١-الطوفان لغةً من الطوف وهو دوران الشيء
على الشيء يقال طاف حول الدار يطوف طوافاًوطوفاناً أي دارَ حولها فهو طائف ومنها قوله تعالى(وليطَّوفوا بالبيت العتيق) أي الدوران حول البيت الحرام ويطلق الطوفان على كل ماكان عظيماً يحيط بالاشياء ويشملها مثل الموت العام لما فيه من هلاك للجميع
٢-(الاقصى)تعني الاكثر بعداً وهي عكس (الادنى) ويقال (أقصاه عن البلاد)أي لايبلغ أقصاه اي لايقصيه البصر ومنها قوله تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى) أي من أبعد مكان أو من أطراف القرية وسمي (المسجد الاقصى) لبعده عن اهل مكة (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى)
٣-الطوفان إنصرفت هذه الكلمة تاريخياً الى فيضان نوح النبي حينما تلاقت أمطار السماء مع مياه الينابيع لتصنع ملحمة الطوفان العظيم الذي غطى الارض بأمواج ٍناطحت الجبال فذابت به ولم تستطع ان تعصم من لاذ بها اذ( لاعاصم اليوم من أمر الله) لأن القضية تحركت بلغة الغضب المقدس على الظلم وليس بلغة المطر والرذاذ
٤-تمايل قارب النجاة (سفينة نوح) بسكانه الذين علت صيحاتهم وتسابيحهم خشية ً من الغرق ورغبةً في الحياة الا نوح الذي وزّعَ بصره وقلبه بين السحاب والجبل الذي تسلقه ولده هاربًا من الماء ولم يفق الا على صوت النذير (يانوح انه ليس من أهلك ) و(إنه عمل غير صالح) فكفكف دمعه وهو يخاطب جمهور سفينته المختنق بطول السفرة ولهفة الوصول
٥-كان في السفينة (من كلٍ زوجين اثنين) فأقترب من طيور البجع وهمس في آذانهم رسالة لتوصيلها الى جالسٍ تحت شجرة ارز يقلّبُ أوراقه وخرائطه وأدواته الاحتياطية فلما وصلت طيور البجع دسَّ في أرجلها شمعات ضوئية لتعبر بها حدود فلسطين الى القدس فتوهمت بها أجهزة الانذار الاسرائلية لتقف على ساقٍ واحدةٍ من هلع المباغتة والمفاجآت (ويحسبون كل صيحةٍ عليهم)
٦-الطوفان الفلسطيني كان بشرياً ونارياً عبرَالسدود والحصون وسار على الماء بعد ان ودعته السنابل التي أخفته والزنابق التي أحبته والازقة التي أنجبته فباغت الجميع الا الملائكة التي كانت تبتسم له وتخفق بأجنحتها من فرح العبور على حافات الظلم والقسوة ساخراً من التخمة والتقاعس المذل
٧-(لايقاتلونكم جميعاً الا في قرىً محصنةٍ أو من وراءِ جُدُر. )كانت آخر آية يمر عليها الشيخ عز الدين القسام وهو يعطي درس التفسير القرآني في زاوية المسجد الاقصى ليبادره طفل صغير بسؤال ذكي (ياشيخنا من هم الذين لايقاتلون الا في قرى محصنة) فتبسم الشيخ له وأشار الى خارطة كانت معلقة على الجدار وتظهر عليها كلمة (خيبر) وأردف (ولايتمنونه ابداً بما قدمت ايديهم) وتلك حكاية آخرى يا (ضيف)
٨-من أين أتى نوح قبل الطوفان ؟ منهم من قال انه ولد في العراق وقيل في دمشق الشام وهناك من قال في مدينة نهاوند الايرانية وهو الذي بناها ويبقى نوح هو الشخصية التاريخية الحقيقية التي قاومت المألوف وعانقت الاستثناء ولم تستوحش الطريق رغم الكسرة العاطفية التي لازمته ك(أبٍ) حريص أن يرى ذريته على نهجه المطرز بالقهر والسخرية والكراهية الظالمة وتلك أمنية الابوة على مر العصور
٩-هل أصبحت ذرية نوح عبئاً على جيرانه وأعمامه وأخواله لانها ذرية تحمل الصفاء في ثنايا الشوائب وتطلب الحرية من قيود الجلادين وتقاوم الشذوذ في مستنقع التشوّه وترفع الجباه لتقطف النجوم للقرى المظلمة من السفاهة
كل هذا يجري لدفن ذرية نوح التي قررت أن لاتموت الا تحت الشمس في البراري و البحار والصحارى الكريمة بفروسيتها الموروثة من جدودها البواسل وهم يتلون (تلك أمانيهم)
أما أمنية الابطال من الحفاة والعراة فهي السير الى الحتف العزيز ولو شظايا وتراب يتذوقها أهل التصوف والعاطفة والعرفان
١٠-طوفان نوح استمر أربعين ليلة وهو يجرف ويطهّر الارض من وحول الاقدام والعقول والاوثان والاستكبار والتطرف قبل ان تستوي (على الجودي)جبل الرسو ورصيف التوقف لتبدأ قصة الحياة بصفحة جديدة
كم سيستغرق طوفان الاقصى لانجاز مهمته العالمية وهو يصول تحت أقمار ساخنة من الحقد وعدسات محدبة من الغلو وفضائيات بعيون الذئاب
وجيران أغلق أبوابه بعطلة غير وطنية
(وما آمن معه الا قليل)
١١-(أنا ومن بعدي الطوفان) مقولة فرنسية قالتها عشيقة لويس الخامس عشر لتتحول الى وصف لكل الانانيين الذين لايرون الا أنفسهم وتلك تشبه حياة(الشعب المختار) الذي يرى في ذريته(الذهبية)التي تستحق البقاء على حساب الجميع ولو بعنصرية يابسة (ملغومة)بالموت الوخيم
١٢-أما نحنُ الذين نكتب وننشد ونغني وننوح وندعو ونبكي ونتحاور ونتشاجر ونحب ونكره ونتظاهر ونتناصر عن قربٍ أو من بعيد هل سيتحملنا السلاطين
وحكومات الفرز العنصري ومنظماته غير الانسانية بإمتياز
هل سنبحث عن طريق جديد لماء البحر
أم ان الكهرباء ستقطع عن بيوت الله التي تتلو سورة الفيل الذي هشمته أبابيل المسيّرات الكاتمة للصوت والمفخخة بالسجيل
سيمر كل شي كما مر الذي قبله ولو بمرارة غالبة وألمٍ أشد ونبقى ونبقى ولو في الخريف نحب وندعو بقلبٍ شفيف
النائب عباس الجبوري
عضو لجنة العلاقات الخارجية