12 Nov
12Nov


د. محمد القريشي


استنادًا إلى عالمة الأنثروبولوجيا مارغريت ميد، فإن أول علامة على الحضارة في الثقافات القديمة لم تكن صناعة الأشياء ولا اكتساب التقنيات المختلفة. العلامة الأولى للحضارة هي اكتشاف “عظمة فخذ بشرية” مكسورة تم شفاء الشخص بعدها إصلاحها ! وهذا يعني انتقال الفرد من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان.
في عالم الحيوان، لا يستطيع الكائن الاستمرار في الحياة إذا أصيب بجرح؛ فهو لا يقدر على الوصول إلى الماء عندما يعطش، ولا يمكنه الصيد عندما يجوع، ويتحول إلى فريسة سهلة للحيوانات الجائعة نظرًا لصعوبة حركته وعجزه عن الهرب. وجود عظمة فخذ مكسورة ومتعافية يدل على وجود فرد آخر وضع المصاب في مكان آمن وقدم له الرعاية حتى يتعافى. الخطوة الأولى نحو الإنسانية تحققت عندما تكاتفت مجموعة من البشر لمعالجة فرد وإنقاذه. كانت الحياة البدائية قاسية، وكان المصاب يشكل خطرًا على المجموعة بأكملها. لذا، فإن تخصيص الوقت والطاقة لتوفير الطعام للمصاب والعناية به يمثل لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية.
وفي هذا السياق، يعد التفات القوي نحو الضعيف  المحتاج تعزيزًا لآدمية الفرد، وكبحًا لجموح “الأنا” داخله. كما يُعد وجود “التخمة المفرطة إلى جانب العوز الشديد” في بعض المجتمعات علامة على بقاء الوحشية البدائية.
التوزيع العادل للفرص والموارد بين الأفراد عمل صعب وسهل في آن واحد:  صعب لأنه يتطلب التغلب على “الأنا” العميقة المرتبطة بالجوع الغريزي ( ارتقاء في القيم) ومهارات في الادارة والتنظيم،  وسهل بسبب وفرة الفرص والموارد وتطور العقل البشري خلال هذه الرحلة التي قطعتها الإنسانية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن