12 Oct
12Oct

إعداد: د. عقيل محمود الخزعلي

تمهید

 في العام (2005م)، وبعد إنتخابي كمحافظ المحافظة كربلاء المقدسة تشرفت بلقاء سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في مكتبه بالنجف الأشرف، وذلك للتزود والإستلهام من توجيهاته الإرشادية القيمة ورؤيته التسامحية الفذة في كيفية التعاطي مع الاحداث والمواقف المحلية والوطنية لضمان تحقيق العدالة والتنمية الشاملة والهادفة الى تحسين جودة الحياة الكريمة للشعب العراقي العزيز وترسيخ المصالح العليا مع جميع الشركاء على أرض هذا الوطن الاستثنائي التليد، حيث كان هذا اللقاء هو حلقة في سلسلة لقاءاتي المتكررة مع مراجع الدين في النجف الاشرف قبل سقوط النظام البائد في العام (2003م) وماتلاه. 

لقد أكرمني سماحته بعظيم أخلاقه وتواضعه اللذين تساوقا مع سمو توجيهاته الرصينة التي إستشففت منها عمق التأصيل الإنساني والوطني تجاه متطلبات الخدمة العامة المستندة الى الرؤية الوطنية الدستورية القانونية وركائز حفظ النظام العام لدولة تكافح من أجل مغادرة براثن الدكتاتورية الغاشمة البائدة ومخلفاتها المسكونة في تلابيب المؤسسات والمجتمع والذهنية العامة، حيث ختم سماحته - بلسان عربي فصيح – بتوجيهي بعبارة تاريخية خالدة مازلت أستشعر صداها في نفسي وعقلي كان مفادها " عليكم بمتابعة مواقفي من خلال أرائي وبياناتي واصداراتي التي أبين بها منهجيتي إزاء ما حدث وما يحدث، ولا تعتمدوا على النقل الشفوي وتصرفات من يدعي صلته بنا إذا ما تم الابتعاد عن تلك المنهجية".

 تأسيساً على ذلك، وبعد ملاحقة للاحداث والمجريات الانعطافية على الساحات الوطنية والاقليمية والدولية والتي مازالت تستولد الكثير من الأزمات والتهديدات والتحديات وأبرزها المستجدات الوطنية والتصعيدات الاقليمية بما يجري في فلسطين ولبنان والانتهاكات الصارخة للكيان الصهيوني ومشتقاته، فضلاً عن ما يشهده الوضع الدولي من صراعات ونزاعات إستقطابية جادة تهدد الوجود البشري وبقاءه واستمراره وتنميته ورفاهه وأمنه وازدهاره ولأننا على مفترقات طرق تستدعي إستنبات منهجية إنقاذية عاجلة تحول دون الإنزلاق الى شفا تصدعات وإنهيارات لا تحمد عقباها و وجوب العمل على إعلان الطوارئ لانقاذ الشعوب والبلدان من المصائر المجهولة والقائمة فأنني أجد أن في التعويل على منهج السيد السيستاني – الوسطي الاعتدالي – يجب أن يكون واحداً من صدارة المناهج التي يجب مقاربتها لمعالجة العديد من الإرهاصات والأزمات والتهديدات التي تداهم أوضاعنا زمكانياً، وان لم تكن هذه المنهجية هي الفريدة فعلى الأقل يمكن استثمارها ضمن منظومة تعدد الأدوار و وحدة الهدف" التي تمثل الناظم العقائدي لاعتقادات شيعة أهل البيت (ع) في أئمتهم الذين مارسوا آليات و وسائل متعددة واتخذوا مواقف مختلفة حسب ضغوطات فقه الواقع ومعطياته، ومقاصد الدين ومراميه اعرف انني لست اول من كتب ولن اكون اخرهم، ولن تكون هذه المقاربة نهاية مطاف للاطروحات التي تتسم بلبل مقاصدها التي تبغي العدالة والأمن الشامل.

 ان المقاربة الاجتهادية الشخصية هذه لا تمثل أي استهداف يمكن ان تتخيله النفوس المريضة، ولا هي من سنخ الجدليات الفقهية النظرية، ولكنها من طراز (الواقعية الذرائعية) التي تفرض نفسها لتفتح كوة العقلانية المقاصدية التي يجب ان تقود مسارات الرؤية والقرارات للمصالح الحيوية المستدامة وسط بيئة معقدة من المخاضات والتحولات المصيرية؛ محلياً واقليمياً ودولياً. لكل ذلك تأتي هذه المقاربة التي تمثل وجهة نظر شخصية بحتة لما يمكن استشفافه من: أراء و رؤى ومواقف وبيانات سماحته التي احتشدت وتزامنت مع كل الاحداث التي شهدها سماحته خصوصاً في فترة ما بعد العام (2003م)، وبالأخص ما هو منشور من إصدارات ومواقع مكتب سماحته والتشكيلات التابعة له وماكتب وأصدار من باحثين ومؤلفين من مختلف المشارب والخلفيات، وبعد تحليل هذه المضامين فأنه يمكن الخلوص الى أطروحة منهجية تشكل قراءة إستنتاجية لاستقراء عام ومقاربة وصفية لمشروع ذي معالم واضحة وجلية قد تؤسس لطوق نجاة في هذا الظرف العصيب، وضمن محاور ملخصة وعاجلة، وكالآتي:

 المحور الأول: الاسباب والدواعي يأتي اقتراح هذه المقاربة في ظل مجموعة من العوامل والتحديات الراهنة التي تواجه المنطقة، وتهدف إلى تقديم رؤية متكاملة مضغوطة تسهم في توجيه المجتمع نحو الاستقرار والتقدم، ووفقاً للمسوغات الآتية: 

  • الحاجة إلى توجيه المجتمع وسط الأزمات والتحديات الحالية : تواجه المنطقة مجموعة من الأزمات المتداخلة، منها التوترات البينية التدخلات الخارجية الفساد، والأزمات الاقتصادية. هذه التحديات خلقت حالة من الاضطراب وعدم اليقين لدى المواطنين، وأصبح هناك حاجة ملحة لتوجيه مجتمعي شامل يعتمد على رؤية حكيمة ومرنة مثل رؤية السيد السيستاني لتكون بمثابة مصدر استقرار وإلهام روحي لمواجهة هذه التحديات.
  • إعادة التأكيد على السيادة والاستقلالية الوطنية : مع ازدياد الضغوط الإقليمية والتدخلات الدولية، هناك حاجة لتأكيد موقف المرجعية الدينية في النجف الذي يدعو إلى سيادة الدولة واستقلال قرارها، واصدار هذه المقاربة يهدف إلى توضيح رؤية السيد السيستاني التي تؤكد على عدم القبول بالتبعية لأي قوة خارجية، مما يعزز من موقف الدولة والمجتمع في المطالبة بالاستقلالية والقرارات الوطنية الحرة.

 ٣. توحيد الرؤية الشيعية ضمن الهوية الوطنية الجامعة:

 يشعر الشيعة العرب في العراق وباقي البلدان أحيانًا بوجود سوء فهم أو تصويرهم على أنهم مرتبطون بشكل مطلق بالأجندات والمشاريع الخارجية لذا تأتي هذه المقاربة لتوضيح الموقف المستقل للمرجعية، وتعزيز هوية الشيعة كمكون وطني فاعل ضمن النسيج الوطني، مما يسهم في تحسين التصورات الخاطئة ويؤكد على انتمائهم لأوطانهم، ومعالم تفاعلاتهم مع محيطهم الاقليمي والدولي كطائفة منتشرة على ربوع المعمورة، تمتلك رصيداً تاريخيا وحضارياً فريداً ومتميزاً وخلاقاً. 

4. توجيه المجتمع نحو مفهوم العدالة الاجتماعية والمواطنة الصالحة:

 تعاني المنطقة من تحديات الفساد وضعف المؤسسات، مما يولد الحاجة إلى إطار أخلاقي يعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق الإصلاح المؤسسي، وهذه المقاربة المستندة إلى رؤية السيد السيستاني توفر إطارا أخلاقيا وقيميًا صالح للإستناد إليه من قبل المواطنين والقيادات لتحقيق التغيير المطلوب. 

5 مواجهة الانقسامات الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية

المقاربة تمثل دعوة للوحدة الوطنية وتجنب التفرقة الطائفية والمذهبية، وهو أمر في غاية الأهمية في الوقت الراهن في المنطقة الاقليمية، حيث يتزايد التوتر بين المكونات ومحاولات دوائر الشر لإذكاء الفتن الداخلية والمذهبية والاقليمية، حيث طالما دعت المرجعية الدينية للوحدة والتضامن، وهنا تأتي المقاربة هذه كأداة لتهدئة الخواطر وتوحيد الصفوف خلف رؤية مشتركة تدعو إلى تحقيق المصلحة والانسانية الوطنية العامة بعيدًا عن أي تمييز أو انقسام.

 6. توضيح موقف المرجعية من القضايا الإقليمية والدولية :

في ظل التوترات الإقليمية والتدخلات الدولية، قد يكون هناك سوء فهم أو إساءة تفسير المواقف المرجعية العليا في النجف الاشرف، وهذه المقاربة توضح موقف (السيستانية) من العلاقات الدولية، ويعزز من استقلالية المرجعية عن أي تأثيرات خارجية، ويُظهر أنها تسعى لمصلحة الدولة والانسان أولاً وأخيراً.

 7. تحفيز الإصلاح الاجتماعي والسياسي بطريقة غير تصادمية : 

من خلال التوضيح من أن المرجعية لیست في موضع منافسة مع السلطات السياسية، بل تسعى للإصلاح والتوجيه من أجل مصلحة الشعب. هذه الرؤية الإصلاحية غير التصادمية يمكن أن تسهم في دفع العملية السياسية المدنية الديمقراطية نحو تحسين الأداء الحكومي دون إثارة صراعات أو مواجهة بين السلطات بطرق عنفية أو مسلحة. 

8. تحقيق التوازن في سياق دولة مدنية :

 تقدم المقاربة رؤية متوازنة تبقي للدين دوره الروحي والإرشادي والقيمي والاخلاقي وسلطانة الروحي الالهامي، وهذا التوضيح يمكن أن يُسهم في بناء توافق مجتمعي حول شكل الدولة وطبيعة النظام السياسي، ويمنع استغلال الدين لأغراض سياسية انتهازية أو فئوية دنيئة. 

 9 .تعزيز دور الحوزة العلمية كقوة روحية مستقلة

تأتي هذه المقاربة لتعيد تأكيد استقلالية الحوزة العلمية في النجف عن السياسة المباشرة، ودورها كقوة توجيهية وأخلاقية وليس كجزء من السلطات الرسمية للدولة: التنفيذية، التشريعية القضائية)، وهذا يسهم في الحفاظ على مكانة الحوزة كمصدر للثقة والنزاهة في المجتمع وارشاده. 

10. تقديم أنموذج عراقي يُمكن أن يكون مثالاً للمنطقة :

 تتوجه المقاربة لتقديم أنموذج عراقي مميز في التعامل مع الأزمات من خلال التركيز على الاستقلالية والسيادة، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية التشاركية، بحيث يمكن أن تكون هذه المقاربة معلماً إسترشادياً يُحتذى به في المنطقة، خاصة في ظل الانقسامات والصراعات التي تعاني منها العديد من الدول.

 11. الإسهام في بناء ثقافة الحوار بين الأديان والمجتمعات :

 أكثر البلدان هي متعددة الأديان والطوائف والقوميات والاعراف لذلك يدعو السيد السيستاني باستمرار إلى العيش المشترك والتسامح الديني، لذا تسلط المقاربة الضوء على هذه الدعوة، وتعزز من جهود بناء التفاهم والحوار بين مختلف الشعوب ودول العالم المختلفة، وهو أمر حيوي لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل. 

المحور الثاني: السيستانية لماذا ؟

يعتبر السيد علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى في النجف الاشرف من الشخصيات الرائدة ذات التأثير الكبير ليس فقط في العراق بل في العالم الإسلامي عامة. ما يميزه هو عمق تفكيره الفقهي والسياسي، ووضوح رؤيته في عدد من القضايا المعقدة المتعلقة بالدين والسياسة والحياة العامة. كل ذلك يتم رصده واستلاله من أرثه الفكري ونتاجاته، بالإضافة إلى الفتاوى والمواقف التي اتخذها والتي تعكس بأغلبها الحس الانساني والوعي الراجح، حيث يمكن تقييمها عبر نقاط عدة أهمها : 

  • عمق النضج والوعي الفكري والسياسي: تظهر السيستانية) نضجا ووعيًا سياسيا عميقا يعكس تفهما دقيقا للتحديات الراهنة التي يواجهها العراق والمنطقة، فهو يدرك التوازن الحساس بين الأدوار الدينية والسياسية، ويعمل على تقديم الإرشاد بدون التورط في التفاصيل اليومية للسياسة، مما يجعله مرجعًا موثوقا لأغلبية المكونات، كما تمتاز (السيستانية) برؤية معتدلة تعتمد على تحقيق مصلحة العراقيين، كما أنها تتبع نهج ما يسمى التوجيه من الخلف"، ما يعكس الحكمة في تجنب التورط المباشر في يوميات السياسة وجدلياتها الإنتهازية لتحقيق الاستقلالية المرجعية بصورة مرنة وفاعلة.

 2 .المنهج والاطروحة حول الدين والسياسة والعلماء في الحياة العامة :

ترفض السيستانية) بشدة التورط المباشر للمرجعية في العملية السياسية، وتؤكد على أن دور العلماء يجب أن يكون في توجيه المجتمع نحو الأخلاق والتقوى والحفاظ على المبادئ العامة. هذا التوجه يركز على الحفاظ على استقلالية الدين وعدم استغلاله لأغراض سياسية إنتهازية أو فئوية عصبية تمييزية، حيث يتمثل منهجها في دعم الدولة المدنية التي تحترم الدين وتتيح للعراقيين بمختلف انتماءاتهم فرصة العيش تحت مظلة القانون والعدل. 

 3.النظرية السياسية

لا تتبنى (السيستانية) أي نظرية سياسية تتطلب من المرجعية الدينية أن تكون في مركز السلطة السياسية، بل ترى أن المرجعية الدينية في عصر الغيبة يجب أن تكون مرجعا أخلاقيا وارشادياً وروحيًا، وبهذا، فهي تدعم نظام الحكم القائم على الديمقراطية الشعبية، حيث يكون للشعب الحق في اختيار دستوره وحكومته وممثليه بحرية، وهذا ما تجلى بمواقف عديدة، أكد سماحته على أهمية الانتخابات ودعا الشعب للمشاركة الفاعلة فيها، مما يعكس اعترافه بأهمية مشاركة المجتمع في تحديد مستقبله من خلال الآليات الديمقراطية. 

 4. دور الشيعة في أوطانهم

تشدد (السيستانية) على أن الشيعة يجب أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من أوطانهم، ويعملوا من أجل مصلحة مجتمعاتهم الوطنية بدون الانخراط في النزاعات الطائفية أو الانعزال، حيث يرى سماحته أن دور الشيعة في الأوطان ليس التمايز أو الانعزال، بل المشاركة الفاعلة في بناء الدولة والمجتمع مع الحفاظ على حقوقهم ضمن الأطر القانونية والدستورية المتفق عليها.

