كتب : جعفر الونان
منذُ استقلال السودان في ١٩٥٦، وقبعات الجنرلات تأكل كراسي الحكم، وعادة ماتكون سبطنات الدبابات أعمق بكثير من صناديق الاقتراع.
في مساء حزيران من عام ١٩٥٨ اتجهت دبابات الجيش السوداني نحو مبنى الإذاعة لتذيع بيان رقم واحد ولتعلن حكم " البيرية والخاكي " بقيادة الفريق إبراهيم عبود على السلطة والقبض على كرسي السودان بيدٍ من نار.
الأحزاب السودانية تذاكت على الحكم العسكري بعد سبعة أعوام لتمسك الحكم من جديد في ثورة ١٩٦٤ وتذوب البنادق والدبابات وبساطيل العسكر، إلا أنهم اختلفوا وتخاصموا وتصارعوا على المواقع والكراسي واضاعة القرار واهدار الوقت لينظم العسكر من جديد، ولتُحاط الإذاعة من جديد بالدبابات وقعقات الجنود في فجر ٢٥ ايار ١٩٦٩ لتذيع أيضاً بيان رقم واحد وليحكمها هذه المرة المشير جعفر نميري الذي حكم البلاد والعباد تحت خيوط السياط وقباب السجون ومحطات التشريد.
شاخت جباه السودانيين من الجنرال الدموي، فأطاحوه بانتفاضة عام١٩٨٥، وعادت طاولات الأحزاب تحكم لكنها انشغلت بالمناصب والدستور والمؤسسات وغاب عنها أن الحركة الإسلامية تتربص بها وتنتظر سقوطها. وفي ٣٠حزيران ١٩٨٩ قطعت الإذاعة بثها وتوقفت برامجها لتعلن حكم الجنرال المظلي عمر حسن البشير الذي كان حاملاً وطامحاً وطامعاً بحكم الحديد في السودان ومرت التواريخ والانقلابات حتى صراع السودان اليوم.
خلاصة السودان التي تذوقت الانقلابات تلخصت في عدم قدرة أحزابها على استيعاب تطلعات الناس، الناس هم الحكام، نعم فالأنظمة التي تقتنع بها الناس تدافع عنها وتقف إلى جانبها في السراء والضراء، وفي بيان رقم واحد والأنظمة التي تُطلقها الناس تسقط وتتكسر مثل تكسر طبقات الفلين عند اي اصطدام!.