06 Jan
06Jan

محمد عبد الجبار الشبوط 

لتعريف الطبقة السياسية سوف استعين بتعريف نيكوس بولانتزاس (الطبقات الاجتماعية، ص ١٤، الترجمة العربية، دمشق ١٩٨٣) الذي يقول فيه: "الطبقات الاجتماعية هي مجموعة من العاملين الاجتماعيين الذين يحددهم بشكل رئيسي لا حصري موضعهم في مسار الانتاج، اي في الميدان الاقتصادي".

هذا التعريف يتحدث عن الطبقة الاجتماعية الاقتصادية. والطبقة السياسية هي طبقة اجتماعية لكنها مرتبطة بالوضع السياسي. 

كما انها تعبير عن مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين في الحقل السياسي، الذي هو حقل القوة والسلطة السياسية والدولة. وعليه يمكن تعديل تعريف بولانتزاس والاستعانة به لتعريف الطبقة السياسية.

 وعلى هذا الاساس نقول ان الطبقة السياسية هي مجموعة من العاملين الاجتماعيين الذين يحددهم بشكل رئيسي لا حصري موضعهم ودورهم في الميدان السياسي، اي ميدان القوة والنفوذ والسلطة والدولة.  وهذا التعريف يستبطن الجانب الوظيفي والجانب البنيوي في نفس الوقت.

تشمل الطبقة السياسية العراقية الحالية المعارضين السياسيين الذين نشطوا من اجل الاطاحة بنظام صدام خاصة بعد الثورة الاسلامية في ايران عام ١٩٧٩ وبخاصة بعد غزو صدام للكويت عام ١٩٩٠ واخيرا بعد سقوط نظام صدام في عام ٢٠٠٣. 

وينتمي هؤلاء الناشطون الى عموم الشعب العراقي، لكنهم قبلوا ان يصنفوا انفسهم الى مكونات طائفية وقومية ودينية، بدل توصيفهم كمواطنين، ابتداء من مؤتمر المعارضة العراقية في فيينا وصلاح الدين في عام ١٩٩٢، ثم بعد سقوط صدام عام ٢٠٠٣، وتكرس الحديث عن المكون الشيعي والمكون السني والمكون الكردي، فيما غاب الحديث عن المكونات الاكبر وهي المكون العراقي، او المكون الاسلامي، او المكون العربي. على مستوى المكونات ليست الطبقة السياسية العراقية وحدة واحدة، بل هي شريحة مؤلفة من عدة مكونات فرعية، تجمعها مصلحة مشتركة هي البقاء في السلطة، وتفرقها المصالح الخاصة بكل مكون بل كل حزب بل كل زعيم على حدة.

 اضحت السياسة بعد عام ٢٠٠٣  عبارة عن سعي متواصل ومحموم للحفاظ على التوازن بين هذين الامرين، لان قادة الطبقة السياسية، وعرابيها، يدركون ان اختلال التوازن قد يؤدي من بين امور اخرى كثيرة الى فقدان السلطة، شيعيا وسنيا وبدرجة اقل كرديا. 

ومن اجل ذلك اقامت الطبقة السياسية جهازا سياسيا مؤلفا من حكومة وبرلمان  ومجالس محافظات وادارات فرعية يأتمر بامر العدد القليل من القادة الذين يشكلون من جهتهم ما يسمى بالاتوقراطية الانتخابية electoral autocracy مع ملاحظة ان بعضهم غير منتخبين او لا يشاركون في الانتخابات اصلا."الوظيفة هي ما يؤديه الافراد في مجتمع او تنظيم معين من ادوار بحكم موقعه فيه" كما يقول الدكتور عادل فتحي ثابت عبد الرحمن  في كتابه "النظريات السياسية الحديثة"، ص ١٨١. 

 و حدد عالم الاجتماع المعروف الموند وظائف  الجهاز السياسي بوظيفتين هما:اولا، اداة المجتمع لتحقيق اهدافه؛ و ثانيا، اداة لتحقيق استمراره. ولكن بملاحظة مستوى الانجاز المتحقق بالنسبة للوظيفة الاولى مقارنا بمستوى الانجاز المتحقق للوظيفة الثانية لا يصعب على المحلل القول ان الجهاز السياسي للطبقة السياسية في العراق ركز على الوظيفة الثانية التي اصبحت بلا جدال وظيفته الاساسية.

 وهذا يفسر بقاء نفس الاشخاص المتصدين لشؤون الدولة خاصة الشيعة والكرد منهم بالدرجة الاولى، والسنة بالدرجة الثانية.ومع ان تحليل الموند  المذكور يعود الى عام ١٩٦٠ وهو تاريخ نشر كتابه المشترك مع Coleman الذي حمل عنوان: the politics of the developing areas  فان الطبقة السياسية العراقية استطاعت ان تقيم نسقا سياسيا مختلطا، و "النسق السياسي" حسب تعريف الموند يتكون من عدة بنيات (بنى)  يقوم كل منها بوظيفة معينة تحقق استمرار واتزان ذلك النسق الكلي. 

وهو يرى أن جميع الانساق السياسية تعتبر انساقا مختلطة من ناحية الاوضاع الحضارية والثقافية حيث تجمع بين الخصائص التقليدية والخصائص الحديثة. وهذا ما ينطبق على النسق السياسي الذي اقامته الطبقة السياسية الراهنة؛ فهو نسق مختلط، يجمع بين الخصائص الحديثة (احزاب، انتخابات الخ) وبين الخصائص التقليدية (القادة الاوتوقراطيين).

 ولهذا يصعب وصف النظام السياسي العراقي الحالي بانه نظام ديمقراطي، ففي افضل الحالات نكتفي بالقول انه نظام مختلط.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - جريدة المواطن