت غير قادرة على حماية حدودها من إنطلاق هجمات وعمليات مقاتلي حزب العمال التركي      ( PKK ) من داخل الأراضي العراقية، فإن لها الحق طبقا للمادة 51 من ميثاق الامم المتحدة في الدفاع عن نفسها ، كذلك فإن المادة 7 والمادة 8 من الدستور العراقي تمنع أن تكون الأراضي العراقية ممراً أو مقراً أو منطلقاً لأية مجموعات إرهابية ضد أراضي دول الجوار . واقع الحال بسبب تعدد مصدر القرار السياسي في العراق وبسبب العلاقة الشاذة بين الإقليم  والمركز فإن حزب العمال المصنف منظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا يحظى وجوده برعاية ودعم أطراف عراقية على حساب مصلحة العراق العليا .

____________________________

* هذه الندوة  .. تحمل عنوان: ( الثابت والمتغير في المصلحة الوطنية ) .. هي استكمال للندوتين السابقتين .. ضمن سلسلة ندوات مترابطة ومتكاملة ومتواصلة.. جرت و كل منها تعتمد على مخرجات الندوة التي سبقتها.. وتتكامل معها.. وصولاً إلى الإجابة على التساؤلات التي أثارها كتاب (أزمة العراق سيادياً ). الندوة ــ بسبب الأوضاع الصحية وجائحة كوروناـ تجري عبر الانترنت من خلال برنامج زووم، وقد بثّت فالندوة  مباشرة على صفحات ملتقى بحر العلوم للحوار وصفحة معهد العلمين للدراسات العليا على الفيس البوك..بتاريخ  16 اذار 2021

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن