16 Apr
16Apr

كتب : د. راجي نصير

منذ سنوات طويلة، كان لدي احساس قوي يكاد يرقى الى مستوى القناعة، ان ثمة تشابه كبير بين ما يجري في السودان والعراق، على مستوى السلوك المجتمعي، والفعل السياسي، وحتى ما يمكن ان نسميه التخطيط الدولي، على مستوى التدخل والتأزيم، وصولا الى التقسيم، لا سمح الله.

في ايام الجامعة، كان معنا عدد كبير من الطلبة العرب، بينهم فلسطينيون واردنيون وسودانيون وتونسيون ومغربيون ويمنيون وغيرهم، الى جانب الطلبة الافارقة من غير العرب، وكان لطلبة كل دولة اتحاد ينظم عملهم، يختلف في المسمى ويتشابه في العمل، يجري انتخابات مع بداية كل عام دراسي، لاختيار الهيئة القيادية فيه، وكل اتحاد او رابطة يعكس بشكل واخر طبيعة المجتمع والنظام السياسي في كل دولة، فاتحاد الطلبة الاردني مثلا كان يجري انتخاباته السنوية بهدوء وسرعة لا تتجاوز ساعة او ساعتين يتخللها شرب الشاي والقهوة واعلان النتائج، المختلف عن الجميع هي رابطة الطلبة السوداني، فمؤتمرها الانتخابي كان يستغرق ليلتين كاملتين من المغرب حتى الصباح، لدرجة ان الجامعة تستنفر ادارة النادي الطلابي، لمواكبة هذا المارثون السياسي بامتياز حتى مطلع الفجر، وربما نصحو  بعد منتصف الليل في الاقسام الداخلية على اصوات عالية، فنعلم ان احد الاحزاب قد انسحب من المؤتمر احتجاجا، اغلب الصراعات كانت تحصل بين الطلبة السودانيين البعثيين المدعومين من نظام صدام والشيوعيين الرافضين لهيمنتهم مدفوعة الثمن، وفي احدى المصادمات، طعن البعثيون زميلا لهم من اتباع الحزب الشيوعي بالسكين، لكن الجامعة انحازت كالعادة للبعثيين السودانيين، فما كان من الطلبة الشيوعيين الا ان قرروا مغادرة الجامعة والعراق نهائيا، وكان بينهم طلبة في المرحلة السادسة في كلية الطب، لم يتبقى لهم سوى امتحان واحد لنهاية العام الدراسي والدراسة بأكملها، لكنهم اصروا على المغادرة دون اداءه، في دليل واضح وملفت على عمق الانقسامات والصراعات الحزبية والمجتمعية، المغذات في كثير من مفاصلها من الخارج.

كان معي في الغرفة في القسم الداخلي ثلاثة طلاب.. سوداني اسمه محمد.. وفلسطيني من عرب ٤٨ الساكنين في العراق اسمه محمود.. وكردي من كركوك اسمه مصلح كان وعائلته ممن تعرضوا الى الكثير من ظلم النظام الصدامي، في احد الليالي اصطحبني محمد الى رابطة الطلبة السودانيين القريبة من الجامعة، لمشاهدة اوضاعه وما يجري فيه، اول ما لفت نظري في حديقة البيت الواسع الذي استأجروه مقرا للرابطة، وجود مجاميع شبابية من الطلبة والطالبات تجلس على شكل دوائر متباعدة بعضها عن بعض، عرفت من محمد ان كل دائرة تمثل حزبا، وقد يشتبكون احيانا في الجدل وربما العراك. 


اليوم وانا اراقب المواجهات العسكرية في السودان بين الجيش، والرد السريع الذي يمثل بقايا نظام البشير السابق، تذكرت صراعات الطلبة السودانيين في الجامعة ورابطتهم، وتعززت لدي المخاوف والقناعات بالتشابه الكبير بين العراق والسودان، في واقع المجتمع، وطبيعة السلوكيات والانقسامات فيه، وفيما يراد لهما من تأزيم يقود الى تقسيم غير مجهول المصدر والهدف والنتائج.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن