23 May
23May

محاضرة الدكتور نعيم العبودي

تعد السيادة من الخصائص المميزة للدولة إلى جانب امتلاكها الشخصية المعنوية، ومن ثم فلا تعد السيادة ركناً من أركان الدولة التي تتمثل بالشعب والإقليم  والسلطة (النظام السياسي). وينصرف مفهوم السيادة بمعناه البسيط والتقليدي إلى أن سلطة الدولة توصف بأنها سلطة عليا ولا يعلو عليها شيء ولا تخضع لأي أحد أو سلطة أخرى. ووفقاً للمفهوم التقليدي للسيادة فإنها تقوم على معنى سلبي ينصرف إلى إنكار كل مقاومة أو قيود على السلطة العامة.  كما عرفها جان بودان بأنها تجسيد لشخص الحاكم الذي يعد جوهر السيادة، ولهذا فإنها تعني سلطة الإكراه والقوة القانونية التي تتمتع بها الدولة، أو ما يعرف بـ (امتيازات السلطة العامة التي تستطيع الدولة بموجيها اصدار القوانين وفرضها على جميع الأفراد المتواجدين داخل حدودها). أما جان جاك روسو فقد عرف السيادة الوطنية بأنها تلك التي يجسدها الشعب بشكل أساسي وهو مصدرها وهو ما أطلق عليه لاحقاً مبدأ سيادة الشعب، اذ يرى إن الإرادة الشعبية هي التي تشكل في الأخير السيادة التي تتمتع بها الدولة.

ويتفق المختصون على أن ظهور السيادة ظهر مع نشأة الدولة الوطنية في أوربا بعد معاهدة وستفاليا 1648،  اذ تكرس مبدأ السيادة التي تتمتع بها الدول داخل إقليمها الوطني دون أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، فضلاً عن تجسيده للقاعدة الدولية التي بموجبها تقيًّم الدولة.

خصائص السيادة

وتتميز سيادة الدولة بالعديد من الخصائص الاتية: أولاً: الأصالة  ثانياً: الديمومة والشمولية وعدم التجزئة.وثالثاً: عدم جواز التنازل عنها. ورابعاً:   إن السيادة لأي دولة تجسد مظهراً من مظاهر الاستقلال الوطني الذي تتمتع به الدولة. وبهذا يمكن القول إن للسيادة مفهوماً قانونياً ومفهوماً سياسياً:

المفهوم القانوني للسيادة يرتبط بالمبادئ التي يقررها القانون الدولي الذي يجعل كل دولة تتواجد في المجتمع الدولي على أساس مبدأ المساواة ودون تمييز.

المفهوم السياسي للسيادة يتصل بالواقع الدولي الذي توجد فيه عدة دول تتمتع بسيادة فعلية وحقيقية تمكنها عند الضرورة من التصدي لأي تدخل خارجي ومواجهة الضغوط الخارجية.

وبهذا يتضح وجود نوعين للسيادة هما السيادة الداخلية والسيادة الخارجية.
وقد كان للفقيه الفرنسي (جان بودان) أثر كبير في ظهور مصطلح (السيادة) في كتابه الشهير الصادر عام 1576 المسمى (الكتب الستة في الجمهورية)، وأرسى النظرية العامة والمتكاملة لمفهوم السيادة. ولقد تم التأكيد على مبدأ سيادة الدول والمساواة بينها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945.

السيادة متغير وليس ثابتاً

وبناءً على ما تقدم تعد السيادة الوطنية من المتغيرات، وليس من الثوابت، بعدّها عنصراً بنائياً أساسياً اقترن بظهور مفهوم الدولة، وتكرس بشكل أوضح ضمن المفاهيم القانونية والسياسية حينما ارتبط عضوياً بمفهوم الدولة الوطنية، فأصبح يصنف ضمن أسس الدولة الوطنية بعدها نموذجاً حديثاً للتنظيم السياسي.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد بل يشكل متغير السيادة الوطنية الإطار المحدد لفكرة الحدود الوطنية للدولة، واستناداً للمدلول الويستفالي (نسبة لمؤتمر ويستفاليا سنة 1648) لمتغير السيادة فإن الكينونة القانونية والسياسية للدولة في المجتمع الدولي تتجلى وفقاً لذات المتغير،وينطبق الحكم ذاته بالنسبة إلى الأركان الأساسية للدولة زائد الاعتراف الدولي .غير أنه يلاحظ أن التصور الكلاسيكي للسيادة قد انتهى، وقد أصبح في الواقع الدولي الراهن محل تحول في الشكل والمضمون كمحاولة تفكيكية لمتغير السيادة الوطنية وبالتبعية تفكيك الدول الوطنية، اذ توسع مفهوم السيادة ليجعل الدولة ملزمة باحترام ما يمليه عليها التزاماتها الدولية الناشئة عن عضويتها في المنظمات الدولية والإقليمية، فضلاً عن تدويل حقوق الانسان.

السيادة في الدستور العراقي

ومن هذا المنطلق نجد أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد أكد على السيادة في العديد من المواد، منها المادة (1) التي تنص (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة). وكذلك المادة (5) من الدستور التي تقرر سيادة القانون وسيادة الشعب بعدّها من صور السيادة. فضلاً عن المواد (50) و(79) من الدستور التي تلزم رئيس وأعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء بأداء يمين الإخلاص للوطن بالحفاظ على استقلال العراق وسيادته.
وينطبق الحكم ذاته بالنسبة إلى رئيس الجمهورية وفق المادتين (71) و(67) من الدستور بالنص على اعتبار رئيس الجمهورية يمثل سيادة البلاد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته.

بالإضافة إلى المادة (109) من الدستور التي تلزم السلطات الاتحادية الثلاثة بالحفاظ على السيادة الوطنية. فضلاً عن تطرق الدستور في المادة (8) منه إلى المفهوم الحديث للسيادة المتمثل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فضلاً عن ضرورة احترام الالتزامات الدولية للعراق.

قرار إنهاء الاحتلال الأجنبي

وبناء على ما تقدم فقد بادر مجلس النواب إلى اصدار قراره النيابي في 5/1/2020 من أجل إنهاء الاحتلال الأجنبي للأراضي والمياه والأجواء العراقية، والزام رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة باستكمال المتطلبات اللازمة، ولهذا فإننا ندعو الحكومة إلى الالتزام بهذا القرار النيابي بعده كاشفاً عن السيادة العراقية المقررة بموجب الدستور، وذلك من أجل استكمال بناء المؤسسات الدستورية وترسيخ مبدأ سيادة القانون.

ظاهرة تراجع مفهوم السيادة 

ويمكن القول إن تراجع مفهوم السيادة لا ينحصر في العراق فحسب، بل أصبح ظاهرة عامة في جميع الدول، نتيجة تسارع تدفق مسارات العولمة وثروة الاتصالات، التي أدت إلى الاندثار التدريجي لمفهوم السيادة، التي أصبحت معها قدرة الدولة في ممارسة سيادتها تعد من المسائل النسبية المتغيرة.

عالم اليوم بدون سيادة

ولقد ذهب بعض الفقهاء ضرورة إعادة مفهوم السيادة لمواجهة التحديات التي تنتجها الفواعل الدولية غير الدول كالأسواق المالية والشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية، فيما طرح آخرون أفكاراً راديكالية بالقول بأن عالم اليوم هو عالم بدون سيادة نتيجة شدة الترابط الاقتصادي الذي يميز العلاقات الدولية، مما يجعل مسألة السيادة الاقتصادية دون أي تأثير، ونتيجة أيضاً لتزايد التدخل الإنساني في الشؤون الداخلية للدول، مما يجعل فكرة السيادة السياسية للدول بدون أي أهمية.

تعزيز دعائم الدولة الوطنية

وفي الختام مهما قيل بشأن السيادة الوطنية فإن السبيل الوحيد لمواجهة تداعيات الواقع الدولي الراهن في ظل العولمة يتمثل بتعزيز دعائم الدولة الوطنية بصفة عامة، و تعزيز دعائم السيادة الوطنية بصفة خاصة. وفي الوقت ذاته ندعو إلى إعادة بناء الدولة العراقية الحديثة بالشكل الذي يرتكز ــ في بادئ الأمر ــ على تحقيق السيادة الوطنية السياسية التامة بإنهاء كل مظاهر الاحتلال العسكري الأجنبي بصورة مباشرة على الأراضي والأجواء العراقية. ومن ثم يصار في المرحلة الثانية من مراحل تحقيق السيادة إلى معالجة انهيار السيادة الاقتصادية في العراق في إطار الحد من العولمة وتحقيق استقلال القرار الاقتصادي العراقي.

__________________

* * هذه الندوة  .. تحمل عنوان: ( الثابت والمتغير في المصلحة الوطنية ) .. هي استكمال للندوتين السابقتين .. ضمن سلسلة ندوات مترابطة ومتكاملة ومتواصلة.. جرت و كل منها تعتمد على مخرجات الندوة التي سبقتها.. وتتكامل معها.. وصولاً إلى الإجابة على التساؤلات التي أثارها كتاب (أزمة العراق سيادياً ). الندوة ــ بسبب الأوضاع الصحية وجائحة كوروناـ تجري عبر الانترنت من خلال برنامج زووم، وقد بثّت فالندوة  مباشرة على صفحات ملتقى بحر العلوم للحوار وصفحة معهد العلمين للدراسات العليا على الفيس البوك..بتاريخ  16 اذار 2021 



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن