14 Aug
14Aug

ا.د. عبدالله حميد العتابي *

      اثارت كتابة المذكرات التي اصدرها عدد من ساسة العراق نقاشا محتدما حول اسباب كتابة تجربة ما بعد 2003 ؛ فمذكرات من قبيل تجربة حكم لابراهيم الجعفري ،تجربتي لباقر جبر الزبيدي، السنوات الاربع في قصر السلام لفؤاد معصوم ،الاجزاء الثلاثة بين النيران لاياد علاوي ، رحلة وطن لعمار الحكيم ،تجربة حياة لسليم الجبوري، تساؤلات من مدى دقة تلك المذكرات وموضوعيتها ،وهل كتبت لتبرير الاخطاء والقاء اللوم على الاخر فيما آلت اليه الاوضاع في بلادنا؟

   تتفاوت قيمة المذكرات وتتوقف اهميتها على عوامل عدة ، ولا يمكن التعويل عليها كثيرا كمصدر للتاريخ الا بعد نظرة تحليلية فاحصة ،يتم من خلالها الاحاطة الدقيقة  بشخصية كاتبها وموقعه ودوره في الاحداث ، ومدى التزامه بالموضوعية والنزاهة في سرد مذكراته ؛وهي شروط قد لا تتحقق الا نادرا ، ذلك لان المذكرات ذات طابع اناوي ، ومن المستبعد ان يتجرد الانسان من ميوله القومية او الدينية او المذهبية او الحزبية او  المدينية او العشائرية خلال تدوين تفاصيل الاحداث التي كان طرفا فيها . ولا يخفى ان المذكرات اعترافات وتبريرات واتهامات وتاملات شخصية وذاتية، ليس ذلك نقصا او مثلبة فيها ، بل صفة ملازمة لها، والتي تعكس بصمات الكاتب والزمن الذي عاش فيه .

ما دعاني لكتابة هذه المقدمة فراغي من قراءة كتاب (الثمان الصعبة :عهد نوري المالكي 2006-2014) لعضو مجلس النواب السابق والمستشار الاعلامي لرئيس الوزراء السيد ياسين مجيد والصادر عن دار العارف عام 2003. تألف الكتاب من (560) صفحة من القطع الكبير ، ضم الكتاب في ثناياه (25) فصلا، فضلا عن(185) مبحثا،  واول مالفت نظري وانا اطالع هذا الكتاب الجرأة والعمق التاريخي في كتابته، وتكمن اهميته بوظيفة الكاتب وقربه من رئيس الوزراء الاسبق ، فضلا عن ان المدة الزمنية بين وقوع الحدث وزمن تسجيله ، سمحت للكاتب بتقييم الماضي بهدوء اكثر ، والنظر بموضوعية الى الذات وتمييز المهم عن غير المهم . اذ لم يكتف السيد ياسين مجيد بما اختزنته ذاكرته الذاتية ، بل استعان بوثائق ومصادر اخرى من اجل احياء واستعادة مجرى الحدث في ذاكرته لتعزيز آرائه وتبرير مواقفه .

كشف الكتاب على عديد من الوقائع والحقائق ، ففي فصله الموسوم (ليلة اعدام صدام ) وضح لنا الكاتب تفاصيل تلك الليلة التاريخية في حياة العراقيين ، والتي كان ياسين مجيد احد شهودها ، وهي تخالف التصريحات المتعارضة والمرتبكة التي ادلى بها كل من مستشار الامن القومي موفق الربيعي ، وقاضي التحقيق منير حداد، والتي لم تكن واقعية .فضلا عن تتبعه مبادرة المصالحة الوطنية وخطة فرض القانون ،وشرح لنا خفايا العداء التاريخي بين رئيس الوزراء نوري المالكي والملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز ، علاوة على القاء الضوء عن حقيقة اخفاق وثيقة اربيل بسحب الثقة عن المالكي ، واسرار صولة الفرسان ، وصعوبات مفاوضات سحب القوات الامريكية ،زذ على ذلك ،الفصول الباقية: العراق والعهد الدولي ، المالكي في الامم المتحدة ،مجالس الاسناد ،اتفاقية سحب القوات الاجنبية، الانتخابات المحلية ، المالكي وبوتين ، العراق وعهد اوباما،  قمة الدوحة ،قانون البنى التحتية ،  ورقة معسكر اشرف ،  متلازمة العراق وسوريا، الانتخابات الحاسمة ، نهاية نائب رئيس،  القمة العربية في بغداد ، رافع العيساوي :الاخطاء القاتلة ، احتلال الموصل :الخلفيات والتداعيات ، سليم الجبوري رئيسا لمجلس النواب ، فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية ، واختتم الكتاب بكتابة ما لم يقال عن جبهة الرافضين للولاية الثالثة .

  كان الامتعاض والريبة والتوجس من الامريكيين ؛الهاجس الاول لياسين مجيد ؛ لذا فسراسباب  مشاكل العراق بالاحتلال الامريكي ،ولعله كان مبالغا في ربط معاناة العراقيين بسياسة الادارة الامريكية تجاه بلادنا ، نعم ارتكبت ادارة بريمر اخطاء مازلنا ندفع ثمنها  لغاية آلان، لكن الحقيقة الجلية ان الولايات المتحدة لم تقل للسعودية وسوريا وايران وتركيا والكويت والاردن تدخلوا بالشأن العراقي ، وبمنظوري ان دول الجوار وحتى غير الجوار مثل قطر والامارات قد ادوا دورا تخريبيا في الشأن الداخلي. وان الولايات المتحدة هي من كبحت جماح مسعود بارزاني في الانفصال عن بلاده.وان الولايات المتحدة هي من كافحت الارهاب ،ودعمت المسار الديمقراطي في البلاد.

   قدم لنا ياسين مجيد بلغة الصحفي المتمرس صورة حية عن طبيعة الصراعين الطائفي والقومي بحقائقه بدون تزويق في فترة من احرج ما عاشه العراق في عصره الحديث ، حيث الاقتتال الطائفي والشحن القومي ، وكشف للقارىء الوجه الحقيقي لساسة العراق خلال المدة 2006- 2014 ، بكل طوائفهم وقومياتهم ، وعلى الرغم من اعتقادي ان ياسين مجيد مالكي اكثر من  نوري المالكي  ، الا انه لم يتردد في انتقاد الاخير ووصفه بالغرور في حقبته الثانية ،وقد لا اكون مبالغا اذا ما قلت ان الثماني الصعبة ستكون مرجعا لا غنى عنه للدارس تاريخ العراق المعاصر ،فهو وثيقة حية حبلى بالاحداث.

_________________________

*استاذ التاريخ الامريكي في جامعة بغداد ورئيس قسم التاريخ في كلية التربية للبنات جامعة بغداد

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن