كتب : الباحث عمار جبار سابط / ماجستير قانون عام
تتمثل جريمة الرشوة بكونها سلوك ثنائي تفترض مساهمة شخصين أو أكثر، أو نشاط متقابل يتمثل أحدهما في العرض والآخر في القبول وشخص يتوسط في بعض الأحيان لإتمام اتفاقهما، عليه فان أطرف جريمة الرشوة هم:
اختلفت التشريعات في تحديد طبيعة جريمة الرشوة القانونية بين مبدأ وحدة الجريمة ومبدأ ثناية الجريمة، وعليه سنتناول المبدئين في هذه الفقرة:
تعتبر الرشوة وفق هذا النظام جريمة واحدة هي جريمة موظف يتاجر بوظيفته باعتبار أن جوهر الرشوة هي الاتجار بالوظيفة وهذا الفعل يقع في نصيب الموظف وحدة أما الراشي فهو شريك له بالتحريض أو الاتفاق ويستمد إجرامه من الموظف هي بذلك الوصف تعد جريمة واحدة ذات فاعلين ضروريين هما الراشي والمرتشي وهذا النظام يعد جريمة الرشوة جريمة واحدة ولا توجد تفرقة بين الرشوة السلبية أو الرشوة الإيجابية وأن التشريعات التي اخذت بهذا النظام عاقب الراشي بذات عقوبة المرتشي حيث تعتبر التشريعات التي أخذت بهذا النظام أن كلاً من الراشي والمرتشي فاعلاً ضرورياً للآخر في جريمة الرشوة المتكاملة الأركان وكذلك لا يعد فاعلاً في هذه الجريمة من لم يكن موظفاً عاماً أما غير الموظف فهو مجرد شريك مهماً كان النشاط الإجرامي المساهم في الجريمة.
وهنالك تشريعات اخذت بنظام ازدواج الجريمة أي ان الرشوة جريمة مشتملة على جريمتين منفصلتين احداهما جريمة المرتشي وتدعي الجريمة السلبية وهي متمثلة بالسلوك الإجرامي للموظف العام عند طلبه مقابل عن الخدمة المقدمة من قبله خلاف للقانون والاخرى جريمة الراشي او الرشوة الإيجابية ترتكب من قبله عندما يعطي مقابلاً عن الخدمة المؤدات أو الوعد بإعطائه ميزة او منفعة وتستقل كل من الجريمتين عن الأخرى في المسؤولية والعقاب وسلوك الراشي لا يعد اشتراكاً في عمل المرتشي بل هو عمل مستقل في جريمته وهو وبذلك يمكن أن يرتكب أحد الجريمتين دون الأخرى وبمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان أحدى الجريمتين دون أركان الجريمة الأخرى وذلك لأن الراشي لا يعد مساهم في عمل المرتشي بل هو فاعل مستقل لعمل عن عمل المرتشي وعليه يمكن أن تطبق قواعد الاشتراك والشروع ضمن النظام القانوني( ) الذي يأخذ بنظام ازدواج الجريمة فالموظف العام يسأل عن جريمة الرشوة إذ قام بالسلوك الإجرامي المتمثل بالطلب ولو رفض صاحب المصلحة إعطاءه أو الاستجابة الى طلبة وهنا تتحقق جريمة الرشوة السلبية تامة وأن لم يستجب صاحب المصلحة والراشي يعد فاعلاً أصلياً في جريمة الرشوة الإيجابية ولا يعد شريكاً للموظف ويسأل عن جريمة ومتى عرض على الموظف العام العطية أو المنفعة وأن رفضها الاخير( ) وهذا مالا يسمح به نظام وحدة جريمة الرشوة إلا في حالة نصه على جريمة خاصة وهي عرض الرشوة( )، وأن الجريمتين تقع تامة بمجرد البدء بتنفيذها أي بمجرد طلب الموظف تقع جريمة الرشوة السلبية وقد يكون للراشي والمرتشي شركاء خارجين غير شركاء الطرف الآخر.
