١- إستفاق العالم يوم الجمعة على زلزال الكتروني بشدةٍ عالية على مقياس (مايكرو سوفت) تسببت به شركة (كراود سترايك) بسبب عطل فني ضرب المنظومة العالميةنتيجة محاولات تحديث إحدى برامجها الذي سقط بالتجربة الاولى وبضربة قاضية خلعت قلوب المدن الحديثة..وفعّلت ضجيج الأزقة والمحطات البالية
٢- شركة (كراود سترايك)كما جاء في تعريفها هي(شركة أمريكية لتقنيات الامن السيبراني وتوفر خدمات الحماية من التهديدات السيبرانية واختبارات الاختراق واستخبارات وأمن نقاط النهايات وتتخذ من تكساس مقراً لها وهذه الشركة هي المسؤولة عن تأمين الحماية الالكترونية لشركة مايكروسوفت (الممول الاول للبرمجيات في العالم )ويعمل لدى الشركة ٨٥٠٠موظف ..من أصحاب الذكاء المتميز والحس الامني الرفيع وهذا أحد اسباب الشهرة العالمية والانجاز العبقري لهذا الشركة التي لم يتجاوز عمرها ١٢ عاما
٣- قامت كراود سترايك بتتبع الجهد التقني لكوريا الشمالية و(الهكر الكوري) لمدة عشرة أعوام وبتصادم الكتروني بمستويات ذكاء عالية جداً ولأغراض متعددة من ضمنها الغرض الامني والعسكري وبرامج تقنية خاصة جداً ..وفي عام ٢٠١٦ كانت الشركة هي أول من أشار الى التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية وتم اعتماد تقريرها من قبل اجهزة المخابرات الامريكية ..هذان مثالان على (براءة) الشركة واستقلالية عملها التقني الخالص لوجه العالم الوديع..
٤- النتائج المترتبة على الاعصار الالكتروني كانت على مستوى العالم وبقطاعات متعددة تبدأ من مناجم النفط والغاز الى حركة المطارات ومروراً بالحجز في المستشفيات والسحب المالي من الصراف الالي وتذاكر القطارات والحركة المالية للبورصة والبنوك وخسرت شركة (مايكروسوفت)حوالي ٦٠مليار دولار نتيجة هذا (العطل )العالمي والذي لم يستغرق يوماً واحداًوهو مبلغ يعادل ميزانيات بعض الدول بالاضافة الى الرعب العام الذي أصاب الجميع وهو ينتظر انعكاسات ومديات هذا الانهيار الكبير ..وهو خوف مبرر لحدث اضطربت منه الكثير من الوعود والمواعيد على مستوى الفرد والمجموعات وهنا سجلت عدسات التصوير الكثير من الدموع التي تساقطت على الشاشات من عشاق وأحباب وعوائل تناثرت على خطوط العرض والطول..
٥- دخل الخطأ القاتل الى مراكز البحث والتحليل في أروقة ومكاتب المخابرات والامن القومي للكثير من الدول التي تنبهت الى خطورة تسليم (لحيتها) الى ألواح رقمية تختفي وتظهر بأصابع شباب طموح وفائق الذكاء و (مجهول)الولاء والاهواء والمزاج يمكنه في كبسة زر واحدة ان يجعلها (خارج الخدمة)أو تستسلم لهدنة افتراضية ..وهي تترقب نهايتها التي تطلق الانفاس بعد ان تجمدت في قلوب القلق المتشظي على كل الجهات
٦- كان العالم يفتخر ويتباهى بمصطلح (العالم أصبح قرية) ثم (زقاق) ليصبح بسرعة فائقة (العالم شاشة)وهو فرح علمي مبرر …ولكن يختزن الكثير من الاعراض الجانبية على مستوى الانسان والحياة ليصبح مسؤولا ومرشداً و(موجهاً)..من خلال الانامل الناعمة والاصابع ذات الاظافر الطويلة الملونة التي تصل الى جغرافيا الدول والفرد والجماعات لصناعة رأي عام او عصف خاص ..وتعبث في أحشائها وتدغدغ أعصابها المستقرة في بلاد الفقراء وبيوت الطيبين التي تسترخي للنوم المبكر بسعادة البسطاء
٧- بقى السؤال الذي طرحه العالم ..هل الخلل الذي حدث كان نتيجة خطأ تقني أم هجوم سيبراني بلا جواب ..سوى جواب الشركة الذي أوعز العطل الى سبب فني واكتفى رئيس الشركة بكلمة (آسفون لهذا العطل الفني) الذي أصاب الجميع وبقي حاسوبه سليماً وصاحب الاعتذار بضحكة (باردة )تثير التعجب والاستفهام. ..وهو يرى انفصال الكوكب (الارض)عن شبكتها العنكبوتية ولحافها الالكتروني ..الذي تطاير من هبوب رياح لاتعرف مصادرها..وبقي عارياً ينتظر من يستره ولو بورقة توت ..بعد ان فقد شروط السلامة العامة والخاصة
٨-في بداية الحدث هناك من تسائل عن التزامن بينه وبين زمن (القصف الحوثي)على تل أبيب في ترميز يثير الشك والريبة وهو ربط رغم (غرابته)ولكنه حاول ان يرمي السبب على جهة اخرى في منحى(احتياطي) يدخر السبب الابيض الى اليوم الاسود الذي وشّحَ الشاشة الالكترونية كما وشّح الكيان الصهيوني والذي استبعده الكثيرون ..ولم يهمله المختبر الامني وكتب عليه (للمداولة)نهاية الاسبوع
٩-الدول التي نجت من الهزة الالكترونية لها اسباب مختلفة ومنهاأ-دول تعتمد على أنظمة وبرامج خاصة بها تراعي أمنها القومي ومصالحها من أن تصبح مكشوفة للاخرين ..مثل الصين وروسياب-بعض الدول العربية التي لم تتعاقد مع مايكروسوفت وحتى الدول التي تعاقدت مع مايكروسوفت لم تتأثر بشدة بسبب عطلة يوم الجمعة ..ج-ايران تعمل بترتيبات خاصة بها ومبالغ في سريتها ومحدداتها وهي حذرة في التعامل والاقتراب من كل برنامج (امريكي) وتكاد تعتبره من (عمل الشيطان فاجتنبوه)
د-الهند تأثرت بعض مفاصل الحياة فيها فعمدت الى (الكتابة اليدوية) البطيئة والبدائية في حل اشكالات الطيران وغيرها
هـ- دول متأخرة عن الشاشة الالكترونية في حركتها وعرضها فنامت ليلتها غير مبالية لما يحدث تحت لافتة (المفلس في القافلة أمين)
١٠-هل ستتكرر كارثة الجمعة السوداء..الجواب ليس هناك قدرة على منع التكرار لهكذا حوادث..وستبقى تهديداً قائماً أمام العيون الساهرة على شاشات الحواسيب والهواتف في كل مكان..وسيكون النجاة من تبعات تكرارها بالتحصين العلمي (الخاص) و(الحصري) لكل دولة ..آخذة ً بالاعتبار الامن القومي الخاص بها وأسرار وشفرات أجهزتها وأفرادها المؤتمنة عليها.. وحتى لو لم يكن مقصوداً أو دبر بليل الخميس فالحذر في هكذا مجالات وجوبي وليس خياري ..لأن القضية تتحرك في المجال الامني الذي لايتهاون أمام عالم الاحتمالات العنكبوتية التي تفترش الكرة الأرضية لتغفو عليها ..كان انذاراً جميلاً بطعم القلق والارق ..وهذه حكاية تسافر في مساحات وسماوات مفتوحة ..ولا يحدها الا استسلام أطفالنا للنعاس والنوم على أنغام حكايات قديمة لجدات تنتظر الفجر من حاشية الليل التي تجرها عربات محصنة بأدعية الصالحين ..
عباس الجبوري مجلس النواب العراقي