١-كان مجرد الاعلان عن موعد خطاب لنصر الله كافياً لفتح بوابة كبيرة على جبال من الاراء والمقالات والتوقعات والاحتمالات والمراهنات وبنوايا مختلطة وخالصة ومعادية من بعد ومن قرب ومن كل حدب وصوب (ومن هب ودب)ومن لايهب ولايدب
٢-قبل ان يمسك نصر الله القلم بيده انهالت عليه ألامطار السياسية بغزارة وتزلزلت الارض بزلازل الوعود والوعيد الغربية وطفحت البحار ببوارج الموت الثقيلة وفتحت النيران ألسنتها لتحرق المزيد من الارواح والوقت والعزم والامال وهي تزأر ليلاً ونهاراً فاتحة أفواه الموت ليبتلع الكائنات الحية والميتة ويحرقها بالمزيد الذي تشتهيه جهنم للطغاة
٣-كان الكل يريد من نصر الله ان يلبي طموحه او يتطابق مع رأيه او يتماهى مع قوله أو يحيل حلمه الى واقعة او نازلة او قاذفة او مسيّرة او صاروخ دقيق او مركبة تطير على اجنحة النصر لتعبر الاسلاك وتتجاوز الحواجز و (تدمر كل شيء بإذن ربها) وكان الانتظار له يختزن الكثير وتغلي في جوفه الاهوال والامال (تغلي وهي تفور)
٤-كانت الامنيات بأعداد المتمنين من المحبين والمبغضين واصحاب الحياد واللاموقف والمنشغلين بتصريف امورهم ونقودهم وساعاتهم في زحمة الحياة والسوق والثرثرة الخالية من الروح
كان كل شيء يتكلم
وكان كل شيء يتهكم
وكان كل شي يحكم ويقضي ويقترح ويرمي بلا وتر ولاقوس ولا قلب وذلك أضعف الايمان (وأفئدتهم هواء) تصرخ بها الريح بصفير الشؤم والفراغ
٥- كان الكل يريد الحرب
وكان الجميع يصمم الحرب على مقاسه او مقاس غيره المعلوم او مقاس المجهول من الناس والعناوين
كان الساهر يقترح بسهرته حرباً وكان النائم يحلم بمعركة ولو بزمن حلمه وكان اللامسؤول يدق طبول حربه وكان (المسؤول )يتمنى الحرب ويتشهى المعركة وكان الكاتب يحضّر مقاله للحرب والشاعر يرتجز القصيدة للمحارب
وكان الجميع يتكلم او يشتهي الكلام عن الحرب على ذراع نصر الله التي مايزال عليها بلل الوضوء لصلاة الايات ليلة خسوف القمر الجزئي الذي تكسرت حافاته حزناً لعيون محبيه ليلة عيد الفطر المبارك
٦-كان الكل لايضع شروطاً للحرب التي يتمناها ولاحدوداًللنار التي يوقدها ولامكاناً لميدانها ولا زمناً لأمدها
وانما الشرط الوحيد لدى الجميع (أن لاتصل النار الى بيته) ولاتحرق ولده ولاتقطع طريقه ولاتغلق دكانه ولاتوقف اتصالاته ولاتهدم تنور الخبز الصباحي ولاتحجب النت عن هاتفه وان لايموت فيها لانه يحب ان يرى النصر بعينيه ويرى هزيمة العدو ويفرح بها
(وتلك نعمة) وبشرى يحبها الجميع بقلوبهم وعيونهم (تعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار)
٧-كان كل شيء يكتظ ويزدحم على نصر الله الذي كتب عشرات القصاصات الورقية ووضعها أمامه وقلّب القلم مرات عديدة وقرب وبعد عن الكتابة ونظر وفكر وسمع ورأى مارأى واستلم الكثير من الرسائل العسكرية والسياسية من الميدان ومن الخارج والداخل ومن تحت الارض ومن السماء التي راحت تودع نجومها عند الفجر فرنا اليها وقلّبّ طرفه وقت اختبائها فردد من شباكه المفتوح (قال لا أحب ُ الآفلين)
٨-كان الكل يريد من نصر الله ان ينتصر ولأسباب بعضها مفهوم وبعضها عقلاني وبعضها عاطفي والبعض الاخر شوقاً واشتياقاً لغائب لم نعيشه من قرون ولفرح لم نتذوقه من أجيال وثأراً لم نرده من اعداء قدامى أشبعونا موتىً وغصة ونكبات (وتلك أمانيهم)
و(ذلك مبلغهم من العلم) العلم العسكري والمدني وفقه الانتصار
٩-ماذا بقي لنصر الله بعد ان حددنا له الخيار الوحيد والطريق الوحيد والهدف الوحيد والزمان والمكان الوحيدين (المضيَّقين) غير القابلين للتأخير ويمكنهما التقديم والتوسعة على سرعة الامنيات الضوئية والصوتية وغيرهن
وتم تحشيد كل شيء على نهاية قلم نصر الذي نشف حبره من غزارة الكتابة والحروف والحماس (ويقولون )
١٠-كان يراقب كل الفضائيات وهي تنقل الدمع والدم والموت والخراب والدخان من غزة وكان يعتصر وعياً وألماً وحسرات وهو يرى البحر والبر والسموات قد تزاحمت بقاذفات اللهب والدمار وهي تحيط بعالم العرب المحكوم بالمترفين غير القادرين على الوقوف من التخمة والبطر بلا أحزمة ولا حدود
١١-كان الكل يعيش (ردة الفعل) وكان الجميع يغرق ببحر الدموع الا هو
الذي قرر ان يقول وان يفعل على توقيت ساعته اليدوية وليس على التوقيت الصيفي او الشتوي او على ساعات الحائط ببطارياتها المنتهية الصلاحية
كان يدري ثمن الموقف وكلفة القرار وكان يتوقع العذل واللوم سيأتي طوفاناً يحمل على ظهره الالم (وكان فرط أذىً) لايطيقه(فرط السكوت) وهو الواقف بين الفرضة والشعيرة (بين جفني الردى) الذي لاينام عناداً للمتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ليلتمس له العذر من بعيد
(لاتعذليه فانَّ العذلَ يولعهُ
قد قلتِ حقاً ولكن ليس يسمعه)
لم يسمع العذل لأن الحب ملأ قلبه وأذنيه لكم ايها العاذلون من قبل الطوفان
النائب عباس الجبوري
عضو لجنة العلاقات الخارجية