١- ثابت الدحداح من الطليعة الاولى التي قاتلت تحت راية النبي ص شهد معركة أحد وشاهد هزيمة المسلمين وسمع فرسان قريش تنادي (لقد قتل محمد) فنادى بأعلى صوته (يا معشر الانصار ان كان محمد قتل فإن الله حيٌّ لايموت فقاتلوا عن دينكم ) وكان آخر من قتل في (احد )من المسلمين كما جاءت في معظم الروايات.
٢- الدحداح كان يزحف جريحاًللوصول الى عم النبي (حمزة )بعد ان ترنح من رمية وحشي وعيناه قد أغرورقت بالدموع وهو يصيح حمزة حمزة قبل ان تسحقه خيول القسوة والجهل ففاضت روحه وشفتاه تردد حمزة حمزة.
٣- وائل الدحدوح فلسطيني ولد في غزة عام ١٩٧٠ انتمى الى مهنة المجد (الاعلام)قبل ربع قرن بعد ان سجن سبع سنوات ومنع من اكمال دراسته في كلية الطب و شهد خلالها جولات العنف والقسوة اللئيمة من عدوٍ مستبد ومحتل وكان يتنقل من بيت الى بيت تحت القصف وبين زقاق وزقاق وبين حجرات البيوت المهدمة واصلاً ليله بنهاره في دورة حياة تشبه المستحيل وكان مثابراً على حافة الموت وقريباً من خط الاستشهاد .
٤- في رحلة الطوفان الاخيرة ترك سفينته مترجلاً على تراب غزة متوزعاً بين الخبر والصورة والاولاد والزوجة والسفينة التي أحرقها الصهاينة ومتشظياً بهمومه وهو يرى ما لانرى فيحرص على كتابة المشهد ونقل الصورة على ايقاع الموت الصاروخي الذي يرهق الجبال
٥- الى الان سقطت له بضع كواكب والشمس (وابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم). تكسرت مجاذيفه وتعطلت أياديه وابيضت عيناه وهو يرى نجومه وكواكبه تتخضب بالدم والتراب والرصاص صغرت أسرته فصغر قلبه وكبر همه وزاد أنينه الذي يسمعه النمل تحت الانفاق بعد صلاة الفجر كل يوم فيسبح بحمد ربه ويتعوذ من المتكبرين.
٦- اليوم كان الدحدوح يهرول ليحتضن ولده (حمزة )المترنح من رمية وحشي الجديد ربما كان الدحدوح يتمنى ان يفدي ولده بنفسه وتلك غريزة الابوة النبيلة ولكن سباق الاماني والاقدار قطع الطريق على الوالد واكتفى بالولد شهيداً أمام عينيه فتمتمت شفتاه بما تمتم به الاولون(يا كوكباً ماكان أقصر عمرهوكذا تكون كواكب الاسحار).
٧- (الشهادة )في اللغة تعني الدليل أو البينة أو الحضور اما اصطلاحاً فتعني (إثبات حادثة معينة) من قول او فعل وعرفها آخر بانها (تعبير شفوي يقوم به الشاهد بعد اداء القسم وتعتبر الشهادة (دليل مقنع غير ملزم وغير قاطع)وتكون على ثلاثة أشكال (سماعية ومباشرة وبابتسامه)في الفكر الاسلامي الحركي تعرف الشهادة(أقصر طريق الى الجنة) يتسابق عليه المحبون للّقاء الموعود.
٨- طوفان الاقصى الفلسطيني وطوفان الدم الصهيوني يستحقان الكثير من المقاربة والمقارنة والبحث والتدريس وهما ليسا كغيرهما من أسماء (الطوفان ) هنا الطوفان دماء وجماجم وزوجات وأولاد وأحفاد وخدج وكواكب ونجوم (ومن كلٍّ زوجين إثنين) وربما سبعة وعشرة واكثر وربما (لاتحصوها) من الكثرة او من العجز او الغياب.
٩- معركة أخرى يخوضها الادباء والكتّاب والشعراء لاتقل حماسة وألماً وعاطفة عن معركة الحياة في (غزة) ليعيشوا في أجواء القلق والارق والحسرات لعدم استجابة الاقلام (لحرصهم)على الكتابة او البوح او الانشاد فتتحول الاقلام الى وخزات وربما سكاكين تذبح رقاب (الاصرار)على العطاء والابداع فتتحول هذه الكائنات الحية (المبدعة)الى أنصاف أحياء بعد أن شلت أقلامها عن الرماية والحفر والرسم بالرصاص.
١٠- نحن نرى الان وربما سنرويه بعد الان وستتشابك القصص وتتشارك الكلمات وتتهالك المستندات ويسقط الرماة ويموت الرواة ونعود نختلف في السند والمتن ولايسعفنا جرح ولا تعديل لان القضية لم تكن حكاية فرد او سردية ظلم او قصيدة رثاء أو نشيد حماسة بل هي (نكبة عالم ومجزرة ضمير ونكسة أخوة ومطاحن موت وسيول نار (لاتبقي ولا تذر) (فأصبحوا لايرى الا مساكنهم) وحتى هذه أي المنازل والاطلال لم يبقوهاخشية ان يتغنى بها الشعراء اللذين لم يولدوا بعد من أحفاد ابي الطيب العظيم يوم شغفته المنازل حباً فغازلها(لكِ يا منازلُ في القلوبِ منازلُ
أقفرتِ أنتِ وهنَّ منكِ أواهلُ)
النائب عباس الجبوري عضو لجنة العلاقات الخارجية