ولهذه الخلاف في تحديد الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة أهمية تظهر جلياً عند تطبيق الأحكام العامة في الاشتراك والشروع. فإذا تم الأخذ بنظام وحدة جريمة الرشوة يمكن تطبيق القواعد العامة في الاشتراك والشروع أما الأخذ بنظام الازدواج فالأمر مختلف لأن سلوك كل من الراشي والمرتشي يشكل جريمة لها استقلالها عن الجريمة الأخرى وهي قائمة بذاتها منفصلة عن غيرها وعليه يخضع كل منهما للقواعد التي أقراها المشرع للجريمة.
إن التشريعات التي تأخذ بمبدأ وحدة جريمة الرشوة تتطلب الأخذ بالقواعد العامة في الاشتراك في تكيف فعل الراشي وتحديد مسؤولية باعتباره شريكاً للفاعل الأصلي المرتشي وحيث حددت المادة (48) من قانون العقوبات العراقي (يعد شريكاً في الجريمة كل من 1-حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض. 2-من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناءاً على هذا الاتفاق. 3- من أعطى الفاعل سلاحاً أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعده عمداً بأي طريقة في الأعمال المجهزة أو الصلة أو الحمية لارتكابها)، عليه فإن الأعمال التي لا تدخل ضمن النص المشار إليه في الأعلى لا يمكن أن تعد اشتراكاً حيث أن القواعد العامة تتطلب بان تتحقق في مرتكب الجريمة الفاعل الأصلي المسؤولية الجنائية ابتداء ثم تنقل بعد ذلك الى الشريك لمبدأ الاستعارة في الجريمة الى أن المساهم التبعي يستعير إجرامه من الفاعل الأصلي وأن لم يكن الفعل مجرم الذي وقع فيه اشتراك ومعاقب عليه فلا توجد جريمة ولا توجد مساهمة جنائية، وبالتالي أن رفض الموظف او المكلف بخدمه العطية أو الوعد بها أو المنفعة أو الميزة التي عرضت عليه من قبل صاحب المصلحة أو من قبل الوسيط فإن هذا الرفض لا يعد جريمة مرتكبة من قبله فلا مسؤولية على من قدم العرض لأن فعل الموظف مشروع ولا يعد جريمة يعاقب عليها القانون وحيث لا يوجد شروع في جريمة الاشتراك حيث أن جريمة الرشوة لا وجود لها لأن الموظف رفض العرض. وان ما قام به صاحب المصلحة أو وسيطة من عرض لا يشكل البدء في تنفيذ الجريمة أو البدء بها لأنه سبق الركن المادي في الرشوة وهذا الركن لا يقع إلا من قبل الموظف العام أو المكلف بخدمه عامه على أساس أن جريمة الرشوة جريمته والشروع لا يعاقب عليه إلا بعد التنفيذ من قبل الفاعل الأصلي دون الشريك، وقد عالج المشرع هذه الحال بتجريمه الجريمة الراشي أو الوسيط وأفرد لها مادة عقابية هي المادة (310)، أما في تطبيق أحكام الشروع فقد عرف المشرع العراقي الشروع في نص المادة (30) من قانون العقوبات (البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ولا يعد شروع مجرد العزم على ارتكاب الجريمة ولا الأعمال التحضيرية كذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك).
لا يتحقق الشروع في جريمة الرشوة إلا في صورة الطلب كما لو صدر عن الموظف طلب وحال مانع دون وصوله الى صاحب الحاجة أو المصلحة لسبب من الأسباب أو مانع لا دخل لإرادة الموظف فيه، فالرشوة جريمة تامة يتشرط فيها الإيجاب والقبول في نظام وحده جريمة الرشوة أي أن الرشوة هي جريمة واحدة الفاعل الأصلي فيها الموظف المرتشي والشروع يبدأ متى ما بدأ الموظف في تنفيذ الجريمة (قبول أو طلب). أن نظام وحدة الجريمة يعد جريمة الرشوة واحدة تتكون من فعل الفاعل الأصلي (الموظف المرتشي) فالشروع في هذه الجريمة يبدأ متى ما بدأ الموظف بطلب الرشوة أو قبولها أي متى ما بدأ بتنفيذها وهنا لا يمكن مسألة صاحب الحاجة قانوناً طالما لم يبدأ المرتشي بتنفيذ جريمته كما لو رفض الموظف عرض الرشوة أو سكت عن الإجابة أو أدى عمله كما ينبغي فالقواعد العامة في الشروع لا تعاقب الراشي إلا إذا حصل بدء في تنفيذ جريمة الرشوة من قبل الموظف فإن امتنع الموظف عن قبول الرشوة أو لم يرتكب سوى أعمال تحضيرية لها فلا يمكن مسألة الراشي عن جريمة الشروع في جريمة الرشوة أن فعل الراشي قد يقتصر نشاطه الإجرامي على مجرد عرض صادر منه فهنا يكون نشاطه الإجرامي جريمة مستقلة عن جريمة الرشوة هي جريمة (عرض الرشوة).
في النظام الثنائي يقسم النشاط الإجرامي الى نشاطين مستقلين هما فعل أو سلوك المرتشي الممثل بالطلب أو القبول وسلوك الراشي المتكون من عرض الرشوة او الاستجابة لطلبها وهما فاعلين مستقلين يكونان جريمتين تستقل كل منها عن الآخر عليه لا يعد الراشي شريكاً للمرتشي وذلك لأن فعله مستقل بذاته وكل جريمة منفصلة معاقب عليها وفق التشريعات دون أن يكون الأمر ضروري لتجريم المرتشي لتحقيق جريمة الراشي فهذا النظام يستبعد وجود اشتراك بين جريمة السلبية والجريمة الإيجابية ويستبدل هذه الفكرة بفكرة الجريمة المستقلة، عليه يمكن وجود الجريمة السلبية دون الجريمة الإيجابية فتقع الجريمة بمجرد طلب الموظف العطية أو المنفعة ورفض صاحب المصلحة الاستجابة لطلبه. وكذلك الحال قد تقع الجريمة الإيجابية بالرغم من عدم توفر الجريمة السلبية كما لو عرض صاحب الحاجة عطية او منفعة أو ميزة على الموظف العام بقصد رشوته فقبلها معتقداً أنها هدية مرسله إليه من صديق أو قريب، ولكون الجريمتين مستقلتين عن بعضهما فمن المنطقي تصور أن يكون لكل من الراشي أو المرتشي شركاء في جريمته غير شركاء الطرف الآخر.
إن نظام الأزواج إذا ما اخذنا تطبيق الشروع عليه فهنا يمكن تصور وجود الشروع في كل جريمة من الجريمة الإيجابية أو السلبية وذلك وحسب هذا المبدأ أن كل جريمة مستقلة عن الأخرى فقد تتوافر أركان الجريمة الرشوة الإيجابية دون توافر أركان الجريمة السلبية وإذا توفرت أركان الجريمتين فيجدر ملاحقة مرتكبي أحد الجرمين دون الأخرى ويمكن أن يكون في كل جريمة شروع لأن الشروع هو البدء في تنفيذ السلوك الجرمي فإذا تم البدء من قبل المرتشي فتكون أمام شروع وأن خابت جريمة الرشوة لسبب لا يد للمرتشي فيه او كان خارج عن إرادته( ). إن الأخذ بهذا المبدأ يقلل مساوئ نظام او مبدأ وحدة الجرمتين الذي قد يؤدي الى إفلات الراشي من العقاب حالة جريمة الرشوة الخائبة لولا أن عالج المشرع هذه الحالة بتجريم (عرض الرشوة) بصورة مستقلة.