 ٥.الموقف إزاء الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية

تنحاز (السيستانية) دوماً الى دعم الوحدة الوطنية، حيث أدان سماحته الطائفية والتفرقة في عدة مناسبات، فعندما ظهرت تهديدات كبرى مثل داعش، دعا الشعب إلى التوحد ووجه بإصدار فتوى الدفاع الكفائي" لحماية البلاد، مما عزز من الروح الوطنية ودفع الجميع إلى العمل من أجل حماية العراق. أما فيما يتعلق بالأحداث الإقليمية والدولية، فسماحته يتميز بالوسطية والاعتدال والتدقيق للتعاطي مع هذه الملفات الشائكة والمعقدة كلما اقتضت الضرورة التي يقدرها سماحته. 

6. علاقة الدين بالسياسة:

 تعتبر (السيستانية) أن العلاقة المثلى بين الدين والسياسة هي تلك التي تحترم فيها الدولة القيم الدينية دون أن يتدخل الدين في تفصيلات السياسة المباشرة، وهو ما يتماشى مع مفهوم الدولة المدنية بمفهومها المرن. 

7. شكل الدولة وطبيعة النظام السياسي فيها ودور الدين فيها : ت

دعو (السيستانية) إلى تأسيس نظام سياسي يقوم على احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، ويدعم إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. 

٨.الاستقلال والسيادة الوطنية

تشدد (السيستانية) على ضرورة أن يكون العراق سيد نفسه وهو ما يعكس وجهة نظر سماحته حول سيادة الدول، رافضا أي تدخل خارجي في شؤونه، حيث أن السيادة الوطنية بالنسبة له مسألة غير قابلة للتفاوض، وهو ما ظهر في تصريحاته المتكررة بخصوص ضرورة اتخاذ القرارات بما يخدم مصالح العراق والشعب العراقي دون تأثيرات خارجية، كما دعا إلى بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والمجتمع الدولي، شريطة أن تحترم هذه الدول سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.  

9 .دور الشيعة ككيان منتشر في كل العالم: 

ترى السيستانية) أن الشيعة باعتبارهم جزءا من الأمة الإسلامية، يجب أن يكونوا جزءا من المجتمعات التي يعيشون فيها، وأن يسهموا في بنائها وتطويرها، واحترام القوانين الوطنية في البلدان التي يعيشون فيها، والعمل من أجل الصالح العام، ويرفض سماحته الانعزالية أو السعي وراء تحقيق مصالح طائفية ضيقة، بل يشدد على أهمية الاندماج والتعايش مع الآخرين بسلام واحترام متبادل.

 10. العلاقة مع الشرق والغرب:

تدعو السيستانية) إلى بناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين العراق وبين كل من الشرق والغرب، حيث يرى سماحته أن الحوار والتفاهم هما السبيل الأمثل لبناء علاقات دولية صحية، وهو ما أكده في لقائه مع البابا فرنسيس، إذ شدد على أهمية الحوار بين الأديان والثقافات كوسيلة لتحقيق السلام، مما يعكس رؤية متوازنة تجاه العلاقة مع الشرق الغرب واهتمامه بتعزيز التفاهم الدولي الشامل على أسس العدالة والسلام. 

 11. الموقف إزاء حركات المقاومة:

 تدعم السيستانية) حركات المقاومة التي تهدف إلى الدفاع عن الأوطان ضد الاحتلال والعدوان، كما فعل سماحته في فتوى الدفاع الكفائي ضد داعش أو بياناته الحازمة ضد الانتهاكات في فلسطين ولبنان، لكنه يؤكد على أن هذه الحركات يجب أن تكون تحت إشراف الدولة المدنية القانونية لضمان عدم استخدامها لأهداف سياسية أو طائفية، ومثاله ما أكدة سماحته في أهمية أن تكون جميع الأنشطة العسكرية مرتبطة بالدولة العراقية وتحت إشرافها، لضمان الحفاظ على وحدة السلاح وعدم انزلاق البلاد نحو الفوضى والانهيار. 

12. دور الحوزة العلمية وعلماء الدين:

 ترى (السيستانية أن الحوزة العلمية يجب أن تكون مركزا للمعرفة الدينية والتعليم الالهام الروحي، وأن تكون بعيدة عن الصراعات السياسية الضيقة، والتوجه نحو إرشاد المجتمع من الناحية القيمية والروحية والأخلاقية، والمساعدة في الحفاظ على السلم الاجتماعي والعدالة والنماء ومحاربة الفساد والأخلاقيات الهدامة.

  13. الموقف من الدستور والقوانين والنظام العام:

 تولي السيستانية) أهمية كبرى لضرورة احترام الدستور كإطار قانوني جامع ينظم حياة المجتمع ويحمي حقوق جميع المواطنين منذ صياغة الدستور العراقي بعد عام 2003، دعا سماحته إلى المشاركة الفاعلة في عملية الاستفتاء على الدستور، وشدد على ضرورة أن يكون الدستور شاملاً ويعبر عن تطلعات كل العراقيين، بمختلف مكوناتهم وطوائفهم. يرى السيد السيستاني أن القوانين يجب أن تكون عادلة وتعمل على حماية حقوق الجميع وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، كما يؤكد على ضرورة أن تطبق هذه القوانين بصورة نزيهة وغير متحيزة، وألا يتم استغلالها لأغراض طائفية أو سياسية، ويصر على أن النظام العام يجب أن يكون قائماً على احترام القوانين والدستور، بحيث لا يتم السماح لأي جهة بالتصرف خارج إطار القانون. ان السيد السيستاني يدعم فكرة أن النظام العام يجب أن يضمن الأمن والعدالة، ويحث على تطبيق القانون بصرامة على جميع المواطنين دون تمييز، وفي عدة مناسبات، شدد سماحته على أن المرجعية تدعم كل الجهود التي تساهم في تحقيق الأمن والاستقرار من خلال النظام القانوني، وأن القانون هو الأساس في إدارة شؤون المجتمع وحماية حقوق الأفراد.

 المحور الثالث : منهج إنقاذ كيف؟ 

السيستانية ليست مجرد فكر ديني يقتصر على الفتاوى الفقهية أو توجيه المعتقدات، إنها منظومة شاملة؛ رؤية تتجاوز حدود التقليد لتغوص في أعماق الأزمات الاجتماعية والسياسية، وتقدم حلولاً مستمدة من المبادئ الدينية، مع التأكيد على الاستقلالية والاعتدال تنطلق هذه الرؤية من حرص السيد علي السيستاني على خدمة الوطن وشعبه، في إطار دولة موحدة، عادلة ومستقلة، ووفق منهج رصين يرتكز على الأسس الآتية: 

  • السيادة الوطنية والاستقلالية: السيادة ليست مجرد كلمة تطرح في الخطابات السياسية، بل هي جوهر يجب أن يُعاش ويحترم في كل قرار يصدر نحو الداخل أو يحمي الداخل من تدخلات الخارج. يرى السيد السيستاني أن العراق يجب أن يكون سيد نفسه، فلا يقبل أي تدخل أو توجيه خارجي، سواء أتى من قوى إقليمية أو دولية. هذه الاستقلالية هي ضمانة لبناء دولة قوية قادرة على خدمة مواطنيها. لذا، فإن إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار والمجتمع الدولي يجب أن تتم على أساس احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه.
  • الدين والسياسة – التوازن بين الدوافع والمتطلبات: في منهج السيد السيستاني، الدين يلعب دور المرشد الروحي والأخلاقي، ولكنه وفي غياب المعصوم لا ينبغي أن يكون أداة للسيطرة السياسية القاهرة والمستبدة، لهذا يدعو إلى الحفاظ على توازن دقیق مفاده الدين مصدر للإلهام والمبادئ الأخلاقية، بينما تظل إدارة شؤون الدولة في أيدي المختصين من ذوي الكفاءة والنزاهة بعيدة عن الهيمنة الشمولية المباشرة لرجال الدين.

 3 .مواجهة الأزمات الوطنية 

أثناء أزمات مثل غزو داعش، كان تدخل السيد السيستاني بمثابة إنقاذ حقيقي عبر فتوى " الدفاع الكفائي" التي كانت نداء للجميع للوقوف صفا واحدًا ضد العدو، لكنه دائما ما أكد على أن السلاح يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة، حتى لا تتحول المقاومة إلى سبب للفوضى السيستانية لا تدعو فقط لمواجهة الأزمات، بل تقدم منهجا للاستجابة بحكمة دون أن تتحول الأزمة إلى مبرر للتدخل الخارجي أو الفوضى الداخلية، لذا تجد سماحته يتدخل بالدعم والاسناد في أي منعطف كارثي ومصيري.

  4. العدالة الاجتماعية والمشاركة الشعبية

لأن الإصلاح الاجتماعي والسياسي لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة فاعلة من المجتمع، فأن السيد السيستاني يدعو إلى مشاركة حقيقية في الانتخابات، باعتبارها السبيل لتحقيق إرادة الشعب، وضمان أن السلطة تمنح لأولئك الذين يسعون لخدمة الوطن بحق. كما يضع السيد السيستاني مكافحة الفساد في صدارة اهتماماته، فبدون الشفافية والمحاسبة لن يكون هناك أي أمل في تحقيق العدالة الاجتماعية.

 5. العلاقات الإقليمية والدولية - بناء جسور الثقة

لا يمكن للعراق أن يعيش في عزلة عن محيطه، لكن يجب أن تكون علاقاته قائمة على الاحترام المتبادل، لذا يحرص السيد السيستاني على بناء علاقات إيجابية مع كل من الشرق والغرب، شريطة ألا تؤثر هذه العلاقات على سيادة العراق. لقاءاته مع قادة دينيين عالميين مثل البابا فرنسيس، هي دليل على انفتاحه على الحوار والتفاهم، وعلى سعيه الدائم لتحقيق التعايش السلمي في الداخل والخارج.

 6. دور الحوزة العلمية في المجتمع

الحوزة العلمية ليست جهازا سياسيًا، بل هي مركز للمعرفة الدينية والإرشاد الروحي السيد السيستاني يؤكد أن دور الحوزة هو توجيه المجتمع نحو القيم الأخلاقية، بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي قد تضعف مكانتها ونزاهتها. هذا الدور المستقل يضمن أن تبقى الحوزة منارة تضيء طريق المجتمع في اللحظات الصعبة دون أن تسيطر على القرار السياسي بطريقة شمولية مستبدة. 

7. الإنقاذ كمفهوم مجتمعي وروحي

الإنقاذ في مفهوم السيستانية لا يقتصر على التصدي للأزمات العسكرية أو الأمنية فقط، بل يشمل أيضا بناء الإنسان وحمايته من الظلم والفقر والفساد، ويضع السيد السيستاني أهمية كبرى على التعايش السلمي بين كل مكونات الشعب العراقي مسلمين كانوا أو غيرهم، داعياً إلى مجتمع يقوم على العدالة، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من النسيج الوطني وفاعل فيه. 

8. الموقف من الدستور والقوانين والنظام العام

الدستور هو عقد اجتماعي يجب أن يحترمه الجميع لضمان استقرار الدولة وعدالة النظام. يرى السيد السيستاني أن احترام الدستور وتطبيق القوانين بإنصاف هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الجميع. ولهذا، كان داعمًا لعملية صياغة الدستور ومشاركة الشعب في الاستفتاء عليه، ويشدد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، كشرط أساسي لبناء دولة يسود فيها النظام ويُحترم فيها حقوق الجميع.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن